سياسة

بعد 40 سنة على تأسيسها .. أي مستقبل ينتظر جماعة ياسين؟

قبل أزيد من أربعين سنة، وبالضبط في سنة 1981 أعلن عن تأسيس جماعة العدل والإحسان التي غيرت اسمها أكثر من مرة، فمن أسرة الجماعة إلى جمعية الجماعة الخيرية إلى جماعة العدل والإحسان.

ويعتبر العديد من المتخصصين في الحركات الإسلامية جماعة العدل والإحسان التيار الإسلامي الرئيسي في المغرب على المستوى الشعبي، كما يصفونها بالفريدة من نوعها في المنطقة.

وفي هذا الصدد، يقول أحد المتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية، التونسي جلال الورغي، إن للجماعة خلفية ثقافية وفكرية فريدة في المنطقة، بسبب بعدها الصوفي إلى حد كبير، بيد أنها جماعة تشتغل بالهم السياسي كأي حزب مغربي آخر، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع العامة في البلاد.

ويجمع المراقبون، بحسب وارغي، على أن العدل والإحسان من أكثر التنظيمات شعبية في المغرب، وإن لم تختبر شعبيتها بحكم رفضها المشاركة السياسية، ولكنها تبقى “قوة سلبية” في العلاقة بعملية التغيير السياسي في المغرب رغم شعبيتها ورغم “الطهورية السياسية” التي تمتاز بها بحكم عدم تلوثها بالواقع العام في البلاد.

وأضاف الباحث ذاته في مقال كان مركز الجزيرة للأبحاث قد نشره في وقت سابق أن موقف الجماعة من النظام السياسي لا يعني تبني الجماعة لخيار المواجهة أو الصدام مع الدولة، بل يسجل للجماعة تجنبها لأي احتكاك ورفضها لأي محاولات لاستدراجها للصدام مع الدولة، بل ترفض بشدة استعمال العنف والقوة كمنهج للتغيير، وتعتمد بدلا من ذلك منهج تربية الأفراد.

ووفي السياق ذاته، قالت صحيفة swissinfo.ch السويسرية في تقرير لها بعد وفاة الشيخ المؤسس سنة 2012 إن الجماعة ومنذ تأسيسها بداية ثمانينات القرن الماضي تمسكت بالطابع السلمي والمدني ولم تنزلق إلى العنف أو استعمال السلاح أو تأسيس جناح عسكري وتشبثت باستقلاليتها وعدم تبعيتها للخارج، فلم تنضم إلى حركات إسلامية عالمية، وابتعدت عن الاستعانة بالخارج كما حافظت على علنية نشاطها ومواقفها وتحركاتها، ورغم الضغوطات والملاحقات لم تنزل تحت الأرض والعمل السري المحفوف بالمخاطر والمنزلقات.

وفاة مرشد جماعة العدل والإحسان، الشيخ عبد السلام ياسين، أعاد إلى الواجهة سؤال مدى قدرة قيادات الجماعة على خلافة مؤسسها وعلى تدبير فعلها السياسي وهي جماعة حتى الآن تحظرها السلطات الرسمية رغم حضورها في المظاهرات الكبرى التي تشهدها المملكة.

العديد من المتتبعين كانوا قد أشاروا إلى أن وفاة الشيخ يمكن أن تسبب خلافات داخل قيادات الجماعة حول من سيخلف المرشد في منصبه.

وفي يوم 24 دجنبر 2012 أي بعد 10 أيام من وفاة المرشد، أعلن مجلس الشورى للجماعة بعد اجتماع استثنائي استمر 3 أيام عن انتخاب محمد عبادي أمينا عاما للجماعة، و فتح الله أرسلان نائبا له.

وبحسب البيان الختامي، فقد احتفظ مجلس الشورى بلقب المرشد العام ” لمؤسس الجماعة الراحل الشيخ عبدالسلام ياسين.

وقبل أيام، قررت الجماعة إحياء الذكرى الأربعين لتأسيسها عبر فعاليات تنطلق بكلمة للأمين العام للجماعة الأستاذ محمد عبادي ستبث يوم الأحد 23 أكتوبر 2022 على الساعة التاسعة ليلا.

وبحسب بلاغ للجماعة، فستكون هذه المناسبة فرصة لتقاسم محطات بارزة في تاريخ الجماعة منذ تأسيسها، والوقوف عند إسهاماتها ومواقفها في عدد من المجالات والقضايا الخاصة والعامة.

فإلى أين تسير جماعة العدل والإحسان بعد هذه السنوات؟

ذكرى لإعادة البناء

وتعليقا على الموضوع، قال الباحث ادريس الكنبوري إن مرحلة ما بعد وفاة عبد السلام ياسين ليست ما قبلها، مشيرا إلى أنه من الطبيعي أن يعرف أي تنظيم كيفما كان نوعه خلافات واختلافات وجهات النظر بعد أن يغادره الزعيم والمؤسس.

وأضاف الكنبوري أن المرشد كان يلعب دور الموحد لمختلف المشارب والتوجهات، وغيابه يفتح الباب أمام مجموعة من القناعات الأخرى بسبب عدم وجود مرجع واحد يرجع إليه عند الحاجة، مضيفا أن هذا ما يجعل الخلافات الداخلية أو حتى الانسحابات أمرا عاديا وطبيعيا، وفق تعبيره.

وأوضح أن قرار الجماعة إحياء الذكرى الأربعين لتأسيسها سيكون في الغالب منطلقا لإعادة البناء، لأن قيادات الجماعة تدرك ما يتم تداوله حول المشاكل الداخلية وتبحث عن حلول لها.

وقال المفكر المغربي الدكتور إدريس الكنبوري إن الجماعة تدرك أن غياب الشيخ أثر بشكل كبير على حضورها في الساحة، مسجلا غياب الجماعة عن المعارك التي كانت تخوضها، وعن المواقف التي كانت تدلي بها في السابق وهو ما أثر عليها وعلى شعبيتها.

وأشار إلى أن هذا التأثير يتجاوز مسألة تجميد العضويات والانسحابات إلى مسألة الاستقطاب، متسائلا عن مدى قدرة الجماعة على إستقطاب الناس للانخراط في مشروعها، خاصة انه لم يعد هناك أي شيخ يتمتع بكاريزما الشيخ ياسين الذي كان يلعب دورا مهما في الجماعة.

وقال الباحث ذاته إن الاهتمام الداخلي والخارجي بالجماعة في الماضي كان ينصب على شخصية عبدالسلام ياسين وعلى مواقفه وكتاباته.

وأشار المتحدث ضمن تصريحه إلى أن الجماعة تشعر بالتحولات الجديدة التي يعرفها الشباب الملتزم بسبب قنوات التواصل ومواقع التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي الذي أثر ليس فقط على العدل والإحسان بل على كل الجماعات الإسلامية.

وأوضح أن هذه الوسائل الجديدة التي لم تكن متاحة في الماضي مكنت من إخراج مجموعة من الأمور الداخلية أو ما يسمى بالغسيل الداخلي للجماعة أمام الرأي العام، وهو ما سيدفع الجماعة إلى البحث عن أسلوب جديد للتعامل مع أعضائها.

الأربعينية وسؤال المسار

من جانبه قال المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، بلال التليدي، إن الاحتفال بالأربعينية يطرح سؤال المسار، فهذه الجماعة منذ تأسيسها لم تعرف إلا لحظة واحدة يمكن أن نسميها لحظة الصعود والبروز ولحظة التوسع والامتداد وهي الفترة الممتدة ما بين 1987 وبداية التسعينيات.

وقال التليدي إن هذه الفترة التي عرفت بالتوتر بين الجماعة والسلطة هي الفترة التي عرفت خلالها الجماعة امتدادا شعبيا والإعلان عن الخروج من البوثقة التربوية الصوفية إلى الجوانب الاجتماعية، إضافة إلى الخروج إلى المجال الطلابي والأدوار التي قام بها فصيل الجماعة من أجل التوسع.

وأضاف أنه باستثناء هذه المرحلة، فإن الجماعة قد دخلت ما سماها بالمتاهة، وخاصة بعد فصل الدكتور محمد البشيري، والتي حاولت الجماعة التغطية عليها بالتركيز على مجالس النصيحة التي كانت قبل ذلك تسمى بمجالس إحياء الربانية والتي لا تنكر قيادات العدل والإحسان بأن المقصود منها هو استعادة الهوية الصوفية والقطع مع التراث السلفي الذي بثه محمد البشيري.

وتابع بالقول:” إن  الجماعة عاشت بعد فصل البشيري ما سماه بالتيه الذي امتد لزمن طويل، ووصل قمته في سنة 2006 فيما يعرف برؤيا 2006 على الرغم من كون الجماعة حاولت أن تتجاوز تداعيات هذه الرؤيا من خلال وثيقة “جميعا من أجل الخلاص” سنة 2007 وما سبقها من كتاب للأستاذ عبدالسلام ياسين الذي دعا فيه إلى ميثاق ما بين الفضلاء الديمقراطيين من أجل إنقاذ البلد وما تبع ذلك من خلال التدقيق في بعض المفردات في تصور الجماعة لاحقا”.

وتحدث التليدي عن مسار الجماعة بعد الربيع العربي الذي قال إنه مسار متاهة كبيرة، مضيفا أن العدل والإحسان كانت تتصور أن احتجاجات هذا الربيع سيشكل لحظة حسم مع الأنظمة التي تسميها أنظمة “جبرية”. لكن بعد خروجها من الحراك بسبب عدم توافق مكونات الحراك والتناقضات الكبيرة التي حدثت ما بين الجماعة والنهج واليسار الراديكالي ازدادت المتاهة أكثر ولم يعد أحد يعرف إلى أين تسير الأمور.

وأشار المتحدث إلى أن موت الشيخ ياسين عمق هذه الأزمة، فبعد أن كانت الأزمة أزمة رؤية سياسية وأزمة عدم تحقق أي من رهانات الجماعة، انتقلت الأزمة إلى الهوية الفكرية لأن مشروع العدل والإحسان أصلا هو قائم على الصحبة والجماعة، والشيخ ياسين ركز من خلال كل كتاباته على صحبة رجل حي وأن الصحبة لا معنى لها إذا كان المصحوب ميتا.

وقال: “اليوم هناك اضطراب كبير على مستوى تحديد الخط الفكري والسياسي للجماعة”، وأضاف: “أستطيع أن أقول أن هذه هي السمة الغالبة بعد المتاهة التي عرفها الخط السياسي بسبب عدم تحقق أي رهان من رهانات الجماعة وبسبب ضعف إقناع الأتباع بالرهانات التي كانت ترفعها جماعة العدل والإحسان”.

وقال إن أزمة الجماعة على المستوى الفكري هو ما يفسر الانكفاء الكبير  وعملية تدير النخب حيث تتكرر نفس النخب القيادية، وليس هناك تجديد على مستوى  القيادات وخصوصا القيادات المركزية كما لو أن هذه الجماعة تعيش في زمن الثمانينات، وهو ما ينذر بضعف التنظيم ودخوله مرحلة التآكل التنظيمي.

وفي السياق ذاته، قال بلال التليدي إن الجماعة لم تستطع أن تستثمر بشكل ذكي الصدمة التي تلقاها مشروع العدالة والتنمية بإعفاء الأستاذ عبدالإله بنكيران والخلافات الداخلية التي عرفها الحزب، إذ كان من المفروض أن تستثمر هذه الأزمة وتظهر فشل مشروع المشاركة السياسية، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الأزمة التي تعيشها الجماعة والتي تحاول أن تغطي عليها بالتربية الصوفية، وفق تعبيره.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سعيد
    منذ سنتين

    تنشرون السم في الدسم