وجهة نظر

إلى متى تستمر وزارة الصحة في إهانة موظفيها وتجاوز النقابات؟

ملف الممرضين المجازين: نموذجا

أن يغضب الممرضون المغاربة و يطالبون بحقهم في المعادلة الإدارية و العلمية ، و تملأ حناجرهم شوارع العاصمة مرات عديدة في منظر يسيء لسمعة البلاد ، و ينتفضون في جل الأقاليم و الجهات مطالبين بإنصافهم و نيل حقوقهم و على رأسها معادلة شواهدهم حسب ما تقتضيه المساطر و المراسيم .

و أن تتوحد كل النقابات اليوم و تدخل على الخط بحرارة رغم تثاقلها ، و تطالب الوزارة الوصية بالوفاء و الالتزام باتفاق 5 يوليوز 2011 الذي يخول للممرضين المجازين الحاصلين على الباكالوريا حقهم في السلم العاشر و في متابعة الدراسة في أسلاك الماستر و الدكتوراه كما أكدت على ذلك مراسيم و بلاغات وزارة التعليم العالي و تكوين الأطر ، و المطالبة بإلغاء امتحان الكفاءة .

ثم أن يلق موضوع غضب الممرضين و دعواتهم من أجل مقاطعة امتحان يوم الأحد 30 أكتوبر 2016 القادم ، تجاوبا كبيرا و صدى قويا لدى الرأي العام الوطني و على صفحات أغلب الصحف الوطنية و الجرائد الإليكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي ،
كل هذا الزخم و هذا الحراك و هذا الحجم من التفاعل ، ولا تحرك وزارة الصحة ساكنا و لا تعطي للموضوع أدنى اهتمام رغم أنه بقي يوم واحد فقط عن الامتحان، كل هذا يعني أمرين خطيرين لم تلق لهم وزارة الصحة بالا وستتحمل بكل تأكيد تداعياتهما إن لم تتدارك الأمر بطريقة أو بأخرى :

أولا : هذا التجاهل المتكرر يعتبر تأكيدا واضحا على أن وزارة الصحة لا تقيم وزنا لموظفيها عامة و للممرضين خاصة ، و لا تكلف نفسها عناء التفكير في مجرد النظر إلى مطالبهم و لا تهتم بغضبهم ، وهذا تعبير صريح بالانتقاص من قدرتهم و استصغار ما قد يصدر عنهم من انتفاضة قد تربك السير العام لمصالح الوزارة و تضعها في أزمة مع المواطنين و لن يعذرها أحد ساعتها كما أنها لن تستطيع إيهام الرأي العام عبر القنوات الرسمية ببث لقطات لمواطنين يشتكون أمام مركز صحي أو مستشفى ، من غياب أو إضراب أو احتجاج للموظفين ، كما أنه بتجاهلها هذا تعطيهم كل المبررات لخلق مزيد من الإحتقان و البلبلة نتيجة ما يعتبرونه احتقارا و إهانة لهم .

الأمر الثاني الذي لم تنتبه له الوزارة أيضا هو : عدم ردها على النقابات وعلى مراسلاتها و بياناتها وعدم إعطائها أدنى إعتبار يذكر ، ناسية أو متناسية أن هذا الأسلوب سيحرج النقابات أمام منخرطيها و أعضاءها و أمام الموظفين و سيخلق لها مشاكل و يطرح رمزيتها و قيمتها و قوتها و مكانتها في الميزان ، وهذا لن تستسيغه النقابات و لن تقبله مكرهة لأن هذا التجاوز المتعمد و المقصود لممثلي الموظفين هو تأكيد أيضا على إفلاسها و هلاكها و موتها الشيء الذي لن ترضاه هذه الهيئات على نفسها و لن تسكت عليه ، و بالرغم من أن وزارة الصحة تدرك أن جلّ النقابات الصحية أصبحت ضعيفة بسبب هيمنة قادتها “الموالين أغلبهم لها” على القرار النقابي و بسبب التسلط و الغطرسة و عدم احترام الديمقراطية الداخلية و بسبب التبعية السياسية لأحزابها ، لكن في المقابل نسيت أو تناست الوزارة أن تجاهلها و تجاوزها هذا لهيئات شريكة و لو صوريا ، سيدفع هاته الهيئات القطاعية إلى المواجهة مع الوزارة مجبرة لردّ الإعتبار لنفسها و لسمعتها و تاريخها و لدفع الشبهة عنها قصد المصالحة مع قواعدها التي قد تنتفض عليها في أي لحظة من اللحظات أو تقرر الهجرة الجماعية نحو وجهة أخرى أكثر مصداقية و تنظيما و جرأة، أو في غالب الأحيان ستسحب الثقة من العمل النقابي ككل و ترتمي في أحضان الهيئات المستقلة من المجموعات و التنسيقيات التي برز نجمها بعض تخلي النقابات عن واجبها .

ختاما يمكن القول أن استهانة الوزارة بملفات الموظفين و مطالبهم و استمرار معالجتها الخاطئة و تدبيرها المتعالي للحراك الحالي ، و لكل ما تعرفه الساحة الصحية من مشاكل مرتبطة بوضعية الموظفين و ظروف اشتغالهم و حقوقهم و بالأخص ملف فئة الممرضين، قد أعاد الصراع بين الوزاة و موظفيها و بين الوزارة و النقابات الصحية إلى مربع التوازن و التعادل لصالح الموظفين و نقاباتهم ، و الخسارة بكل تأكيد ستكون للجهة التي تقف على أرضية ضعيفة و هشة ، و هو تماما وضع وزارة الصحة اليوم التي تمادت لفترة طويلة في تجاوز موظفيها بكل فئاتهم ، و استهانت بإمكانية استيقاظ النقابات و انبعاثها من جديد .

وفي الأخير و بعيدا عن منطق الصراع الذي لا يخدم المصلحة العليا لوطننا في شيء ، على وزارة الصحة أن تتحلى بالمسؤولية و الجرأة في حلّ المشاكل بمعية الأمناء و المخلصين من أبناء الدار ، و عليها أن تدرك أنه من مصلحتها و من أجل إنجاح المنظومة الصحية ببلادنا و إخراجها من دائرة العجز و من أجل الاستجابة لتطلعات المواطنين من الخدمات الصحية و العلاجية و مواجهة القضايا الكبرى التي تحتاج تكاتف الجميع عليها أولا وقبل كل شيء التصالح مع موظفيها بكل فئاتهم : أساتذة ، أطباء، ممرضون متصرفون مهندسون تقنيون مساعدون طبيون ..إلخ ، و الإنصات لهم و تمكينهم من حقوقهم ، و إعطائهم القيمة التي يستحقونها كي ترجع لهم الثقة و الأمل في مواصلة العطاء و التفاني رغم كل ما عانوه و ما عرفوه خلال سنوات مضت من إذلال و اعتداءات و احتقار وتهميش و تنكر للحقوق ، لكن أرواح الناس و صحتهم و التخفيف عن آلامهم ، تمنع الأوفياء و الشرفاء و اصحاب الضمائر الحية منهم من مجرد التفكير في التخلي عن واجبهم مهما بلغهم من ظلم وزارتهم ، فهل تعي و تقدّر الوزارة ذلك ؟؟

ــــــــ

باحث و فاعل نقابي