حوارات، سياسة

نورالدين: المغرب لم يعد له “أصدقاء كبار” في فرنسا وعلاقاتهما لم تصل للقطيعة

قال الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نورالدين، إن مشكلة المغرب ليست مع جهة معينة فر فرنسا بل توجد في المغرب كدولة ونخب سياسية، حيث لم يعد للمملكة أصدقاء كبار من طينة “جاك شيراك” صديق القصر، أو الاشتراكي “ليونيل جوسبان” صديق الاتحاد الاشتراكي وعبد الرحمن اليوسفي، ولا مثقفين من حجم “جاك لانغ” و”ميشيل جوبير”.

وأضاف نور الدين ضمن حوار مع جريدة “العمق”، أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تصل إلى القطيعة أو النهاية، رغم الهزات العنيفة التي مرت منها من قبل، بل كانت على العكس، حيث تحولت في عدة مناسبات إلى فرصة لتعزيز العلاقات والانتقال بها إلى أعلى المستويات.

فيما يلي الحوار الكامل:

في نظركم هل وصلت العلاقة بين المغرب وفرنسا للباب المسدود ؟

لا أظن ذلك، فالعلاقات بين الدول بصفة عامة هي معادلة فيها عدة متغيرات مع ثابت وحيد وهي تحقيق المصالح. وبالتالي فالعلاقات لا تتخذ شكل منحى خطي مستقر، بل هي أقرب إلى منحنى جيبي كما هو في الرياضيات أي متذبذب فيه صعود وهبوط وفقا لعوامل جيوسياسية وسياسية أو اقتصادية ومالية أو أمنية وعسكرية، أو تحالفات إقليمية ودولية، أو عوامل تخص الجغرافيا البشرية، الخ.

في الحالة المغربية الفرنسية مرت العلاقات بين البلدين بعدة هزات عنيفة ورغم ذلك لم تشكل قطيعة أو نهاية، بل على العكس تحولت في عدة مناسبات إلى فرصة لتعزيز العلاقات والانتقال بها إلى مستويات أعلى.

نذكر مثلا العاصفة الهوجاء التي صاحبت صدور كتاب “صديقنا الملك” سنة 1991 على عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، والأزمة التي رافقت زيارة “دانييل ميتران” زوجة نفس الرئيس الفرنسي إلى مخيمات “تندوف” وتصريحاتها المعادية للمغرب، والأزمة التي رافقت استدعاء المدير العام للأمن الوطني سنة 2014 للمثول أمام قاضي التحقيق الفرنسي حين كان في زيارة رسمية لباريس، وإذا رجعنا إلى الوراء أكثر سنتذكر الزلزال الدبلوماسي بعد اختطاف المهدي بن بركة من قلب العاصمة الفرنسية سنة 1965 أدت حينها إلى سحب السفير الفرنسي لدى الرباط على عهد الرئيس “شارل دوغول”.

كيف يمكن للمغرب استثمار التوتر الفرنسي الجزائري الجديد لتسجيل نقاط على البلدين خصوصا في إفريقيا؟

لا أرى علاقات المغرب بإفريقيا بهذا المنظار، أي أنها رهينة بميزان القوة مع فرنسا أو الجزائر أو غيرهما. علاقة المغرب بإفريقيا أكثر أهمية وأكثر إستراتيجية من ربطها بخلافاتنا مع هذا البلد أو ذاك.

علاقتنا الإفريقية هي علاقة نتقاسم فيها روافد مشتركة ثقافية ودينية وبشرية واقتصادية وسياسية، منها ما يمتد لاثني عشر قرنا أي مع بداية نشر الإسلام في غرب إفريقيا عن طريق التجار المغاربة القادمين من العاصمة الإدريسية بفاس، وأقربها يعود إلى القرن السادس عشر مع حملة أحمد المنصور الذهبي أعظم سلاطين الدولة السعدية التي امتدت حدودها السياسية لتشمل غرب إفريقيا، وقد تعزز هذا النفوذ السياسي بالعلاقة الروحية مع الزوايا الصوفية المغربية وخاصة الزاوية التجانية وأتباعها الذين يعدون بالملايين في إفريقيا، والذين يعتبرون فاس محجهم الثاني بعد مكة المكرمة، حيث يرقد شيخ الطريقة سيدي أحمد التجاني. وهي علاقة تمتد أفقيا وعموديا في كل جوانب الحياة من التجارة والاقتصاد إلى المصاهرة العائلية إلى الفنون الشعبية، وهذا ما يميز المغرب عن كل الدول الأخرى.

ويكفي أن نذكر على المستوى الإنساني وجود مكون إفريقي أصيل في النسيج الاجتماعي المغربي تعزز عبر القرون حتى أصبح العنصر الزنجي حاضرا في كل المدن المغربية، وأصبح فن كناوة أحد الروافد الثقافية المغربية، وأصبحت أسماء عائلات مغربية عريقة جزءا من النسيج الاجتماعي في غرب إفريقيا عموما والسنغال ومالي خصوصا، بل هناك دراسات تؤكد انتشار قبائل وعائلات مغربية لتشمل حتى شرق إفريقيا كما هو الحال في جمهورية السودان الحالية.

