اقتصاد، مجتمع

“تالبادت” .. حرفة تعود لمئات السنين تواجه الاندثار وآخر الصناع يدق ناقوس الخطر (فيديو)

تصوير: أشرف دقاق / تحرير: خديجة حركات- صحافية متدربة

يشتهر المغرب بالحرف التقليدية التي تميز الموروث الثقافي المغربي بالأصالة والتنوع، وبرز في مجال الصناعة التقليدية، وعلى مر العصور حرفيين وصناع تقليديين ميزهم الإبداع والمهارة في مجال النقش والنحت والزخرفة ونسج الزرابي.

وكانت الطبيعة وأشكالها الهندسية البديعة سر الإلهام في حياة الصناع التقلديين، لتفرض هذه الحرف نفسها كرصيد ثقافي غير مادي، يعزز الهوية التاريخية والجماعية للمغاربة ويدعم صورة المغرب في الخارج ويجعل منه أهم وجهة سياحية للباحثين عن المتعة والأصالة.

لكن التطور الصناعي والتكنولوجي السريع الذي يعرفه العالم ساهم وبشكل كبير في إنقراض عدد من الحرف التقليدية كحرفة “التلبادت” التي لم تصمد طويلا أمام هذا التطور الصناعي والتكنولوجي.

حرفة “تالبادت” وآخر الصانعين

التلبادت هي إحدى الصناعات التقليدية التراثية المتميزة والتي تمثل جزء كبيرا من التقاليد المغربية، وتعتمد هذه الصناعة (صناعة اللبدة) على مادة الصوف الطبيعي، حيث يعمل الصانع على تنقيتها من الشوائب وغسلها جيدا ثم تنشيفها وإضافة مادة الصابون الأسود “البلدي” إليها، ليقوم بعد ذلك بدعكها وتطويعها بين يديه للتحكم في حجمها، فيصيّرها “طرابيش مخزنية” و”بانطوفات” وحقائب و”لبدات للخيل” وغيرها.

عمر البلغيتي، أحد الصناع التقليديين وصف بحسرة وألم أسباب اندثار حرفة “تالبادت” من أسواق مراكش، يقول: “ورثت هذه الحرفة عن أجدادي منذ مايزيد عن 45 سنة، لكن الآن هذه الحرفة بدأت في الانقراض من أسواق مراكش، سابقا كان هناك سوق كامل لـ”اللبادين” يضم حوالي 60 صانعا وحرفيا، أما اليوم فلم يتبقى سوى صانعين تقليديين اثنين بمدينة مراكش”.

وأضاف البلغيتي أن “سبب إنقراض حرفة التلبادت هو تراجع الإقبال على شراء منتجات هذه الصناعة بشكل كبير، باستثناء بعض السياح، ما جعل ممتهني هذه الحرفة يعانون في غياب الدعم والإقبال، ليقرر أغلبيتهم ترك هذه الحرفة التي لم تعد تشكل لهم مصدر دخل يمكن العيش منه”.

وتذكر عمر البلغيتي بحسرة تاريخ حرفة التلبادت التراثية التي كان الأصل فيها هو “لبدة الصلاة” التي كان يستخدمها الأجداد منذ ما يزيد عن 400 سنة وكان ملوك المغرب يشترونها لقصورهم، و”لبدة العود” التي كانت ضرورية بحيث كان يستخدمها الخيالة فوق ظهر الحصان قبل “التبوريدة” بحيث تساعد في حماية الحصان وامتصاص عرقه”

وأكد محمد مشماشة عضو الغرفة الصناعية التقليدية بمدينة مراكش، في تصريح لجريدة “العمق” أن الجهات الرسمية “لا تولي اهتماما لحرفة “اللبادة”، اللهم بعض المحاولات والتي لا تتجاوز حدود الدعاية”.

وأشار المتحدث إلى أن “الوزارة الوصية أحدثت مركزا لتكوين الراغبين في تعلم حرف الصناعات التقليدية من بينها حرفة “اللبادة” لحمايتها من الاندثار مع رحيل آخر المعلمين الذين يعدون اليوم بمدينة مراكش على رؤوس الأصابع”.

وأبرز محمد مشماشة، أن “قيمة حرفة اللبادة هي في كونها كانت إحدى المحولات لمادة الصوف، مثلها مثل حرفة “الدرازة” المرتبطة بالنسيج، وهذه الحرفة لم تنقرض بشكل نهائي، وإنما تراجعت بشكل كبير بسبب عدم الإقبال على شراء منتجاتها”.

ويطالب ممتهنو حرفة “اللبادة”، من القطاع الحكومي المسؤول بإعطاء أهمية لحرفيي هذه المهنة، عبر دعمهم للنهوض بها وحمايتها من الاندثار، باعتبارها أحد الركائز الأساسية للصناعة التقليدية ببلادنا، ونظرا لأهميتها في تحريك العجلة الاقتصادية والسياحة خاصة في المدن السياحية المغربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *