وجهة نظر

لا خير في أمة لا ترعى حقوق أئمتها

بحسب شهادات لبعض أئمة المساجد، اكتشفت واقعا مريرا من التهميش تعيشه هذه الفئة الاجتماعية، وبحسب تلك الشهادات، فإن القيمين الدينيين عموما والأئمة بشكل خاص، يشتكون من هزالة الأجور التي تخصصها لهم وزارة الأوقاف، والتي تتراوح بين 1200 درهم و1850 درهم، رغم ما تتوفر عليه الوزارة الوصية من موارد مالية مهمة، تحصلها من عائدات الأملاك والأراضي والمحلات المحبسة..

مع ذلك، فإن الوزارة لا تولي أية اهتمامبتحسين أوضاع الأئمة والقيمين على المساجد، وهذا الواقع البئيس، لا يمكن تفسيره إلا بتبخيس حقوق هذه الفئة، بحيث لم تفكر الوزارة في إيجاد حلول للمشاكل المادية الصعبة التي يعاني منها خدام بيوت الله، حتى يضطلعوا بدورهم على أحسن وجه، ولأن وضعية القيمين الدينيين {الأئمة-الخطباء-المرشدين- المؤذنين}عموما متشابهة، فإننا سنركز فقط على أئمة المساجد، نظرا لدورهم المحوري في استمرار السير العادي والمنتظم لمؤسسة المسجد.

في عدة مناسبات، صرح وزير الأوقاف الحالي، عند مواجهته بالسؤال عن هذا الوضع المزري للأئمة، وبالأجور الهزيلة التي تصرف لهم، يكون جوابه أنهم يتوفرون على مصادر دخل أخرى…؟؟؟!!!وهذا هروب من تحمل المسؤولية، وتبرير غير مقبول لواقع غير طبيعي، يسيء إلى سمعة ومكانة الأئمة في المغرب..

وهناك بعض الأمثلة التي توضح جزء يسير من المعاناة التي يكتوي بها خدام بيوت الله، وهي غيض من فيض، من الحالات المأساوية لمواطنين، اختاروا أن يتولوا خدمة جليلة تتعلق بالأمن الروحي للمغاربة، لكنهم لم ينالوا حظهم من العناية والتقدير المادي والمعنوي.
حدثني إمام مسجد، بلغ من الكبر عتيا، عمل لأكثر من 40 سنة في مسجد صغير، عن ظروفه الصعبة التي لم تتغير طوال السنين الماضية، بسبب الأجر الزهيد الذي يتقاضاه شهريا ولا يتعدى 1250 درهم، وقد أفنى الشيخ الكبير زهرة عمره في هذه الخدمة، ولولا مساعدة أبنائه لعجز عن مواجهة غلاء المعيشة..

شهادة أخرى لإمام مسجد، تختزل معاناة قاسية مع واقع لا يرتفع، حيث هو الآخر يتقاضى مبلغا هزيلا لا يكفيه حتى لكراء بيت يأوي إليه مع أسرته الصغيرة، ويقيم في سكن صفيحي، ولأن المسجد الذي يشتغل فيه، بعيد جدا عن منزله، يضطر إلى استخدام دراجة هوائية متهالكة للتنقل، حتى يوفر بعضا منالمال..

إمام آخر لا زال شابا، أطلعني على جوانب أخرى من معاناة الأئمة، ويحكي بمرارة عن الفارق الكبير بين التعويضات المادية المهمة التي يتقاضاها الأئمة الذين يشتغلون لحساب القصر الملكي، والأئمة الذين يشتغلون بمساجد المملكة، حيث أكد أن الأئمة المحظوظين يحظون برعاية خاصة من الملك محمد السادس، وهذا الوضع خلق بحسب الإمام حالة من الاستياء في صفوف الأئمة الآخرين، لأنهم يشعرون بالدونية والغبن.. ويتمنوا لو أنهم كذلك يحظون برعاية ملكية..

نفس الإمام الشاب، أخبرني عن إمام آخر، يعيش ظروف اجتماعية أسوء منه، يتقاضى 1700 درهم، ويكتري بيتا متواضعا ب 1000 درهم، ويستخدم يوميا النقل العمومي ذهابا وإيابا من البيت إلى المسجد، ولديه 5 أبناء، ولا يملك دخلا قارا آخر، ولما سألته عن كيفية تدبيرهلمصاريف العيش، أجابني بأنه يضطر للقيام بأعمال أخرى لتغطية مصاريف أسرته.

قصدت من سرد هذه الأمثلة، إلقاء بعض الضوء على الظروف المزرية التي يعيش فيها أئمة المساجد، والقيمين الدينيين عموما، وهي عينة تلخص واقع التهميش والإهمال الذي تعاني منه هذه الشريحة الاجتماعية من المواطنين منذ سنوات طويلة، دون أن يتم التفكير في تحسين أوضاعهمالمادية والمعنوية البئيسة، لحفظ كرامتهم وإغناؤهم عن البحث عن أعمال أخرى، تؤثر سلبا على التزامهم وانضباطهم في عملهم الأصلي.

لا يجادل أحد في الدور المهم الذي يقوم به أئمة المساجد داخل المجتمع، وهو دور لا يقل أهمية عن دور رجال الأمن والقضاء والجيش.. فخدام بيوت الله هم الذين يسهرون على السير العادي والمنتظم لمرفق اجتماعي- ديني أساسي، وهو المسجد، من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن الروحي بالبلاد، ولذلك فإن الدولة مطالبة بإعادة النظر في تعاملها مع هذه الفئة، ورد الاعتبار لها، بتحسين أوضاعها المادية، حتى تقوم بمهامها في أحسن الظروف، ولا تضطروا – كما هو واقع – للبحث عن مصادر دخل أخرى غير مشرفة، من شأنها إذلال الأئمة وتعميق معاناتهم.

من غير المقبول اليوم، أن يحظى الأئمة في دول عربية مجاورة برعاية خاصة من الدولة، وفي بلادنا لا زالت هذه الفئة تعاني من التهميش ولا تلقى الرعاية التي تستحقها بالنظر للدور الحيوي الذي تقوم به في المجتمع، وهذا يتحمل فيه المسؤولية المباشرة وزير الأوقاف، لأنه المكلف من قبل الملك بحسن تدبير وإدارة المساجد، والعناية بالقيمين الدينيين، والدفاع عن حقوقهم، والبحث عن حلول لمشاكلهم، ولكنه بكل أسف، لم يفعل أي شيء يذكر في هذا الباب، ولذلك هناك أصوات كثيرة في صفوف الأئمة، تطالب بتغييره في الحكومة المقبلة.