لذلك فالاستثمارات المغربية والسياسة الإفريقية للمغرب خلال العشرين سنة الأخيرة ما هي إلا تعزيز لهذا الرصيد التاريخي وتجديد لهذه الوشائج الروحية وتأكيد لهذا الارتباط الحضاري وتجديد له.

ولازلنا في الخطوات الأولى على هذا الصعيد لذلك لا يجب أن يتسلل إلينا الغرور فحجم صادرات المغرب نحو إفريقيا سنة 2022 بلغ حوالي 3 مليار دولار، وهو مازال ضعيفا جدا مقارنة مع جنوب إفريقيا أزيد من 25 مليار دولار، تركيا 22 مليار دولار، فرنسا أزيد من 32مليار دولار، أما الصين فقد بلغت صادراتها 164 مليار دولار!

نحن إذن لازلنا في الخطوة الأولى من مشوار الألف ميل، وعلينا أن نعمل كثيرا ونتكلم قليلا حتى لا نصبح مثل الدول الكرتونية التي تصف نفسها بأنها قوة إقليمية.

كيف تنظر الدولة العميقة في فرنسا إلى هذا التوتر في العلاقات بين الرباط وباريس؟

الدولة العميقة مفهوم واسع وشبه هلامي، ولكن إذا أردنا أن نختزله فيمكن القول أن الدولة العميقة مخلوق له رجلان، الرجل الأولى هي المصالح الأمنية والعسكرية، والثانية من المصالح الاقتصادية والمالية. وفي علاقة المغرب بفرنسا أظن أن لوبيات عالم المال والأعمال والاقتصاد والتجارة والبنوك والشركات تعتبر المغرب حليفا مفضلا وأبوابه مشرعة للاستثمارات الفرنسية.

وبالتالي فليس هناك مبرر لمعاداته، وحتى أولئك الذين يتحدثون عن منافسة متوهمة لفرنسا في إفريقيا، فقد أوضحت بالأرقام في جوابي عن سؤالك السابق أنه لا مجال للمقارنة، فحجم صادرات المغرب الى إفريقيا ضئيل جدا مقارنة مع فرنسا بل حتى مع جنوب إفريقيا وتركيا وألمانيا وهولندا وغيرها من الدول.

أما بالنسبة للشق الأمني والعسكري، وإذا كان صحيحا أن المغرب لم يعد زبونا مثاليا للأسلحة الفرنسية بعد أن استبدلها بالأسلحة الأمريكية بالأساس، فإن أكبر قطعة عسكرية تملكها البحرية الملكية هي الفرقاطة محمد السادس من صنع فرنسي، ولا ننسى القمرين الصناعين المتطورين محمد السادس (أ) و(ب) واللذان أثارا حفيظة إسبانيا لأهميتهما، وهناك.المناورات العسكرية المشتركة بين الحيشين، وآخر نسخة منها جرت السنة الماضية على الحدود الشرقية للمملكة، بالإضافة إلى التعاون التقني وفي التكوين العسكري.

ولا يجب أن ننسى التعاون الأمني والاستخباراتي الذي يكتسي طبيعة إستراتيجية بين البلدين على المستوى الثنائي ومتعدد الاطراف، وقد أعطى نتائج كبيرة في ملف محاربة الإرهاب فوق التراب الفرنسي وعلى المستوى الدولي. كل هذه المؤشرات يمكن أن تفيد بأن الدولة العميقة الفرنسية لا يمكن إلا أن تعتبر المغرب حليفا موثوقا. لذلك يجب البحث في أسباب أخرى تقف وراء الأزمة بعيدا عن الدولة العميقة.

وهل يمكن القول بأن الأزمة تجاوزت ماكرون، وأن شخصيات داخل الدولة العميقة هي المستفيدة من الوضع القائم منذ أكثر من سنتين ؟

أظن أن مشكلتنا ليست مع جهة معينة في فرنسا، بل المشكلة توجد في المغرب كدولة ونخب سياسية حيث لم يعد لنا أصدقاء كبار من طينة الرئيس “جاك شيراك” صديق القصر، أو الاشتراكي “ليونيل جوسبان” صديق الاتحاد الاشتراكي وعبد الرحمن اليوسفي، ولا مثقفين من حجم “جاك لانغ” و”ميشيل جوبير”، والقائمة طويلة، لم تعد لنا قنوات تصنع هذه الصداقات من هذا الوزن الثقيل.

فحين يكون هناك 356 صوتا يدين المغرب في قرار البرلمان الأوربي، مقابل 32 صوتا فقط تساند المغرب، فهذا يعني أن المغرب ليس له أصدقاء، وهذا يعني أن الخارجية المغربية وأجهزة الدولة المعنية والبرلمان المغربي وجمعيات الصداقة البرلمانية والاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان لا تقوم بعملها بالاحترافية اللازمة.

أظن هذا مدخل من بين مداخل أخرى جدير بنا أن نفكر فيها لتجاوز البنية التي ولدت الأزمة، وليس لتقديم مسكنات للأزمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *