منتدى العمق

من لغا؟ 

قبل سنوات كنت أشتغل في جماعة قروية ينخرها الفقر.. وأول جمعة صليتها هناك كان الإمام يخطب في الناس في موضوع الزكاة ونصابها، ويحذر الجالسين من عدم إخراجها مستحضرا ما ورد من آيات وأحاديث ومعركة أبي بكر مع رافضي دفع الزكاة فيما عرف بحروب الردة… كدت أن أقول له يا شيخ إنك تقول لغوا فمكان هذه الخطبة ليس هنا، فماذا عند هؤلاء؟ ومن منهم يملك نصاب الزكاة؟ ولولا الاستعفاف أهل هذه المناطق لاصطفوا أمام المساجد يسألون صدقة.

وحدث مرة أن كنت مع جماعة من الأصدقاء وفي طريقينا إلى مدينة وقفنا لأداء صلاة الجمعة في دوار معزول، رأينا مسجدا صغيرا وسمعنا الأذان فوقفنا.. خصص الخطيب خطبته لموضوع الشيعة والروافض وفرقهم وعقيدتهم بتفصيل مفصل، وظل يضرب المنبر أمام ثلة قليلة من الناس شيوخ انهكهم العمر والفقر وبعضهم نائم في عز الصيف، وفتية ترى في وجوههم التراب والفاقة.. وظل الإمام الشاب يصيح بصوته الغليظ… مرة أخرى كدت أن أقول له انزل من هناك فهذا ليس مكانك… لكنني لغوت سرا لا جهرا كما لغا أصدقائي وتجرعوا الخطبة على مضض…

تذكرت هذا اليوم وخطيبنا يحذر من الاحتكار ورفع الأسعار بلغة فصيحة لا يفهم قصده إلا القلة.. أعرف أنهاخطبة موحدة نزلت من الرباط لكن مع ذلك كنت سأقول له إن هذه الخطبة ينبغي أن تلقى على كبار التجار في الدار البيضاء وأكادير، أما أصحاب الدكاكين وبائعي الخضر فمجرد فقراء مثلنا، يبيعون بغلاء مثلما اشتروا بغلاء.. والدولة لو أرادت أن تحارب الغلاء لفعلت بلا حاجة إلى خطب كهاته ولا لجن كتلك التي ولدت فجأة وقصدت دكاكين الفقراء لتفرض عليهم غرامات وتصادر بعض سلعهم التي باعوها لسنوات دون في نفس الظروف دون أن يحدث شيء أو يكلمهم أحد .. قلت هذا الخاطر لصديقي فضحك ورد ساخرا: وهل تظن هؤلاء المحتكرين المتحكمين في الأسعار المغتنين بالأزمات يصلّون الجمعة أصلا!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *