وجهة نظر

المقاوم الجبلي: هل كان الشهيد الزرقطوني محميا ومحتضنا من إحدى الزوايا؟

الـشـهـيد محمد الـزرقـطـوني والـزوايـا

بمناسبة ذكرى الاستقلال في 18 نونبر 2022، ألقى الأخ عبد الكريم ابن الشهيد محمد الزرقطوني، خطابا أشار فيه إلى كون الشهيد سي محمد الزرقطوني، كان محتضنا من إحدى الزوايا التي لعبت دورا في حمايته وتوجيهه، وهو أمر جديد تماما لم يسبق أن طرح منذ استشهاد الأخ محمد الزرقطوني في 1954 حتى الآن، وليس فقط كونه خطابا جديدا بل كون الشهيد الزرقطوني لم يك منتميا لزاوية ما أوحمته أو أشرفت عليه أو شيء من هذا القبيل.

تعرفت على الشهيد محمد الزرقطوني في أكتوبر من سنة 1953، بعد شهرين فقط من نفي السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر وعزله عن العرش، ولم نفترق إلا لظروف معيشية أو أمنية حتى استشهاده.

وكان الشهيد عندما عرفته مساعد تاجر أخشاب. وكان جاره في الدكان المناضل محمد بن موسى الذي عرّفَني بالشهيد الزرقطوني مع شقيقه المناضل أحمد بن موسى الذي كان رفيقي في الدراسة بمراكش.

كانت زيارتي للدار البيضاء في خريف 1953 بعد مظاهرة 15 غشت 1953 بمراكش، التي أطلق عليها مظاهرة المشور، واستشهد فيها ضمن الشهداء المرحومة فاطمة الزهراء واعتقل المئات. وكانت احتجاجا على محاولة نفي محمد الخامس التي أصبحت حقيقة بعد 20 غشت 1953، وسافرت إلى البيضاء قصد الحصول على أسلحة لأننا بمراكش لم نملك إلا مسدس أو اثنين غير جيدة، فكان سفري للبيضاء لهذا الغرض نظرا لطبيعة المدينة ومينائها الكبير، وكانت علاقتي بالمدينة وحركتها الوطنية تعود لعام 1951، عندما احتفل بي ورفاقي بمراكش، بعد أحداث اعتقالنا من طرف باشا مراكش، ونضالنا بجامعة ابن يوسف، وقد فصلت في هذه الأحداث في كتابي “أوراق من ساحة المقاومة المغربية”.

وفي الأسبوع الأول من تواجدي بالبيضاء كنت أتجول في أحياء المدينة، وضمن الأحياء التي زرتها سوق بيع الأخشاب عندما التقيت برفيق الدراسة أحمد بن موسى في دكان أخيه محمد، وكانت تربطني علاقة جيدة بأحمد عندما كنا ندرس ببن يوسف، في حين لم تك لي علاقة بأخيه محمد بن موسى الذي كان على معرفة جيدة بي وبالحركة الوطنية بمراكش من خلال أخيه أحمد الذي كان قد وضع شقيقه في الصورة، فكان أن تعرفت إلى الأخ محمد بن موسى في الغد من لقائي بأحمد بن موسى حيث وجدته ينتظرني، فطلب مني التعرف إلى شخص ما لم يذكر اسمه أو صفته، وإنما أشار بصورة غامضة إلى أهميته في تحقيق ما جئت أبحث عنه في البيضاء، وضرب لي موعدا معه في (محطة العلم)، وهي محطة كانت توزع البنزين وتقع في مديونة قرب درب الكبير. وفي هذه المحطة كان الدكتور محمد الخطيب فاتحا عيادته، وسلمني محمد بن موسى نسخة من مجلة تدعى “باري ماتش” فرنسية، وأبلغني أن نفس الشخص سيحمل نسخة من نفس المجلة. وكان أن التقيت لأول مرة بالشهيد محمد الزرقطوني، ولم نجلس في أي مكان بل كنا نتحاور مشيا في شارع السويس وهو الآن شارع المقاومة، وهو شارع عرف فيما بعد عمليات مشهودة لخلية المقاومة بالبيضاء. وروى لي أثناء اللقاء أهداف خلية المقاومة بالبيضاء، وحكيت له عن أهداف خلية مراكش واحتياجنا للأسلحة، فأبلغني أن السلاح مصدره الشمال المغربي.

وهكذا ربطت بيني وبين الشهيد الزرقطوني علاقة وطيدة، وكنا لا نخفى عن بعضنا أي معلومة شخصية أو عامة باستثناء الأسماء حتى لا يسيء اعتقال أحدنا لباقي أعضاء الخلايا أو ضرر للجماعة. وكنا نتصل ببعضنا في منزل بدرب السلطان هو منزل المناضل عبد الرحمان الورداني، وأحيانا أماكن أخرى. وكانت الحاجة بريكة شفاها الله زوجة عبد الرحمان الورداني، تهتم بنا وباحتياجاتنا، وكنا نتحاور في أكثر من الأحيان مع الإخوة: الحسين برادة، وأحمد شنتر، وعبد الله الصنهاجي، وحسن لعرايشي، وسليمان العرايشي وهو أحد الأصدقاء الحميميين للأخ الزرقطوني، وحسن الصغير، والداحوس الكبير والصغير، فعدد هام من أعضاء المقاومة مروا من هذا المنزل الذي كان ملجئنا في الأزمات والحالات الحرجة، وكان له ولصاحبه وزوجته دورا هاما في تاريخ المقاومة المغربية باعتباره أحد مراكز الاجتماع واللقاء ووضع الخطط والتخفي.

وكانت الحوارات التي نخوضها مع الشهيد الزرقطوني همها الأول والوحيد توجيه المقاومة في المدن المنظمة وتعزيزها في مدن أخرى والحرص عليها أمنيا، وقمنا بإنشاء خلية الرباط التي واجهت –أي خلايا المقاومة بالرباط- نكسات بعد اعتقال الخلية الأولى والثانية، وكان من عناصرها عبد الفتاح سباطة، وعبروق، واعمر، ولخصاصي، والثانية واجهت نفس المصير. ثم قمنا بتأسيس الخلية الثالثة ومن أهم عناصرها الداهمو و الداعمر والأخير كان من مدينة طاطا، ومحمد بولحية هو الذي قدم لي الداعمر. وقد استمرت هذه الخلية مدة طويلة دون أن تصلها يد الأجهزة الأمنية الاستعمارية، كما توفرت على أسلحة للعمل وفرناها لها، وكل ذلك كان باتفاق وموافقة خلية البيضاء وعلى رأسها الشهيد الزرقطوني، وهكذا في كل الأعمال والخطط والنقاشات، وحتى الحوارات الساخنة التي كانت تدور بيننا عن المقاومة في البيضاء ومراكش وفاس والرباط وغيرها من المدن المغربية، لم تكن الزوايا موضوع نقاش بيننا.

وخلال هذه المرحلة، كان الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم والأحاديث الشريفة جزءا من النقاشات لتعزيز هذا الرأي أو ذاك…وقد نصلي جماعة أو أفرادا حسب الظرف ولم يتفوه أبدا الشهيد الزرقطوني أو أحدنا بانتمائه إلى زاوية ما، بما فيهم الأخ محمد الزرقطوني الذي من المعلوم كونه درس في الكتاب القرآني ثم في المدرسة الابتدائية بالمدينة القديمة. وكان أثناء سنتي 1953 و1954 يملي الرسائل التي كان يكتبها البشير شجاع الدين، وكانت تكتب بالماء ولا تظهر الحروف إلا بعد تسخين الورقة، وفيما بعد تعلمنا كتابة وتوجيه الرسائل بأحرف مشفرة، فكون الشهيد كان منتميا إلى إحدى الزوايا وأنها احتضنته أمر لم يسبق أن كان، رغم أن والده كان مقدم لزاوية في المدينة القديمة، فهذا ليس استثناءا فأغلب أعضاء وزعماء الحركة الوطنية كان آبائهم وهم أحيانا منخرطين أولهم علاقة بإحدى الزوايا.

ولم تكن تحتضن أحد منهم أو الدفاع عنه، فالزوايا ككل في تلك المرحلة وغيرها، كانت لا تهتم ولا تشجع على ممارسة الشأن العام بمعناه السياسي، فأهدافها التخليق والتربية. وكانت ولازالت ضد العنف، فالموعظة والإقناع والسلوك السلمي كان ولازال شعارها وممارستها، بل إن بعضها أو شيوخها أحيانا كانت لهم علاقة بالدوائر الاستعمارية وبالسلطة انسجاما مع المبادئ العامة أي التسامح مع الجميع في إطار المبدأ العام والإقناع بالموعظة الحسنة، إذ لم يسبق للشهيد الأخ محمد الزرقطوني إن كان منتميا لإحدى الزوايا قد يذهب في مرحلة الصبا كما كنا نذهب جميعا مع أسرنا وآباءنا إلى الزوايا، ولكن في مرحلة الشباب والرجولة لم يك منخرطا في أي زاوية بل روى لي خلافاته في هذا الشأن مع والده في هذا الصدد بل كان لا يزور منزله العائلي القديم في المدينة وسكن بعيدا حتى لا تؤدي زياراته إلى مشاكل لعائلته وأقربائه، كونه كان معروفا بعلاقته بالحركة الوطنية، وكانت الشرطة الاستعمارية وأعوانها يراقبونه بالضرورة.

وقد حكي لي في مناسبات مختلفة أن والده كان ينهاه على الانخراط في الحركات السياسية، لأن والده كان مقدما لإحدى الزوايا كما ذكرنا سابقا، وذلك انسجاما مع مبادئ الزوايا التي تهدف إلى التربية والابتعاد عن الشأن العام بمعناه السياسي، وحتى الأوراد كانت تسلك نفس المسلك، وكوني ربطت بيني وبين الشهيد محمد الزرقطوني علاقة وطيدة، فلم يكن منتميا لأي زاوية ولم تحتضنه أي زاوية ولم يشر إلى ذلك قط بل كان هو وجسم المقاومة محتضنا من طرف الشعب المغربي وقواه الحية؛

* المقاوم عبد السلام الجبلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الزرقطوني أحمد
    منذ سنة واحدة

    اقول بأن السيد عبدالسلام الجبلي كذاب ولا علاقة له بالشهيد الزرقطوني الذي يدعي انه كان لا يفارقه منذ أن تعرف عليه في أواخر سنة 1953 إلى تاريخ استشهاده في 18/06/1945,وهي فترة جد وجيزة لا يمكن للشهيد ان يضع ثقته الكاملة في شخص حديث التعرف عليه إضافة إلى كذبه وبهتانه في ما حكاه عن علاقة الشهيد بوالده الذي هو قمة البهتان لان الشهيد كان يتحرك برضا الوالدين وبركتهما ودعائهما الذي كان يتحصن به. كان الأولى بالسيد الجبلي ان ينأى عن الكلام في ما لا يعنيه وليعلم ان سنوات 1957 إلى 1959 قد ولت إلى غير رجعة واقول له اذا عدت عدنا وللكلام بقية

  • باحث جامعي
    منذ سنة واحدة

    الشهيد الزرقطوني ينتمي في أصوله الى زاوية مولاي بوزرقطون وتسمى بمولا دورين وتوجد بالشياظمة بإقليم الصويرة وهي منطقة تغنت بها مجموعة مسناوة كما تغنى بها عبد الله الداودي وهي بلاد ركراكة الي ينتمي اليها حاليا المدرب الوطني وليد الركراكي لان جده كان فقيها حاملا لكتاب الله من جماعة تسمى ايت سعيد نواحي الحنشان واستقر بالفنيدق نواحي تطوان .... الزرقطوني رحمه الله كان كثيرا ما يعود لمنطقة مولاي بوزرقطون للاختباء والراحة وكان كتوما مسالما كطبيعة اهل الشياظمة....وهو ما سكتت عنه بعض الكتابات الا من برنامج بالتلفزيون أكد ذلك شيخ زاوية ركراكة الحالي ....