أدب وفنون

آخرها فيلم عن “المثلية”.. هل يدعم مهرجان مراكش إنتاجات مغربية دون غيرها؟

طرح عرض فيلم حول “المثلية الجنسية”، لمخرجته مريم التوزاني، ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، تساؤلات كثيرة حول القضايا التي يحاول المنظمين دعمها من خلال طبيعة الأعمال التي مثلت السينما المغربية، خلال النسخ العشر الأخيرة للمهرجان. 

“أزرق القفطان”، الذي أنتجه نبيل عيوش، أثار غضب عدد المتتبعين لاحتوائه على مشاهد “مخالفة للفطرة والطبيعة”، حيث يروج بشكل صريح لـ”المثلية الجنسية”، في حين اعتبرت مخرجته أنه “مجرد دعوة للحب”، مبرزة أنها “لم تكترث يوما لردود الأفعال المتوقعة في المغرب”، وفق تصريحها. 

ويصور البطل “حليم”، الذي يعمل كخياط تقليدي وهو يخفي ميوله الجنسي للرجال عن زوجته لمدة 25 عاما، قبل أن يكتشف مع نهاية الفيلم أنها علمت بذلك لكنها تقبلت الأمر بسبب حبها له، ووصفته في أحد الحوارات بأنه “سيد الرجال” وأنها تفتخر بأنها زوجته رغم معرفتها بحقيقة، وتدعمه وتقف إلى جانبه.

وتضمن الفيلم مشاهد إباحية، حيث رصدت الكاميرا عدة مرات دخول البطل إلى أحد الحمامات الشعبية التي يتردد عليها من أجل ممارسة الجنس مع رجال آخرين، ثم عودته إلى منزله ويدير ظهره لزوجته، إضافة إلى مشاهد ذات نظرات خاصة يستعملها المثليين أثناء انجذابهم لبعضهم. 

وبالرجوع إلى الأرشيف، يظهر أن اختيارات المهرجان، ليست أول مرة تثير ضجة واسعة، فقد سبق أن رفض مغاربة بعض الأعمال التي مثلت المغرب في هذه التظاهرة الثقافية، على اعتبار أنها لا تترجم واقعهم وهويتهم وقيمهم وثقافتهم، بل تنقل توجهات مجتمعات غربية.

ومن بين هذه الانتاجات، هناك فيلم “عاشقة من الريف” لمخرجته نرجس النجار، الذي عُرض خلال النسخة الحادية عشرة من المهرجان، حيث قُوبل باستياء كبير من النقاد لاعتماده على الإثارة الجنسية بشكل مبالغ فيه وسط تقليله من شأن المرأة المغربية لاسيما الريفية. 

ويحكي الفيلم، المقتبس عن رواية الكاتبة نفيسة السباعي “نساء في صمت”، عن حياة الشابة “آية”، التي تتحدر من شفشاون، حيث يدفع شقيقا آية بها إلى عالم المخدرات بين أحضان أحد البارونات، فتُقدم على جريمة قتل ليُحكم عليها بالسجن عشرة أعوام، فتأخذ القصة مسارا آخر داخل أسوار السجن.

ويرى عدد من النقاد السينمائيين، الذين شاهدوا فيلم “عاشقة من الريف” أن “الفيلم مجرد بضاعة فاسدة ورديئة تسيء إلى السينما المغربية، كما لا يتضمن معايير سينمائية التي تتيح له المنافسة على جوائز أكبر المهرجانات بالمغرب”، على حد تصريحاتهم آنذاك. 

ومن بين المشاهد التي تضمنها هذا الفيلم، مشهد تعري بطلة العمل آية أمام السجانة، في صورة تظهر أجزاء حميمية من جسدها أمام أنظار جمهور المهرجان، ثم مشهد آخر لأم آية مع محاميها، عندما تركع أمامه لفتح سرواله في محاولة لممارسة الجنس الفموي، إلى جانب لقطات أخرى وُصفت بـ”الجريئة والفاضحة”. 

وإلى جانب هذا، لقي فيلم “الزيرو” لمخرجه نورالدين الخماري، انتقادات مهمة خلال عرضه في الدورة الثانية عشرة من المهرجان، لكون صاحب العمل لم يتمكن من خلع عباءة إثارة طابوهات مجتمعية من جنس ورشوة وفساد ودعارة، بمحتويات فارغة لا تحمل أي رسائل. 

وينقل هذا الفيلم، عوالم العنف الحضري بالدار البيضاء ودواليب الفساد وتفاوت الأوضاع المعيشية بين أسر تكافح من أجل الكفاف وطبقة مترفة من أباطرة المخدرات والدعارة والمسؤولين الفاسدين.

وقال أحد الكتاب السينمائيين آنذاك أن “فيلم الزيرو أغضب الجمهور بسبب اعتماده على ألفاظ جنسية كثيرة، حوار ينبني على لغة صادمة وجارحة من قعر عالم الشارع، حيث طالبوا بأفلام نظيفة ونافعة”. 

ورغم هذه الانتقادات اللاذعة، إلا أن إدارة المهرجان مصرة على دعم مواضيع دون غيرها من خلال الأفلام التي تختارها لتمثيل المغرب، حيث لم تعد تتضمن الأعمال المعروضة أمام الجمهور على المشاهد الجنسية بين الرجل المرأة فقط، بل تطور الأمر إلى نقل لقطات إباحية بين رجلين مثليين.

رسالة “أزرق القفطان” تضرب في استقرار المجتمع المغربي

قال الناقد السينمائي مصطفى الطالب إن “شريط “القفطان الأزرق”، الذي مثل المغرب في هذه الدورة الحالية للمهرجان، تطرق إلى موضوع حساس اجتماعيا ودينيا ليس فقط وطنيا بل دوليا وهو موضوع الشذوذ الجنسي (ما يسمى بالمثلية الجنسية)، معتبرا أن “ورائه منظمات دولية ذات نفوذ كبير تضرب في كل القيم الإنسانية والفطرية”.

وأضاف مصطفى الطالب أن “ليس الموضوع الذي يطرح المشكل وإنما طريقة تناوله ومعالجته التي تثير مشاعر المتفرج المغربي، فهناك إهانة في حق الرجل المغربي والمرأة المغربية في الفيلم”، متسائلا “هل يعقل أن تقبل امرأة مغربية بزوج شاذ جنسيا وتقبل ذلك الواقع؟ أبدا والواقع يكذب ذلك”.

وأبرز الطالب أن “رسالة الفيلم هي أنه يجب تقبل هذا الوضع وكأن الأمر طبيعي”، معتبرا أنها “رسالة تضرب في استقرار المجتمع المغربي وأمنه الروحي ولحمته الأسرية. فمثل هذه الأفلام لا تراعي المحيط الثقافي والاجتماعي والقيمي للمشاهد المغربي، ومخرجيها يعتقدون أنهم شخصيات دونكشوطية ستكسر كل الطابوهات وستحرر المجتمع من كل التقاليد والدين والقيم وهويته”.

ولفت إلى أن “هذا يعتبر وهم لأنه لكل مجتمع جذوره التاريخية والحضارية والدينية التي لا يمكن أن تجتث، وعلى المبدع أن يبدع من داخل سياقه الثقافي”، مؤكدا أن “الأصالة لا تحد من حرية المبدع كما يعتقد البعض بل تعطيه مشروعية وتقدير داخل مجتمعه وتجعله في اتصال دائم معه، عوض الاغتراب والانفصال الذي يعيشه الكثير من الفنانين والمخرجين”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “الفكر الغربي الذي يحيلنا إليه مخرجينا وفنانينا، في تصوراته ونظرياته الخاصة بالفن والسينما والأدب، ليس مقدسا ولا فكرا منزلا، بل أبان عن قصوره وعجزه عن تحقيق سعادة الإنسان، فحضارته التي حطمت كل الضوابط الثقافية والاجتماعية والقيم الفطرية في الإنسان أوصلت الإنسان إلى الباب المسدود، وما يشهده العالم اليوم من حروب وظلم وتسلط خير دليل على ذلك”. 

أفلام لا تراعي قيم المجتمع المغربي 

يرى مصطفى الطالب، أن “المهرجان يتبنى سياسة الانفتاح على كل المواضيع بدون شرط أو قيد وينطلق من منطلق حرية الإبداع طبعا بما يخدم “سياسة تحرير المهرجان”، مضيفا أن “المهرجان وإن كان يحقق اشعاعا فنيا وسينمائيا للمغرب على المستوى الدولي، إلا أنه لا بد أن يراعي مشاعر المغاربة وقيمهم وهويتهم في انتقائه للأفلام دون المساس بحرية المبدعين، حتى لا يصبح المهرجان مهرجان الضجات والاستفزازات”.

وأورد مصطفى الطالب، في تصريح لجريدة العمق، أن “المهرجان باعتباره مهرجانا دوليا ومن خلال دوراته السابقة فهو منفتح على كل المواضيع كيفما كانت حساسيتها وجنسيتها، فما يهم هو العمل السينمائي خاصة وأن لجنة الانتقاء أغلبيتها أجانب”، مبرزا بالقول إن “هنا يقع الإشكال بحيث يمكن أن نجد أفلاما لا تراعي قيم المجتمع المغربي والقيم الإنسانية وقد تتبنى طرحا لا يوافق قضايانا مثل القضية الفلسطينية كما وقع في إحدى الدورات السابقة”. 

مهرجان يحمل رؤى دخيلة على المغاربة

قال مصطفى الطالب إن “المهرجان الدولي للفيلم بمراكش محطة سينمائية دولية مهمة لها وزنها الفني والسينمائي، وتحتاج أن يمثل فيها المغرب أحسن تمثيل، بمعنى فيلما مغربيا يعكس الثقافة المغربية وقضايا المجتمع المغربي وذو جودة فنية وجمالية”.

وأبرز الطالب قائلا “غير أن ما نلاحظه هو أنه إذا كانت الجودة الفنية حاضرة فإن العمق المغربي بثقافته وهويته وقيمه غائب في الأفلام التي اختيرت لتمثيل المغرب في مهرجان مراكش، وهذا ما حصل من قبل مع أفلام عدة ظاهرها مغربي وداخلها غير ذلك، بحيث تأتي برؤى هجينة ودخيلة على الواقع المغربي الذي لا شك أنه يعيش على إيقاع التناقضات بحكم هيمنة العولمة القاتلة لخصوصيات المجتمعات خاصة العربية الإسلامية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عبد الكريم القندوسي
    منذ سنة واحدة

    هكذا يكون النقد السنمائي الذي يروم تقييم الاعمال الفنية من خلال مدى احترامها للخصوصيات الثقافية للبلد المنتج وكذلك عبر مدى انسجام المنتج مع العمق الفني للتراث المغربي الاصيل وتعبيره عن همومه وقضاياه اليومية بدل الاغتراب في الترويج للظواهر العفنة التي انتجتها الثقافات التي تحتضر تحت وطأة شيوع اخلاق العري والعهر وامتهان كرامة الانسان.