وجهة نظر

أدبيات المتشيعة المغاربة في الميزان.. إدريس هاني نموذجا

يتناول المتشيع المغربي ادريس هاني في كتابه “سراق الله” موضوع التعاطي الواسع و اللافت من قبل السلفية مع الانتاجات الذهنية والفكرية التي خلفها شيخ الاسلام ابن تيمية، و الإصدارات الكبيرة و الكثيرة التي ما فتئت تهتم بتراث هذا الإمام و قد كان كاتبا عاديامن قبل. يتساءل أولا عن سر ذلك الاقبال الكبير على تراث هذا الامام، ثم يفسره ثانيا بالرغبة في التقرب من عاصمة السلفية في جزيرة العرب، والحرص على الاستفادة منعطائها السخي وكرمها الحاتمي.

وإذا كان من البدهي أن هذا التعاطي المتعاظم مع تلك الانتاجات من الوضوح بحيث لا حاجة للتساؤل بشأنه، إذ ابن تيمية يحتل مكانة مرموقة في الساحة الدعوية الاسلامية، و يحظى باهتمام منقطع النظير من قبل “الدعاة الإسلاميين” ويتبوأ منزلة ربما لم يبلغها أحد ممن علمنا من اهل العلم، و هو الذي لم يكن معروفا قبل ان يروج له المفكر الفرنسي “لاوست” و ينبه إليه كما يقول “عبد الله العروي”.

إذا كان هذا الكاتب يفسر في كتابه المذكور أعلاه، الاقبال اللافت على كتابات و مصنفات ابن تيمية بما زعمه طمعا في العطاء السخي الذي كان يجود به عرابو السلفية و رعاتهاعلى الاسماء التي تدخل تحت عباءتهم و تبشر بدعايتهم، فإن التفسير ذاته يصدق عليه فيما يتعلق بكتابيه “لقد شيعني الحسين” و “الاجتهاد الممانع”و خاصة كتابه الأخير هذا الذيأوقفه على مدح “الولي الفقيه علي خامنئي” و الثناء عليه بما لا يستأهل و وصفه بما ليس فيه.

إنه من الواضح، و من الواضح جدا، أن الذي حمله على تدبيج كتاب “لقد شيعني الحسين” هو رغبته الشديدةفي التقرب من طهران، وحرصه القوي على الانفتاح على الشيعة و تأسيس العلاقات معهم، والانتساب إلى محور “مقاومتهم” المزعوم، شأنه في ذلك شأن صاحب “ثم اهتديت” و غيره، يتأكد ذلك إذا علمنا أن الموضة التي كانت سائدة في تلك الحقبة : الحقبة التي أصدر فيها كتابه، كانت هي كيل المديح للفرس عبر الكتابة عن التشيع وذكر “محاسن” أهله، والقول أن الروافض هم الورثة الحقيقيون لرسالة آل البيت و هم الحملة الثوريون لشعلتهم وبالتالي هم الذين يمثلون خطهم الممانع ويسيرون على دربهم المقاوم، خاصة و أن هذا الأخير كان ساطعا نجمه، على حد تعبير أحد الكتاب الأجانب.

و إذا كنا لا نشك في أن آل البيت، و الإمام الحسين بالذات، يمثلون ذلك فعلا، أي الثورة و رفض الظلم و النضال في سبيل العدالة و فرض قيم الانسانية، و غير ذلك مما هو أعظم، فإننا لا نشك أيضا، و إطلاقا، في أن الروافض اليوم و هم في الواقع ليسوا على الإسلام في شيء،كما كان يرى الإمام ابن حزم و غيره من الأئمة الأعلام،لا علاقة لهم بآل البيت الاطهار البتة، و أن ذوي العمائم السود منهم خاصة، ليسوا عربا حتى، فضلا عن أن يكونوا من الدوحة الشريفة، و من بيت النبوة. و لذلك يستغرب البعض و هو يقرأ قول هذا الكاتب و غيره أنهم من نسل الحسين عليه السلام وأن هذا الأخير جدهم . والواقع أن التسليم بهذه الدعوى دونها خرط القتاد.

و على أي حال، فإن هذا الموضوع أثير بشأنه نقاش طويل و عريض، و طرحت بشأنه تساؤلات عدة تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التسليم لمن يدعي النسب الشريف.

إن كتاب لقد شيعني الحسين” على غرار كتاب “ثم اهتديت” لا يمكن تفسير إصداره إلا بوضعه في سياقه، أي في إطارسعي الكاتب إلى نوال بعض من العطاء الذي تتفضل به “الآيات و المراجع” في بلاد فارس تماما كما كان يفعل الذين يتصدون للكتابة عن ابن تيمية و ينهضون للتبشير برؤيته و مذهبه، و يؤكد ذلك صدوره في تلك الفترة و توكيده على سلامة موقف الخميني في حربه على العراق بالاستعانة بالرؤيا أو قل بالخرافة لإثبات مشروعية الحرب التي اندلعت بين فارس و العراق، فيقول أنه رأى النبي صلى الله عليه و سلم في رؤيا، يعنينا منها سؤاله النبي ـ صلى الله عليه و على اله ـ عن موقف إمامه وإشارة النبي إليه بما يفهم منه أنه موقف سليم.

إن الكتاب لا يقدم اي تفسير مقبول لتشيع الكاتب، و المظالم التي ساقها في كتابه ذاك و هي طبعا مظالم و معطيات تاريخية كانت مشهورة في الحقبة التي كتب فيها كتابه هذا، و صغار المنتسبين إلى الحركة الاسلامية و قتها و خاصة اولئك الذين قرأوا “مراجعات عبد الحسين شرف الدين” التي كذب فيها على “الشيخ سليم البشري” و كتاب “ثم اهتديت” للمدعو التيجاني السماوي ـ و الذي يشكك البعض في أن يكون التيجاني كاتبه الحقيقي ـ و غيرهما طبعا.

لماذا لا يكون مضمون الكتاب مبررا لتشيع الكاتب و مقنعا لغيره؟ إنه على الرغم من ان كل المعطيات، التي ساقها، ليست موثوقة، و هو نفسه لا ثقة في نقولاته و مصادره، كما تنص على ذلك القاعدة الشهيرة: “أصدق الناس خارجي و أكذبهم شيعي”

على الرغم من ذلك، أي على الرغم من أن ما يذكره، أو يصدر عنه، يظل مشكوكا فيه إلى ان يثبت العكس، فإن قراءة الكتاب و تبني كل ماورد فيه لا يفضي إلى هذه النتيجة، أي الردة عن “التاريخ” و العودة إلى “اللامعقول”. نفتح الكتاب، وهو للإشارة كتاب تتجاوز صفحاته أربع مئة صفحة، فلا نعثر فيه على ما يشفى العليل و يروي الغليل فيما يتعلق بالحسين عليه السلام اللهم إلا صفحات يتيمات لا تسمن و لا تغني من جوع .

ثم إن الايمان بمظلومية الحسين لا تجر بالضرورة إلى الارتماء في أحضان الفرس الذين ما فتأوا يتربصون بالعرب و يتآمرون عليهم، و لا يؤدي بالضرورة إلى التحريض على اهل السنة و الافتراء عليهم. و بالجملة، لا يؤدي إلى الرفض لأن هذا الاخير ليس من التشيع الحقيقي في شيء و ليس من الإسلام في شيء. إنه يسيء إلى آل البيت و يشوه سمعة الامام علي[عليه السلام] نفسه، و يذهببهيبته و وقاره، بل و “رمزيته” و “قدسيته”، كما شهد بذلك غير واحد من مثقفي الشيعة أنفسهم.

إن اهل السنة أكثر احتراما لآل البيت، و أكثر إجلالا لهم، و كتبهم ـ المعروف منها على الأقل ـ خالية من كل ما يمكن أن يكون احتقارا للائمة و انتقاصا من قدرهم، و بالتالي، فتشيع أهل السنة وحده التشيع الذي يرضاه آل البيت و يتبنونه لأنه في عمقه و جوهره تشيع يليق بقامات و هامات هؤلاء الأئمة، و ليس التشيع المزور و المشبوه الذي تفرضه طهران على الناس بالحديد و النار لغايات تخفيها و نعلمها.

لقد نقد عدد من مفكري الاسلام في العصر الحالي تاريخ الصحابة و وقفوا على ما فيه، و أنصفوا و قالوا ان عليا [ع] كان على حق و أن غيره كان على غير ذلك، بل أنه كان افضل الصحابة جميعهم ، غير أن كل ذلك لم يجعل منهم روافض، بل ظلوا مفكرين و دعاة إسلاميين. خذ مثلا على ذلك الشيخ عبد الحميدكشك رحمه الله فقد كانت قناة “الانوار” الشيعية تعرض له خطبة ألقاها بمناسبة ذكرى عاشوراء، و تعرض فيها لملحمة الحسين[ع] بأسلوب مؤثر فاق فيه “أعظم” خطباء المنابر عندهم، و رغم ذلك ظل سنيا و مات سنيا،

و ابن تيمية الذي يحقد عليه الروافض و ينتقصون منه، لأنه سفههم و كشف تواضعهم العلمي و المعرفيو فضحهم، خلف تراثا علميا و فكريا يعتد به، و يبني عليه هؤلاء السلفيون خطابهم و يؤسسونه عليه، في حين أن تاريخ الحسين[عليه السلام] يظل تاريخا ملتبسا و فيه فراغات كثيرة، و لم يدخل التاريخ إلا بما كان منه في”كربلاء” بدليل أن هذا الكاتب نفسه ـ الذي يزعم أن مظلمته كانت سببا مباشرا في تشيعه ـ لم يجد ما يكتب عنه و بشأنه، إلا تلك الصفحات اليتيمات التي لا تقنع أحدا بمضمونها و قضيتها.

و إذا كان كتابه هذا من المكن التجاوز عنه و السكوت عنه، لأنه متعلق بإمام عظيم كالحسين[ع] و هو من هو عند السنة. فإن كتابه الاخر “الاجتهاد الممانع” الذي كتبه لإطراء إمامه “الخامنئي” الذي لا يذكره إلا مقرونا “بالسيد” او “القائد” أو هما معا و الثناء عليه و مدحه، و ذلك بعد أن شرفه باستقباله إلى جانب غيره، أقول : فإن هذا الكتاب يبرهن على الكاتب لا يختلف عن غيره ممن يصفقون للطغاة و المستبدين، لا فرق في ذلك بين انتسب إلى محور الممانعة او انتسب إلى المحور الآخر.

إنه من البدهي أن المثقف “الحقيقي” و “الملتزم” لا يقبل على نفسه ان يكون داعما ومؤيدا لطاغية يمقته شعبه. و إنما يتبنى القيم الثورية و القضايا الإنسانية العادلة، و يرافع من أجلها و يناضل في سبيلها و إلا أصبح مثقفا “خبيرا” كما قال “بلقزيز” يبيع الأفكار و المواقف و المعلومات بثمن بخس و رخيص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *