مجتمع

لجنة برلمانية تفتح “الصندوق الأسود” لأسواق الجملة وتفضح مسببات الغلاء بالمغرب

سجل تقرير برلماني حديث مجموعة من الاختلالات بأسواق الجملة التي تسببت إلى جانب غلاء المحروقات والجفاف في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه بالمغرب، من أبرزها كثرة الوسطاء الذين يسيطرون على مسار التسويق والتوزيع، وغياب المراقبة، وانتشار سلوكيات أخرى منافية للقانون.

وبحسب تقرير المهمة الاستطلاعية حول شبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية ببلادنا، الذي جرى تقديم ملخص حوله أمس بلجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، فإن المملكة تتوفر على 38 سوقا للجملة، موزعة بين 32 سوقا ذات طابع استهلاكي قريبة من مراكز الاستهلاك في المدن، و5 أسواق ذات طابع إنتاجي مثل بركان، وسوق واحد لتجميع وتوزيع الخضر والفواكه بالدار البيضاء، والذي يقوم بعملية التوزيع لمختلف المناطق المغربية.

تغول الوسطاء
ووفقا للتقرير الذي اطلعت “العمق” على مضمونه، فقد سجلت وزارة الداخلية على لسان المديرة العامة للجماعات الترابية خلال اجتماعها بأعضاء المهمة الاستطلاعية، مجموعة من الاختلالات التي تشوب تدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه على الصعيد الوطني، من بينها عدم احترام تطبيق رسم 7 بالمائة على المبيعات بالجملة بالأسواق غير المهيكلة، واقتصار دور الوكلاء في استخلاص الرسم المفروض على البيع بالجملة فقط، فضلا على كثرة الوسطاء دون أي قيمة مضافة.

وأضافت المسؤولة ذاتها، أن وزارة الداخلية تراقب يوميا أثمنة المنتجات الفلاحية، ويتضح لها بأن هناك عقلية ممتدة على امتداد مسار التسويق تساهم بقوة في تغيير الأثمنة، الأمر الذي يستدعي وضع نمط لتدبير كل من أسواق الجملة لأن إشكالية الوسطاء، بتعبيرها “موجودة وبقوة”.

وأشارت إلى أن الفلاح يبيع في الضيعة دون الذهاب لسوق الجملة لقلة الإمكانيات، مما يجعل الوسيط أو التاجر يحافظ على الغلة في الضيعة، وعدم الذهاب بها إلى السوق إلى حين نفاذ المنتوج من السوق، الأمر الذي يصعب ضبطه، مشددة على ضرورة التفكير في قانون للتوزيع يسمح بتحديد من هو التاجر ومن هو الفلاح ومن هو الوسيط والحد من تغول الوسطاء بما يضمن حماية المستهلك.

في سياق متصل، أكد أعضاء المهمة الاستطلاعية، بأن 70 في المائة من المنتوجات الفلاحية تباع خارج أسواق الجملة، و30 بالمائة فقط هي التي تباع في إطار أسواق الجملة، معتبرين أن التجميع لا يمكن أن ينجح دون أن يسبقه تحديد الثمن، داعين وزارة الداخلية لتبني رؤية لإبقاء الفلاح في العالم القروي واستمرارية نشاط الزراعي والتجاري، والفيدراليات البيمهنية للضغط في تجديد الأثمنة المعقولة، وكذا الجماعات الترابية لتجوية عملية تدبير الأسواق.

وخلال عدد من اللقاءات والزيارات، لاحظ أعضاء المهمة الاستطلاعية، بحسب التقرير ذاته، وجود ارتفاع مهول في أسعار المنتوجات الفلاحية مع وجود فارق في هذه الأسعار في نفس سوق الجملة، موضحين أن الوسطاء يبقون المستفيدون في المقام الأول من هذا الارتفاع وليس هم الفلاحون المتضررون من الوضعية الحالية والغارقون في الديون، منذرين بأن هذه الوضعية تهدد ممارسة الفلاحين لنشاطهم الفلاحي.

اختلالات بالجملة
وعرج التقرير على زيارة أعضاء المهمة الاستطلاعية لسوق الجملة بالدار البيضاء، حيث لاحظوا وجود فرق كبير بين ثمن المنتوجات داخل السوق وثمنها عند وصولها للمستهلك، حيث قدموا مثالا على ذلك بـ”الجزر” والذي يباع داخل السوق بـ1.5 درهم، وفي مكان آخر داخل السوق بثمن 2.5 درهم، ليباع في نهاية المطاف إلى المستهلك بـ4 دراهم، نفس الشيء بالنسبة للبذنجان والبصل والفلفل.

بخصوص الثمن المرجعي للمنتوجات الفلاحية، أشار التقرير إلى أن التجار أكدوا لأعضاء المهمة الاستطلاعية أن الثمن يحدد في السوق بناء على العرض والطلب، وبأن بيع المنتوجات داخل المحلات المتواجدة بسوق الجملة يكون مرتفعا في حالة واحدة فحسب، وهي الحالة التي يتم فيها شراء المنتوجات مرة أخرى من أصحاب المحلات سواء أكانوا تجارا أو وسطاء.

ومن جملة الاختلالات التي سجلها التقرير البرلماني، وجود شاحنات محملة بالمنتوجات الفلاحية داخل سوق الجملة بالدار البيضاء دون حملها لورقة التعشير، ما يعني أنها موجودة في إطار البيع الثاني أو الثالث أي إعادة البيع غير الخاضع للقانون، حيث يتم شراء تلك المنتوجات من الفلاح أو التاجر داخل السوق، ويتم إعادة بيعها في نفس السوق بثمن مرتفع عن الثمن المحدد من قبل التجار والفلاحين.

وسجل التقرير البرلماني، أن المنتوجات الفلاحية تباع من لدن المنتج أو الفلاح ثمن، وتصل إلى سوق الجملة بثمن مغاير، وتباع للمستهلك بثمن مرتفع بـ100 أو 150 في المائة، بغض النظر عن تكلفته، وهذا الأمر في الظرفية العادية، وليس فقط في الظرفية الحالية المقرونة بالغلاء الموجود على المستوى العالمي.

وعبر أعضاء المهمة الاستطلاعية من تخوفهم أن يكون المستفيد من ارتفاع أثمن المنتوجات الفلاحية هم الوسطاء، لقيامهم بالضغط على الفلاحين المضغوطين أصلا لتخفيض الثمن وشراء المنتوجات، الفلاحية منهم بأقل ثمن، وبيعها بثمن مرتفع إلى درجة غير مقبولة، ما يهدد الفلاح وإنتاجه، ويهلك القدرة الشرائية للمواطنين.

غلاء المحروقات
وخلال اجتماع أعضاء المهمة الاستطلاعية برئيس غرفة التجارة والصناعة بجهة الدار البيضاء سطات، أكد هذا الأخير أن ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية في الظرفية الحالية يجد مبرره بالأساس في ارتفاع أسعار المحروقات والحرب الأوكرانية الروسية، وأيضا تحكم الوسطاء في جل مراحل عملية تسويق وتوزيع المنتجات الفلاحية، وغياب المراقبة على تدخل هؤلاء الوسطاء.

علاوة على ذلك، أشار رئيس الغرفة، بحسب تقرير المهمة الاستطلاعية، إلى أن الزيادات الحاصلة خارج سوق الجملة، “حقيقية وتعتبر هي الأكبر من ناحية رفع الأسعار” ويبررها التجار بوجود مصاريف الكراء والتنقل والتخزين والتبريد، ناهيك عن ضياع وتلف هذه المنتوجات.

من حانبه، قال وزير النقل واللوجستيك، محمد عبد الجليل، إن التغيرات الحاصلة في أثمنة المحروقات وإن استطاعت الدولة عبر الإجراءات التي اتخذتها الحد من تأثيرها إلا أنها أثرت فيما يخص ارتفاع أسعار النقل التي أثرت بدورها وبشكل مباشر في ارتفاع أثمنة المنتوجات الفلاحية.

احتيال التجار
وأقر المسؤول ذاته، بأن لجان مراقبة الأسواق تصطدم ببعض السلوكيات الاحتيالية للتجار، حيث أن معرفتهم بوجود هذه اللجان، وموعد قيامها بالزيارة، يجعل التجار يحددون أثمنة معقولة، وبعد انتهاء الزيارات يتم وضع أثمنة أخرى، مؤكدا أنه في حالة ثبوت أية مخالفة يتم تطبيق القانون عبر منح المخالف إنذارا، والعودة لمراقبته في الأسبوع الموالي لتاريخ الزيارة الأولى.

ولتجاوز هذا الإشكالات، اقترح رئيس غرفة الصناعة والتجارة بالدار البيضاء، ضرورة وجود مراقبة للوقوف على الأثمنة التي يشتري بها الوسطاء والتأكد من نسبة الزيادة في أسعار المنتوجات، عبر إقرار الشراء بالفواتير والتأكد مما تضمنته هذه الفواتير ومقارنته بثمن البيع، وإقرار الجزر ومعاقبة كل من ثبتت في حقه الزيادة غير المبررة في أثمنة المنتوجات الفلاحية.

من جانبه، يرى رئيس الغرفة الفلاحية بالدار البيضاء، أن ارتفاع أسعار الخضر راجع لأمرين رئيسيين، الأول في ارتفاع أسعار المواد الأولية خاصة الأسمدة والبنزين، والثاني في ندرة المياه موازاة مع حالة الجفاف التي تعيشها البلاد، غير أن أعضاء المهمة الاستطلاعية يرون بأن إرجاع مشكل الغلاء إلى ندرة المياه ليس بالأمر المنطقي، لأن هذا الإشكال عالمي.

تجارة بالهواتف
وخلال زيارة أعضاء المهمة الاستطلاعية لسوق الجملة بإنزكان، لاحظوا أن انتقال السلعة من مكان إلى آخر داخل السوق لا يتجاوز أمتار قليلة، تتم الزيادة بـ2 إلى 3 دراهم في الكيلوغرام، مما يفسر ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية في سوق الجملة، أولا قبل خروجها إلى الأسواق المحلية.

كما أفاد مدير سوق الجملة بإنزكان، بأن هناك إشكال في القرار التنظيمي للسوق، لأن الفلاح يأتي للسوق بصندوق واحد (أي العينة) ويتم التفاوض على الكمية بالطن، وعند الاتفاق يتم شراء الكمية المطلوبة من الضيعة مباشرة، ويبقى السوق في هذه الحالة خارج هذه المنظومة مما يؤدي إلى عدم معرفة السلع الموجودة بالسوق.

ونبه المسؤول ذاته، وفقا لتقرير المهمة الاستطلاعية، إلى أن ثمن الطماطم وصل إلى ثمن خيالي حيث تم على إثره توقيف العمل بالعينة في سوق إنزكان، إلا أنه تم التراجع عن هذا القرار بسبب الضغط الذي تم ممارسته من طرف الفلاحين، معتبرا إياهم الطرف المؤثر، مضيفا أن أغلب العمليات التجارية في هذا القطاع تتم عبر الهواتف بالرغم من أن هذه العملية ممنوعة قانونيا، مما يصعب معه مراقبة جل هذه السلوكيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد المصباحي
    منذ سنة واحدة

    الأسباب الحقيقية ترجع في نظري إلى اختيارات سياسية خاطئة جسدها المغرب الأخضر و إبرام اتفاقيات لتزويد أسواق خارجية على حساب الأمن الغذاءي للمغاربة مع غياب أي بند يمكن من التراجع عنها و كذا تربع فاعل في المجال النفطي عل كرسي رئاسة الحكومة.

  • الطاهر
    منذ سنة واحدة

    ماذا سنخلص إليه بعد هذا التحقيق البرلماني مشكورين عليه ؟هل من قرارات زجرية تجاه هؤلاء الوسطاء والمحتكرين ؟وشكرا