منتدى العمق

قصة الأبتر

ثمة شيء أَقُصُّه عليكم عن ذاك الأبتر الذي عَيَّر محمدا صلىٰ الله عليه وسلم. وفي الحقيقة؛لا تتوقعوا أن أذكر لكم جديداً، فليس هناك ما أحكيه غير تلك الرواية اليتيمة التي لا تُذكر إلا نادرا ثم تُطوىٰ صحيفتها لتُرمىٰ في ثلث النسيان الخالي، تلك الحادثة التي لم يعطها القرآن أكثر من حجمها الذي تستحقه؛ أقصر سورة من ثلاث آيات لا غير ثم مضىٰالقرآن بأسلحته المعهودة، أسلحة البناء الشامل يبني ويشيد…

ولهذا دعك من ذلك المقال، لا تنشغل به كثيرا، ولا تعُد لنشره والتشهير بصاحبه… دعك من تلك الصُّور المقززة التي قيل أنها عن محمد، دعك من ذلك الفلم الذي قيل عنه مسيء.. خفف من ردت فعلك المنهزمة فأمامنا عمل كثيرٌ يا صاحبي، أمامنا ذلك الدَّور الذي لم نُحسن أداءهبعد.. ذلك الدور الذي لا يجب أن يحسنه غيُرنا… ذلك الدور البطولي الذي لا ننجح في أدائه إلاّ في شكل هتافات وشعارات من قبيل “فداك روحي يا رسول الله”…

فلو كان ما يحركنا في مثل هذه المواقف وما نحسه فعلا حبا؛ لو كان (الغضب) الذي أحسسناه في السنوات الماضية اتجاه تلك الإساءات غضبا بحق،لو كان كل ذلك فعلا حقا؛ لكنا قد صنعنا الآن واقعا غير ما نعيشه اليوم، ولكنه كان موسما يستفيق فيه أصحاب الكهف من سباتهم علىٰ إثر صفعة قوية تم التخطيط لها بدهاء وإحكامثم ما يلبثوا أن يعود أهل الكهف إلىٰسبات آخر ربما يكون أطول وأعمق من سابقه.

وتذكر يا صاحبي أنَّ القلب الذي أحبه، القلب الذي كاد ينفطر حزنا وألما وغيظا.. ستبزغ منه أشعة يومٍ ما.. يومٍ مختلف تماما عمّا عشناه من قبل. يومٌ سيصبحفيه الحب مُولدا للطاقة التيسنَصنع من خلالها مستقبلا مغايرا لواقعنا، مستقبلا يعيش فيه أحفادنا بعزة وكرامة، وتعيش فيه كل البشرية في ظل الرحمة التي هي صميم رسالة ديننا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

وما دمنا لم نحقق ذلك بعد يا صاحبي ولم نسع إليه، فاعلم أننا لم نُحبه بعد؛ فيوم نُحبه -بحق- سنستبدل سلوكنا هذا بآخر خيرٍ منه، وستتغير نظرتنا للعالم بأخرىٰ أكثر رحمة ورأفة وعدلا، وستصبح عبادتنا ليست كتلك التي نؤديها في محراب الصلاة وحسب؛ وإنما سنتعداها إلىٰ عبادة أكبر وأعظم وأشمل نؤديها في محراب الحياة..فيا صاحبي؛ ليست المسألة هل نحبه، وإنما كيف نحبه؟
وأنا أحكي لكم عن حبه نسيت أن أخبركم عن قصة الأبتر… ألم أقل لكم إنه أبتر؟

ــــــــــ

باحث في التربية والدراسات الإسلامية