حوارات

حوار مع “الباروميتر العربي” حول مصداقية استطلاعات الرأي وجدوائية المناهج الكمية

باتت مؤشرات استطلاعات الرأي تشكل إحدى أهم الوسائل التي يمكن من خلالها استعراض آراء، ومواقف، ووجهات نظر مختلف المجتمعات حول العالم، والواضح أنها تندرج ضمن المناهج الكمية التي تعمل على دراسة الظواهر الاجتماعية باعتماد الوصف والتفسير، حيث تعهد الجهة المُعدة (مركز، مؤسسة، معهد…) إلى اختيار مجتمع البحث (العينة المدروسة)، ومن ثم اختيار أدوات تجميع البيانات (الاستمارة، المقابلة)، ثم القيام بتحليل إحصائي، يفضي إلى نتائج يتم من خلالها صياغة قواعد تعمم على المجتمع المدروس ككل.

ومع تعدد مؤشرات البحث واختلاف موضوعتها، وتزايد اعتمادها من لدن المؤسسات والمراكز، مستقلة كانت أو تابعة، أضحى التساؤل عن خطوات إعداد هاته المؤشرات، ومدى صدقيتها المنهجية، ومصداقية الجهة التي أعدتها، وأهمية هاته المؤشرات وجدوى نتائجها، وحدود نسبية المعرفة العلمية الناشئة عنها، وحملها لإيجابيات وسلبيات المناهج الكمية أمرا يطرح نفسه، على الباحثين والمهتمين والقراء.

في هذا الصدد، ورغبة من جريدة العمق المغربي، في تسليط الضوء على ما يثار من نقاش حول صدقية المعطيات التي تقدمها استطلاعات الرأي عموما، والاستطلاعات الخاصة بشبكة الباروميتر العربي على وجه الخصوص، يسعد جريدة العمق المغربي أن تستضيف مديرة قسم الأبحاث بالباروميتر العربي، سلمى الشامي، كما يسعدها أن تتقدم إليها بهاته الأسئلة قصد تنوير الرأي العام بخصوص الموضوع:

في البداية، واستحضارا لما يقوم به الباروميتر العربي، لماذا هذا التزايد على المناهج الكمية بشكل عام وعلى المؤشرات واستطلاعات الرأي على وجه الخصوص، وإلى أي مدى يمكن اعتبار النتائج المتوصل إليها انطلاقا من العينات المدروسة قابلة للتعميم، وكيف لفئة من الناس أن تمنحنا نتائج يقينية تجاه مجتمع ككل، أوليس في هذا الأمر طمس للشخصية الإنسانية وخصوصيتها، وبغض النظر عن علل ونقائص، وإيجابيات استطلاعات الرأي وغيرها من المناهج الكمية، كيف يمكن التحقق من صحة نتائج هاته المؤشرات، في ظل احتمالية وجود: أخطاء من قبيل (اختيار العينات، التحيز في الاختيار، أخطاء في حجم العينة، أخطاء في جمع البيانات، تبني أرقام موضوعية من خلال إجابات غير موضوعية)، وغيرها؟ 

تزايدُ الإقبال على المناهج الكمية عموما، وفي مجال استطلاعات الرأي خصوصا يعود بالأساس إلى قدرتها على إعطاء فرصة للمواطنين العاديين للتعبير عن آرائهم تجاه قضايا مختلفة تهم واقعهم، مما قد يسلط الضوء على اهتمامات المواطنين بالنسبة لصانعي القرار، الباحثين، الأكاديميين، والإعلام.

المناهج الكمية هي أنماط علمية يوظفها الباحثون/ات لكونها تمنح الفرصة للحصول على مقاييس موضوعية وإحصائية قابلة للتعميم وفق معايير منهجية علمية.

يقوم الباروميتر العربي في كل بلد باستطلاع آراء ما بين 1200 و2400 مواطنة ومواطن من عُمر 18 عاماً فأكبر. سبب أن نتائجنا قابلة للتعميم على جميع سكان الدولة هو المنهج العلمي الذي يتم بموجبه اختيار هؤلاء المبحوثين والمبحوثات أثناء عملية اختيار العينة، وبناء على منهجية تقسيم وترجيح نتائج الاستطلاع بعد إجراء الاستطلاع. يتم اختيار العينات بالدول المختلفة بشكل يضمن تناسب عدد المبحوثين والمبحوثات مع تعداد السكان بمنطقة جغرافية معينة. جميع المبحوثات والمبحوثين من السكان الذين يعيشون في نطاق جغرافي معين لهم نفس احتمالية اختيارهم. كما أن هؤلاء المبحوثين والمبحوثات يتم اختيارهم عشوائياً في مسعى لإبعاد أي تحيز ممنهج.

