منوعات

زواج القاصرات بالمغرب ظاهرة مقلقة ومعاناة مركبة.. هل يفلح تعديل المدونة في الحد منها؟

عائشة أو “عيشة” كما يناديها الكثيرون، فتاة تنحدر من إحدى قرى إقليم تارودانت، وجدت نفسها متزوجة وأما لطفل في 17 من عمرها، قبل أن تنجب طفلها الثاني بعد مرور حوالي سنتين.

اضطرت عائشة لمغادرة مقاعد الدراسة وهي ابنة الـ10 سنوات نظرا لبعد المدرسة عن بيت أسرتها، لتتفرغ فيما بعد للأعمال المنزلية ومساعدة والدتها على تربية إخوتها الصغار.

وما إن بلغت عائشة سن السادسة عشر حتى تقدم لها عريس يكبرها بـ15 سنة، ولم تتردد عائلتها في تزويجها بدعوى أن معظم قريباتها أسسن أُسَرهُن، وأن مكانها الطبيعي في بيت زوجها.

وعن تفاصيل هذه الزيجة تروي عائشة : “لقد غادرت بيت أهلي إلى بيت آخر لم أكن أعرف سبب تواجدي به، فقط أخبروني أنني سأصبح زوجة، ثم أما، وبأن مسؤوليات جديدة ستنضاف إلى حياتي”.

وتابعت : “لقد كنت أشتاق إلى أمي وإخوتي الصغار، وإلى اللعب مع صديقاتي، لكن زوجي لم يكن يسمح لي بمغادرة البيت وحدي، ولا أتمكن من زيارة عائلتي إلا في المناسبات والأعياد”.

وقالت عائشة التي تبلغ من العمر اليوم 25 عاما: “لقد عشت كابوسا حقيقيا لا أود استرجاع تفاصيله المؤلمة، فقد كنت ضحية للمعاملة السيئة والعنف النفسي والجسدي من طرف زوجي وأهله”.

وتعتبر عائشة واحدة من آلاف الفتيات اللواتي اضطررن بين عشية وضحاها للتخلي عن طفولتهن مقابل تحمل مسؤوليات تفوق طاقتهن، حسب ما كشفت عنه دراسة تشخيصية أنجزتها النيابة العامة حول زواج القاصرات بالمغرب.

معاناة مركبة تعمق جراح القاصرات

تعيش القاصرات اللواتي يتم تزويجهن قسرا معاناة مركبة، حيث كشفت النيابة العامة أن 22,30% من 2300 قاصرا شملتهن الدراسة سالفة الذكر تعرضن لأنواع مختلفة من العنف، توزعت بين العنف الجسدي (17,29%) والنفسي (60,23%) والجنسي (11,53%)، إلى جانب العنف الاقتصادي الذي يرتبط بالنفقة على الزوجة والأبناء  (10,95%).

وأكدت الدراسة أن القاصرات المتزوجات معرضات بشكل أكبر للعنف المبني على النوع الاجتماعي، نظرا لكونهن لا يتمتعن في غالب الأحيان بمستوى تعليمي يمكنهن من معرفة حقوقهن، وكيفية الدفاع عنها، فضلا عن ضعف تجربتهن الحياتية، وكذا تسامح الأوساط الاجتماعية مع هذا النوع من العنف.

ومن جهة أخرى، توقفت الدراسة عند ما تتعرض له هؤلاء القاصرات من مخاطر ترتبط أساسا بالولادة المبكرة والإصابة بالأمراض الناتجة عن تبعات الزواج، وضعف الولوج للخدمات الطبية وانعدام الرعاية الصحية، خاصة في القرى والمناطق النائية.

مطالب بإلغاء المواد 20 و21 و22 من مدونة الأسرة

أعربت رئيسة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بشرى عبدو، عن رفضها القاطع تزويج القاصرات، نظرا لما ينطوي عليه هذا الأمر من “اغتصاب للطفولة وانتهاك صارخ لحقوق الضحايا في التعلم واللعب والعيش في كنف الأسرة”.

وطالبت ذات الحقوقية بـ”الإلغاء النهائي للمواد 20 و 21 و 22 من مدونة الأسرة، وجعل الزواج رهينا ببلوغ السن القانوني لكلا الطرفين، والذي حدد في 18 سنة”.

وشددت عبدو على أنه “حان الوقت للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة”، خاصة وأن الفصل 32 من الدستور المغربي يلزم الدولة بـ”توفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”.

وخلصت ذات المتحدثة إلى “ضرورة ملاءمة قانون مدونة الأسرة مع الدستور، ومع اتفاقية حقوق الطفل والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، من أجل الحذف النهائي للمواد التي تبيح زواج القاصرات”.

“التشريعات وحدها لا تكفي”

كشف طيب العيادي، أستاذ السوسيولوجيا في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ابن طفيل بالقنيطرة، أن تعديل المواد المتعلقة بتزويج القاصرات في مدونة الأسرة غير كاف لوحده، باعتبار أن عددا من الأسر قد تلجأ إلى الاحتيال على القانون واستغلال الثغرات من أجل مواصلة تزويج الفتيات أقل من 18 سنة.

في هذا السياق، أكد العيادي أنه لا بد من مواكبة التغييرات المرتقبة في مدونة الأسرة بالرفع من مستوى الوعي لدى الشرائح المجتمعية المعنية بظاهرة تزويج القاصرات، مشددا على ضرورة انخراط جميع الفاعلين من الإعلام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية في عملية التوعية والتحسيس بخطورة هذه الظاهرة.

وإلى جانب ذلك، توقف العيادي عند ضرورة توعية القاصرات أنفسهن بمخاطر هذا النوع من الزيجات، نظرا لما قد تنطوي عليه من آفات اجتماعية من قبيل العنف النفسي والجسدي والجنسي.

واعتبر ذات المتحدث أن التمدرس يمكن أن يكون مدخلا لتطويق ظاهرة تزويج القاصرات، ليس فقط بشكل ميكانيكي، ولكن أيضا بتضمين الموضوع والمقتضيات القانونية ذات الصلة به في المضامين الدراسية والبيداغوجية.

خطة عمل تهدف للحد من زواج القاصرات

أعطت رئاسة النيابة العامة بالمغرب، في نونبر 2022، انطلاقة “خطة العمل المندمجة لمناهضة زواج القاصر”، والتي تدخل في إطار تنفيذ مخرجات “إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء”، وبشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”.

ويتمثل الهدف الاستراتيجي الأول للخطة، في وضع برامج لمواجهة القبول الثقافي لزواج القاصرات وإذكاء الوعي الجماعي بالأضرار المترتبة عنه وآثاره الوخيمة على الصحة الجسدية والنفسية للقاصر، وتكلفته الاجتماعية.

أما بالنسبة للهدف الاستراتيجي الثاني، فهو يتمثل في اعتماد سياسة عمومية واستراتيجية متكاملة تهدف إلى محاربة تزويج القاصرات، بينما يهم الهدف الثالث تعزيز الضمانات المرتبطة بزواج القاصرات باعتماد الممارسات القضائية الفضلى.

وبخصوص الهدف الاستراتيجي الرابع للخطة، فهو يتجلى في الحد من تزويج القاصرات باعتماد تعديل تشريعي يكتسي صبغة الإلغاء القانوني للزواج دون سن الأهلية القانونية المحددة في 18 سنة.

أما فيما يخص الالتزامات التي جاءت بها هذه الخطة، فهي تشمل التوعية والتحسيس بمخاطر زواج القاصرات بجميع مراكز الرعاية الاجتماعية وتطوير مراجع وطنية بخصوص التربية على الصحة الجنسية والإنجابية وتنظيم النسل.

وإضافة إلى ذلك، تشمل التزامات الخطة وضع وتنفيذ برامج لتنمية المهارات النفسية الاجتماعية للفتيات في المجال القروي، باعتبارهن الأكثر عرضة لزواج القاصرات، إضافة إلى رصد وتتبع حالات المنقطعات عن الدراسة بمختلف المستويات التعليمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • سليم
    منذ سنة واحدة

    المشاكل الزوجية لا علاقة لها بالسن و الزواج يحد من تكاثر أولاد الحرام الذين لا يحصلون على المحبة و الاستقرار فيتجهون إلى المخدرات و الإجرام و يعيقون سير العدل في المجتمع