حوارات، مجتمع

بوكريزية: ندرة الحليب درس قاس لوزير الفلاحة وهذه جذورها وعلاقتها بأزمة اللحوم

لم يكد المغرب يتجاوز أزمة ندرة الحليب حتى دهمته أزمة أخرى تتعلق بغلاء اللحوم الحمراء نتيجة تراجع عدد رؤوس الماشية، فما العلاقة التي تربط بين الأزمتين؟ وما جدوى الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا الصدد؟ وهل أنصفت وزارة الفلاحة الفلاحين أم أن قراراتها تصب في مصلحة شركات تصنيع الحليب؟

جواب على هذه الأسئلة، شدد رئيس تنسيقية منتجي الحليب والمنتجات الفلاحية، أحمد بوكريزية، على أن الفلاحين منتجي الحليب فقدوا الثقة في وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، منتقدا الدفع بالفلاح نحو الغرق في بحر الديون مقابل ضمان أرباح لشركات تصنيع الحليب، موضحا أسباب وجذور أزمة الحليب بالمغرب.

وفسر بوكريزي، في حوار مع جريدة “العمق”، العلاقة بين أزمة الحليب وأزمة اللحوم، متأسفا على لجوء المغرب إلى استيراد هاتين المادتين على الرغم من أنه بلد فلاحي، كما انتقد إقصاء المنتجين من الفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب، معتبرا أن ندرة هذه المادة بالمغرب “درس قاسي” لويزير الفلاحة محمد صديقي.

أين وصلت تطورات أزمة ندرة الحليب؟

المغرب في بداية المخطط الأخضر، الذي ساهم في رفع الإنتاج، تمكن الفلاح من إنتاج اللحوم الحمراء والحليب، ووصلنا للاكتفاء الذاتي ما يصل لمليارين ونصف طن من الحليب. كما حققنا الاكتفاء الذاتي في اللحوم حيث لم يتعد ثمن الكيلوغرام الواحد 50 درهما بالتقسيط و35 درهما بالجملة. لكن بعد هذا النجاح الذي حققه المخطط الأخضر في 2015، وهو ما يدفعنا إلى السؤال؛ من الذي ليس من مصلحته أن يصل المغرب إلى هذه الحالة الاكتفاء الذاتي في الحليب؟ ومن سيخلص الفلاح الأوروبي من الحليب المجفف ومن فائض الأبقار لديه إذا حققنا اكتفاءا ذاتيا؟

شركة كبيرة تستحوذ على السوق لعبت دورا مهما في إفشال المخطط الأخضر، وأخنوش لما كان وزيرا للفلاحة لم ينتبه لهذا الأمر. كان حينها يبلغ ثمن الحليب المجفف 15 درهما للكيلوغرام، ويعطي 10 لترات. ونبهنت لهذا الأمر في حينه وطالبت وزير الفلاحة عبر رسالة بحماية المنتوج الوطني.

بعد ذلك شرعت الشركات كلها تستورد الحليب المجفف، وبدأت تفرض “الكوطا” على الفلاح، بحيث إن التعاونية التي توفر 4 أطنان تقتني منها الشركات طنين فقط، فكيف سيتعامل رئيس التعاونية؟ وما ذا يعمل الفلاح بالفائض من الحليب؟ هذا الوضع تكبد الفلاحين خسائر كبيرة، وفي ظل انعدام الحماية باع المنتجون جل الأبقار، وبدأ الانسحاب من ميدان إنتاج الحليب سنوات 2016 و2017 و2018 و2019، وخلال هذه المدة كلها كنت أنبه الوزارة الوصية وأطالبها بحماية المنتوج الوطني والفلاح، لكن لم يتم ذلك فالشركة المسيطرة دمرت قطاع الحليب دون أن ينتبه المسؤولون، فلما ارتفع ثمن الحليب المجفف بالخارج عادت الشركات إلى الفلاح فوجدته غادر الميدان.

هل ساهمت الإجراءات الحكومية في التخفيف من هذه الأزمة؟

الإجراءات الحكومية، خصوصا الإعفاء من الرسوم الجمركية المطبقة على استيراد الحليب المجفف، ساهمت في التخفيف من هذه الأزمة، لطن يظهر أن الشركات هي المستفيدة، فأمام خوف الوزارة الوصية من وقوع أزمة بسبب انقطاع الحليب استفادت الشركات المصنعة لهذه المادة من هذا الإجراء.

ما علاقة أزمة الحليب بأزمة اللحوم الحمراء؟

النقص في مادة الحليب يعني أن هناك نقصا أيضا في عدد رؤوس الأبقار، كانت لدينا 3 ملايين و300 رأس في 2015، الآن ننتج ثلث ما كنا ننتجه من حليب في 2015، وهو ما يعني استنزاف وضياع ثلثي عدد رؤوس الأبقار بالمغرب رغم أن وزارة الفلاحة لم تعلن هذا الرقم.

الحليب المجفف ضغط على الفلاح وتركه يغادر الميدان. فهذه الندرة ليست بسبب جائحة كورونا أو الجفاف، فالجفاف الذي ضرب المغرب سنة 1981 واستمر إلى حدود 1985 كان أشد وطأة وأطول ولكن رغم ذلك كانت اللحوم الحمراء متوفرة بأثمنة مناسبة.

عدد رؤوس الأبقار تقلصت لأن الفلاحين باعو أبقارهم كما أن الكثير من التعاونيات اندثرت، ولا أدري لماذا مكتب تنمية التعاون لم يعلن عن عدد التعاونيات التي أغلقت. في الوقت الذي فقد المغرب أكثر من 70 في المائة من تعاونيات الحليب، وذلك بسبب الشركات.

ففي الوقت الذي كانت فيه التعاونيات تطالب بحقوقها عملت الشركات على إفشالها بطرق مختلفة كأن تجعل لها منافسا وهو عبارة عن شخص يجمع الحليب لدى المنتجين، بحيث يسهل على الشركة التعامل مع هذا الشخص وتهديده بإنهاء التعامل معه عكس التعاونية، هكذا تم تدمير التعاونيات التي أنفق في سبيلها المغرب أموالا كثيرة.

كيف ترى قرار وقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار المعدة للذبح؟

قرار صعب على الفلاح، وأضر بالفلاحين، حيث إنهم بعدما سمعوا به اضطروا إخراج أبقارهم المعدة للذبح إلى الأسواق. وحتى الأبقار المستوردة فإن ثمنها هو وصل 70 للكيلوغرام بالجملة ما يعني استمرار غلاء اللحوم الحمراء.

ومادامت ألمانيا وفرنسا وإسبانيا امتنعت عن تصدير الأبقار المعدة للذبح للمغرب، فحتى هذه الدول في أمريكا اللاتينية ستتوقف في عن التصدير بعدما يكثر المستوردون، خصوصا عندما تلجأ لها تونس والجزائر.

هذا القرار ليس في صالح المغرب، هل نحول هذا البلد من من بلد فلاحي إلى مستورد. هذا صعب لا يجب الوصول أصلا إلى هذا الوضع. الفلاح الذي يربي الأبقار المعدة للذبح لم يعد له وجود، لأنه فقد الثقة.

رغم تشجيع الوزارة بمنحة تصل ل 4000 درهم عن كل بقرة في حدود 10 بقرات، فإن الفلاح لن يغامر، فثمن البقرة الواحدة يصل إلى 35 ألف دهم وثمن عشرة هو 350 ألف درهم، فلنفرض أن الفلاحين أخذوا قروضا واشتروا أبقار مدرة للحليب. فبمجر أن يكثر إنتاج الحليب ستقتني الشركات الحليب ب 3 ذراهعم للتر، فماذا سيفعل الفلاح الذي أخذا قرضا بـ70 مليون سنتيم.

ليس هناك ضمانات، نحن الفلاحون الفلاحة لم نعد نثق في الوزارة ولا الشركات المصنعة للحليب، هذه الأخيرة منعتنا كمنتجين من دخول الفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب، التي من المفروض أن تضم المصنعين والمنتجين، فلو كانت لدينا تمثيلية فيها لحلنا دون وقوع هذا الانهيار في القطاع الذي جاء بسبب استيراد الحليب المجفف. هذه الفيدرالية هي التي سامت في تدهور القطاع.

ما هي مطالبكم كمنتجين لوزارة الفلاحة؟

هذه الأزمة يجب أن تكون درسا قاسيا لوزير الفلاحة وشركات تصنيع الحليب التي تخلت عن الفلاحين، فلما احتاجت لم تجدهم، هل الفلاح يتوفر على ضمانات تلزم الشركة بالاستمرار في اقتناء الحليب الذي ينتجه بثمن معقول؟ ليست هناك عقد. هل نغرق الفلاح بالقروض مقابل أن تربح الشركة؟ ليس لنا ثقة لا في الشركات ولا في وزير الفلاحة.

شركات الحليب تحث الفلاحين على اقتناء الأبقار لكنهم لا يريدون في ظل انعدام عقد مع الشركة يضمن له استمرارها في راء الحليب إلى حين انتهاء سداد أقساط قرض اقتناء الأبقار. لابد من ضمانات تقدم للفلاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *