وجهة نظر

في الحاجة لإعادة صياغة أطروحة المشاركة والإصلاح في ظل الاستقرار

كتب ذات يوم الزعيم و الفيلسوف البوسني العظيم علي عزت بيجوفيتش قائلا ” إذا كان من الممكن استلام السلطة بالوعود ، فإن الحفاظ عليها لا يكون إلا بالنتائج“ ، قول لا يحتاج الى كثير من الشرح فهو واضح ، غير ان إسقاطه على الواقع المغربي يجعله مستلزما لكثير من التأمل سيما و التساؤل الكبير لازال مطروحا و مفتوحا عندنا حول إذا كان هناك فعلا حزب يصل إلى السلطة فعليا أمإن “المخزن واقف على شغلو” .

إن الاستمرار و المواصلة في الاصلاح لا يعني الجمود في التفكير و الأساليب ،إنه استمرار للنضال و جدليته، في ظروف اجتماعية و اقتصادية و السياسية في تغيير دائم،و القوات الاجتماعية ذاتها في تغيير دائم ..الاشكال والتناقض الآن بلغة ماركسهو أننا عاجزون عن تسمية الأمور بمسمياتها، والمكاشفة التامة مع المواطن حول عدد من الأسئلة المحورية ;علاقة التحكم بالعفاريت و الفساد و المؤسسة الملكية و محيطها ..جملة من التساؤلات المشروعة التي تحتاج اجابات حقيقية .. قد يكون مقبولاً- في مستوى من مستويات المواجهة- الترميز و الاستعارة غير ان تلك اللغة العاجزة الهاربة تصير مبتذلةً إذا صارت هي الأصل في الخطاب بين السياسي والمواطن الذي يستشكل الكثير من الامور في مشهد سياسي سيريالي.. من يحرك أحزاب الإدارة .. المخزن هو السلطوية و المؤسسة الملكية هي من تتحكم في المشهد الحزبي بكل تفاصيله؟! أم إن الملك أيضا اصبح غير متحكم في أي شيئ ؟! ” غير حاكم، وغير سائد ” بتعبير الجامعي بدون الإجابة الواضحة عن هذه التساؤلات لن يغدو الفعل السياسي و النضالي سوى مجرد محاولة لمواجهة سراب و اطياف استبداد متجدر في هياكل هذه الدولة ..

الشباب بطبيعته أميّا كان أو مثقفا ، يرفض التعقيد و الغموض و الإلتواء و يطمح الى الوضوح و الى فكرة شاملة منسجمة ، فكرة لا تبرر الواقع و الإخفاق ، و إنما تعبر عن الواقع ، و عن الحلول الضرورية من اجل تغييره ، و ما لم تكن أطروحة المشاركة واضحة و تقدم أملاً و أجوبة للشباب الحالمة بالكرامة و الحرية و العدالة ، بالشكل الذي يجعلها-أي الاطروحة – ذات جذب لطاقات الشباب التي نرى أغلبها اليوم تتجه الى إحدى هذه الاتجاهات : إما السعي الى تحقيق نمادج اشتراكية مجردة و السعي نحو محاكاة نمودج الشاب الأوروبي الثائر في اطار الماركسية اللينينة ، و إما بالرجوع الى المدينة الفاضلة و البحث عن بعث نموذج الخليفة امير المؤمنين العادل او الانزواء الصوفي سبيلا لتفريغ طاقاته و يأسه و تيهه .. و إلا فجزء كبير من الشباب يجبره بؤس الواقع و تناقضاته الى اعتناق دين الامبالاة و الاكتفاء بالمشاهدة و اليأس من جدوى جميع المشاريع الاصلاحية .

من المفهوم للناظر المتبصر ان خيار المشاركة و الاصلاح في ظل الاستقرار و تحقيق اكبر قدر من الاصلاحات و المكتسبات هو فعلا الطريق الصحيح ، غير ان الخيار لابد له من سياقات موضوعية و ظروف مساعدة لينجح ، ففي ظل نظام سياسي مجبول على شل كل حرية حزبية تحكمي بالنشأة و الولادة و لن نجد أفضل من المؤرخ الكبير العروي ليقارب لنا طبيعة هذا النظام بقوله : «لقد درست تاريخ المغرب وتاريخ المخزن وميكانيزمات تحركه، وأعرف مأزق هذا المخزن التاريخي، فإذا تكيف مع العصر سيفقد المبادرة لأنه مركزي وسلطوي بالولادة والنشأة، وإذا هو أمسك بخناق المجتمع فإنه يعيق تطور المجتمع، ومن ثم يتسبب في هشاشة الدولة كلها” هل الحل هو الاستمرار في المهادنة و تضيع زمن الثقة الشعبية الذي ينفد بسرعة !!

و بالتالي فإعادة صياغة اطروحة المشاركة و الاصلاح على أسس أكثر تقدمية حاجة ملحة ، بما يضمن بقاء المؤسسات و لكن كذلك بما يضمن احترام حرية الناس و اختياراتهمو لن يكون هذا دون ضريبة الاحتكاك مع دائرة السلطان و السلطوية التي يعتبرها العروي » مثل البحر إذا لم يجد أمامه حاجز فإنه يغمر المكان بمياهه، وكذلك الملكية تحتاج إلى مجتمع واعٍ وحي ومتفاعل ومتشبع بالقيم الديمقراطية والمدنية، وإلا فإنها تتمدد إلى حيث تقدر وتستطيع» و لا يمكن لأطروحة المشاركة السياسية الإيجابية ان تكون ذات جدوى الا اذا كانت اكثر تقدمية و في مستوى مواجهة بحر السلطوية الهادر الذي تشكل فيه المؤسسة الملكية لاعبا رئيسا .

الاشكال ان البيجيدي باعتباره اخر القلاع الممانعة في الجبهة الوطنية المستقلة المالكة لقرارها الحزبي و الموجودة حاليا على فواهة البركان و لا أدلّ على ذلك من نضاله لانتزاع رئاسة الحكومة و هو المدعوم بأصوات الجماهير، و المسنود بإرادة الشعب ، غير أن اليد التي كلفته بتشكيل الحكومة في بلاط القصر هي من صفعته و أربكته بعد ان استبدلتورقة “الياس الريفي” المحروقة بورقة “الملياردير السوسي” الذي أصبح بين عشية وضحاها رئيس لحزب الادارة ،بل وضع كل أحزاب الادارة الاخرى في جيبه و جاء يفاوض على أساسها و كأن المخزن يقول من خلاله للمواطنين : اختاروا من شئتم .. نحن من سيختار لكم ؛ فأنتم قاصرون عن الاختيار.. بالانقلاب الناعم على ارادتهم و هذا يؤكد أمرا واحدا و هو ان البيجدي و معه الاحزاب الوطنية المؤمنة بالمشاركة لا يمكنأن تصمد كثيرا أمام البحر الهادر للسلطوية ، مالم تتجذر أكثر ، و ما لم تحاول إعادة صياغة الاسئلة الجوهرية حول ؛ أي نوع من المشاركة تريد ؟و تحدد سقف الاصلاح السياسي الذي تريدهل تريد الملكية البرلمانية ؟أم تريد فقط الحفاظ على الوضع الحالي ..؟

بهذه الوثيرة ، وهذا المنطق سيجد بنكيران نفسه خارج التاريخ اذا استمر في خيار المهادنة و القبول بالفتات، لاسيما ان تيارات أخرى أصبحت حاملة لجزء من تطلعات الشعب على أعطابها، و لن يكون مستغربا إن تجد جزءا كبيرا من الكتلة الناخبة للبيجيدي قد شد الرحال هناك حيث الامل ضئيل، و بعد احتراق اوراق الاصلاح المنشود ، و حال التعليم و الصحة و التشغيل و الريع و الفساد يزداد تفاقما و تأزما ، كما أن البيت الداخلي لم يعد بتلك ” الطهرانية و النقاء”، حيت أصبح الانكباب واضحا على المصالح و المكائد ، و أصبح الانشقاق السياسي عن المحضن الاخلاقي الذي شملت به الحركة الرعيل الاول واضحا ، مع تعدد المسؤوليات، و كثرة المهام، و تشعب العلاقات و “المال السايبكيعلم السرقة ” …

التاريخ يؤكد ان حزب الخطيب سيصير حزبا عاديا، كما كان الشأن بالنسبة للشورى و الاستقلال و سيستزفه المخزن في حرب طويلة النفس ، و في ظل مشهد حزبي بائس، ليس مؤهلا لتشكيل جبهة و طنية حقيقية فلا الاتحاد بقي اتحادا و لا الميزان عادلا و لا رفاق الشيخ يعتة الشيوعيون متجذرون بالشكل المطلوب و القوي لدى الجماهير …المهم ان المخزن سيكون قرير العين … بعد ان يتأكد من وأد بقية الاصوات الحرة.

المطلوب من الشباب المثقف نسبيا الآن و حالا !! هو النضال من جميع المواقع و المواقف و الجبهات من اجل مواجهة الاستبداد المخزني بعيدا عن وهم الصراع الايولوجي الذي قتل به المخزن الجامعة و وأد به “اوطم”، و شتت به العمل النقابي المبدئي، و كرس به مبدأ “فرق، تسد ” في ظل مجتمع كان دائما مجتمع متنوعا، تعدديا ،متضامنا، الى ان حل بؤس الدولة و شرها المجبولة عليه لاستمرار نفوذها .

إن التحرر من أسر المفاهيم و القبليات الأيدولوجية الصورية التي تضفي على نفسها طابعا علميا مزيفا و ذاك بتحليلٍ تاريخيٍّ نقديٍّ جدليٍّ للمسار و المسير للواقع و الآمال،و التمكن من تقدير صحيح لطبيعة الجهاز الاداري الحالي (المخزن) الذي يتولى مهمة القمع و التسيير و الذي لطالما اعتبرته القيادة التاريخية للاتحاد الاشتراكي هو نفسه الجهاز الاستعماري بعد مغربته، مع الادراك السليم الموضوعي لحقيقةالمحتوى الذي ترمي اليه المطالبة بالديمقراطية من طرف الجماهير، المحتوى الذي ينسجم مع طموح الشعب نحو الديمقراطية و التحرر الكامل و تحقيق الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.. كلها عناصر أساسية جوهرية على أساسها يجب إعادة صياغة أطروح المشاركة السياسية لأن” السياسة الحقيقية هي سياسة الحقيقة “كما قال ذات يوم المهدي بن بركة!