وعبر عملية تجميع البيانات، يراقب فريق باحثي الباروميتر العربي والشركاء في المنطقة النتائج، لفهم توزيع النوع والسن والتعليم، إلخ، ومضاهاة هذه النتائج بإحداثيات سكان البلد المُسجلة والمعروفة. في نهاية العملية، يتم “ترجيح” بيانات الاستطلاع لتصحيح أية سمات ديمغرافية قد زاد أو نقص تمثيلها في العينة. بناء على هذه العوامل، يمكن لعيناتنا البحثية من 1200 إلى 2400 فرد أن تُعمَّم على إجمالي السكان، مع مراعاة وجود هامش خطأ معين.

يلجأ الباروميتر العربي إلى تحري العناية الكاملة والمشددة في الحفاظ على خصوصية وسرية بيانات جميع المبحوثين والمبحوثات، وتتبع مؤسستنا البحثية الممارسات الفضلى فيما يخص الأخلاقيات البحثية. أولاً، فإن المواطنين الذين يوافقون على المشاركة في الاستطلاع يتم تعريفهم بمزايا المشاركة وأية مخاطر مرتبطة بها. لهم كامل الحق في عدم الإجابة على أي سؤال أو أن يوقفوا مشاركتهم في الاستطلاع في أي وقت. ثانياً، البيانات التي يجمعها ويعلنها الباروميتر العربي مُجهّلة تماماً: أي أن الإجابات المقدمة من المبحوثين والمبحوثات لا يتم ربطها إطلاقاً بأسمائهم/ن.

يمكن لحماية خصوصية الأفراد أثناء سؤالهم عن آرائهم أن تُراعي – لا أن تحطم – إنسانيتهم. البيانات ليست إلا بيانات، وكيفية استخدامها مسألة منوطة بالمستخدم. “أنسنة” الأرقام مسألة ترتبط أكثر بكيفية وضع سياق لها وكيفية فهمها.

في حالة استطلاعات الرأي التي تتبع منهجية علمية وتهدف إلى تحقيق شفافية تجاه بياناتها، فإنها تنشر العديد من المعطيات التي تمكن من التحقق من صدقية النتائج. على سبيل المثال، فالباروميتر العربي ينشر جميع الأرقام المتعلقة بالاستطلاعات وبالمنهجية المتبعة. كما أن الباروميتر العربي يقدم أدوات بحثية للمهتمين بالمناهج الكمية واللذين لا يتوفرون على برامج إحصائية من القيام بتحليلات إحصائية بسيطة عبر موقعنا الالكتروني.

ما هي خطوات إعداد مؤشر ما، وهل المؤشرات ذات الموضوع الواحد، تعتمد قواعد أو نموذج مرجعي بشكل عام أم أن لكل منها خصوصياتها؟

يجري الباروميتر العربي استطلاعات للرأي العام ذات مستوى عال من الدّقة وممثلة وطنيا في جميع أنحاء العالم العربي، حيث يمر فريق العمل بمراحل مختلفة. أولا، تأتي مرحلة التصميم، حيث يتم أخذ المداخلات من الفرق المحلية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال مرحلة تصميم أداة المسح ومن ثم يتم الموافقة عليها من قبل اللجنة التوجيهية.

ثم تأتي المرحلة الثانية، وهي مرحلة تنفيذ الاستطلاعات في الميدان. وتعد هذه المرحلة أحد العناصر الرئيسية لضمان جودة عالية للبيانات في تنفيذ إجراءات ضمان جودة العمل الميداني في كل بلد. وقد قام الباروميتر العربي بوضع عملية صارمة لبيانات للباحثين قبل العمل الميداني، بما في ذلك التدريب متعدد الأيام والذي يقوده أعضاء من مراكزنا الإقليمية التي يحضرها عضو من فريق البحث الأساسي. ومن ثم يتم إجراء التجارب على عينة استطلاعية من قبل فرقنا المحلية، وبعدها يتم تقييم النتائج بشكل حذر على يد الفريق المحلي والمؤسسات المركزية للباروميتر العربي وفريق البحث الأساسي.

وتتم مراقبة العمل الميداني بشكل منتظم من قبل قادة الفريق المحلي والمراكز الإقليمية وفريق البحث الأساسي. وبينما تستمر المقابلات، فإن المشرفين يشرفون على الباحثين لضمان أنهم ينفذون خطة المعاينة. كما وأنهم يحضرون بعض المقابلات لضمان أنه يتم تنفيذ الأداة بشكل صحيح. للإشارة فجميع استطلاعات الباروميتر العربي تتم عبر مقابلات مباشرة مع في مكان إقامة المستفتين، ما عدا في دورتنا السادسة التي تم الاعتماد على المقابلات الهاتفية وعبر الأنترنت بسبب انتشار جائحة كورونا.

ثم بعد ذلك تأتي مرحلة معالجة البيانات التي نستقيها من الميدان، حيث يتم تقييم البيانات وتنقيحها ونشر مجموعة البيانات ذات الجودة العالية في المجالات العامة وفي الإعلام. كما يسهر فريق العمل على نشر تقارير موضوعاتية وتقارير قُطرية ورسوم بيانية مختلفة في هذه المرحلة.

عن سؤال الاستقلالية والمصداقية، وانطلاقا من تجربتكم هل يكفي لمركز أو مؤسسة بحثية أن تكون مستقلة، فقط من خلال إدراج هذا الوصف في هويتها المنشورة، ثم كيف يمكن إثبات مصداقية الجهة المعدة للاستطلاع من عدمه؟

فيما يخص الباروميتر العربي، فنحن شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية نشتغل في إطار أكاديمي محض وبشراكة مع مؤسسات أكاديمية أو بحثية من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تنبع مصداقيتنا من شفافيتنا: منهجيتنا واستمارات استطلاع الرأي الخاصة بنا، وبياناتنا، هي كلها متوفرة على العلن للجميع ومتاحة للنقد وللاستخدام. إننا نرحب باستخدام الغير لها ونقدهم لها بنفس القدر، إذ أن هدفنا لم يكن يوماً الوصول إلى الكمال، إنما السعي دائماً لتحسين عملنا وللفهم أكثر وأكثر. وأخيراً، فإن معاييرنا الخاصة بجودة البيانات صارمة للغاية: إذا لم يكن بإمكاننا الدفاع عن البيانات، فلا نستخدمها ولا نصدرها للجمهور.

إن استقلاليتنا تنبع من طريقة عملنا: هذا المشروع يشتمل على عمل أبرز الدارسين للمنطقة وأبرز المعنيين بالسياسات والشأن الإنساني بالمنطقة، والصحفيات والصحفيين الذين يغطون شؤونها. هناك عملية حوار دائم ومحتدم حول القضايا التي تتم تغطيها، الأسئلة التي يتم طرحها، وكيف تُطرح، وما الذي يسري على المنطقة بشكل عام وليس على هذه الدولة أو تلك. في سياق التزام الباروميتر العربي بالنقاش والوصول لحلول وسط بين مختلف البدائل، فهو يضمن عدم هيمنة أي جهة أو فرد بشكل غير مستحق على الاستطلاع وأعماله.

وأخيرا، فيما تفيد النتائج المتوصل إليها من خلال استطلاعات الرأي هاته، وكيف يمكن الاستفادة منها؟

النتائج المتوصل إليها في استطلاعات الرأي تكون فرصة للمواطنين العاديين للتعبير عن آرائهم تجاه قضايا مختلفة تهمهم. كما أنها تضيف للحوارات الوطنية والمناقشات السياسية معلومات حول رؤية المواطنين للأوضاع وتفضيلاتهم. هذه المعلومات قد تساعد صناع السياسات، الأكاديميين، الباحثين، أعضاء المجتمع المدني، والإعلام على التعرف على أولويات المواطنين، وفهم احتياجات ومخاوف النساء والرجال العاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل أفضل.

كما أن بياناتنا المتاحة في متناول العامة هي مصدر قيّم للبحوث التي تسعى لتوصيف الرأي العام وشرح اتجاهاته حول القضايا الهامة التي تؤثر على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كذلك تمكن استطلاعات الباروميتر العربي من رصد الاتجاهات والسلوكيات، بناء قدرات المؤسسات، ونشر المعرفة حول المواطنين العرب العاديين المقيمين في المنطقة.

يلتزم الباروميتر العربي بفكرة أن أصوات الناس مهمة، وأن آراءهم مهمة، خاصة في عصر وفي سياق لا يندر فيهما أن ينبري أو يدّعي طرف أو حزب أنه يتحدث باسمهم. يعد قياس المشاعر العامة منبرا يتيح للناس إسماع أصواتهم دون الادعاء أن أحدًا يتحدث باسمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *