عندما استباحت الحيتان كرامة بائع السمك

أحداث قاسية، تلك التي عاشها الشعب، منذ بائعة البغرير بالقنيطرة التي أحرقت نفسها، بعدما أحرقها الإحساس بالقهر والحكرة، وتوالت بعدها محاولات الانتحار و الحرق، إلى ماعشناه بالأمس، شاب في مقتبل عمره، يغرق وسط الأزبال والدم، وشقى العمر.
تساءلت كيف سيكون إحساس ذلك الشرطي، أو رجل اللا أمن، كيف سيغمض له جفن، وكيف له أن يسامح نفسه، فيما أقترفه في حق الشاب وأمه وعشيرته، و الشعب كله.
لقد أحسسنا بنفس إحساس الحكرة و الاحتقار والذل، والهوان. كيف للشرطي، أن يقول له بكل بساطة “طحن مو!”، هل كان يتحدث عن حشرة مثلا؟.
سنهنؤك إذن يا من وكلت له أمور أمن الساكنة، فقد طحنت كبد أمه وأبيه وعائلته وجيرانه وشعب بأكمله، وطحنت كرامتهم بضغطة زر.
لا أجد الكلمات لأعبر، فأنا بين الغضب، والقرف، و الثورة التي بداخلي، والإحساس بالتقصير وقلة الحيلة، وقصر اليد، ليس لي إلا قلمي الذي كاد يحتجز، ولسان وكأن هناك من يريد أن يخرسه، ووقفات كادت تصادر منا……
لا أدري، أو ربما هو سياق ماحدث، ذكرني بواقعة منذ سنين، عندما رافقت والدي للسوق المركزي بوجدة، وشاهدت رجلا مسنا يبيع الثوم، وضعها بحرص داخل سلة من” الدوم”، وإذا بشرطي يتسلط عليه، ركله و ألقى بسلته بعيدا، وأخذ يهدد بأنه سيقله إلى السجن، ولن أنسى كيف أن ذلك المسن أخذ يقبل رجليه، ويتوسل إليه أن يسامحه، والناس منهم من اختار أن يتفرج، وبعضهم أخذ يتسعطف، ولكن رجل اللا أمن أصم أذنيه، وواصل إهانة المسن……
أمور كهذه كانت تقع بكثرة، ولازالت، مع استمرار تخلفنا، وعدم اهتمامنا بأمور البلد، أو ما يسميه البعض بأمور السياسية، رغم أن ما نأكل أمر من أمور السياسة، مشكل المواصلات سياسية، مشكل الصحة والتعليم والوظيفة سياسة، ما نشاهده عبر أشباه القنوات سياسة، مانقرأه ومالا نقرأه سياسة، ما يصدر إلينا بخيره وشره سياسة، كل مانعيشه نتيجة سياسة نختارها، وكل مانعانيه نتيجة سياسة لم نخترها ولم نساهم في اختيارها، ولم نعمل على تغييرها.
لن أطيل أكثر، ولكني أريد أن أذكركم، أن عمر الشعوب بعمر ضمائرها وكرامتها، فمتى تغيب الضمائر، و تستحل الكرامة، تفقد الشعوب، وتندثر، علينا أن نتذكر، أن الشعوب الغربية لم تكن لتصل إلى ماوصلت إليه الآن، لو لم يتابع الشعب عمل ساسته، وتحركات ساسته، و وقرارت ساسته، ولم يكن ليصل إلى ماوصل إليه اليوم، لو كان يعتريه الخوف في التعبير عن حقه، واحتجاجه، وتظلمه.
لم يكن ليصل إلى ماوصل إليه الآن، لو ترك إنسانيته تغتصب.
رحمك الله ياشهيد الحكرة، ورحم الله أمي فتيحة، ورحم الله أناس تستحل حقوقهم، وتهان وكرامتهم، ولم يستطيعوا أن يوصلوا لنا أصواتهم، رحمنا الله وإياهم.