منتدى العمق

بعد لقاء الوزير، جاءني..

لا أصدق الأحلام، و لا حتى الرؤى، لكن الذي حدث خلخل أفكاري المشككة، و أنذر بانهيار غروري المعرفي. المدير بأسارير منكشفة، يتجه نحوي و هو يلوح بورقة في الهواء: ها هي جات ها هي جات، يقولها ممتلئا غبطة و حبورا، كأن هما ثقيلا قد انزاح عن كاهله.

– أشنو جا، يا كما شي ترقية صحيحة، اللهم زد وبارك

مقطبا حاجبيه، لسان حاله يقول “واش هذا زمان الترقيات، دابا كاين غير النبك”، أحسست بشيء من الخجل، فما كان علي أن أتفوه بهذا الكلام، فحكومتنا الموقرة قررت من وقت قريب أن ترقينا جميعا، نحو الأسفل، قهقرى تعسفية للجميع، لتملأ صناديقها المثقوبة، كان عليها أن تسد الثقوب أولا، كي لا يستمر التسرب.

– جاك إلغاء التكليف، أخيرا غادي ترجع تقري المعلوميات

عندما أمسكت تلك الورقة، شعرت بأنها أثقل من وزنها الحقيقي، و تلك السطور القليلة المرقونة عليها، بدت و كأنها قصيدة طويلة من زمن المعلقات، عيناي تبحثان فقط عن جملة مفيدة أو حتى كلمة مفتاحية. ” المعلوميات” كانت هي الحروف المتجمعة التي لها وقع السحر، غمرني فرح طفولي، كأني عاشق عاد إلى حضن عشيقته ، أو يتيم تلقفته يد الأمومة بالرحمة و الحنان. لم تنتفخ أوداجي و لا راودني ما يراود المنتصر، أسررت في نفسي “ما ضاع حق وراءه مطالب”.

– و بالنسبة للأساتذة الآخرين اللي معانا في المؤسسة، أشنو دارو معاهم

وجهت هذا السؤال للسيد المدير، و أنا أعرف فحوى الجواب، و ما الضير أن أسأل، فلربما يجد جديد، أو يأتي الفرج عميما لا يستثني من خلق الله أحدا.

– السي سفيان باغي يغير التخصص، الحاج ميلود عاجبو الحال، الأستاذة ترية، واعدونا بحل المشكلة في سقف شهر نونبر المقبل، ها دشي اللي كاين.

طيب هذا المدير، يعرف أني معين من شغب لا ينضب، و أن حل مشكلتي لا يعني أنني “غادي ندخل سوق راسي”، ذلك أن قصتي مع هذا التكليف المشؤوم، مجرد واحدة من مئات، لقد أرادت حكومتنا الموقرة أن تبتدع مهمة جديدة من خيالات رجالاتها المريضة، لم نكن ندري، نحن مدرسي مواد التفتح، أننا مجرد أساتذة احتياطيين، كيف يكون ذلك و قد صدعوا رؤوسنا بالمذكرات و المقررات و التعليمات و المفتشين و اللقاءات و التكوينات و … في النهاية لسنا سوى “رويضة سوكور ديال الماط و الفيزيك”، عجبا كيف يحكمون.

– كون هاني أ أستاذ، معركتنا، مع من لا يرقب إلا و لا ذمة في المدرسة العمومية، معركتنا، مع من أراد إفراغ التعليم العمومي من أي قيمة حتى يفر الناس منه أفواجا، و يسلم القطاع إلى رجال المال و الأعمال، معركتنا مع من يريد إذلالنا و إخضاعنا لقراراته الرعناء. لن نحرض التلاميذ، لن نحرض الآباء، لن نترك التلاميذ خارج فصولهم، لكننا لن نسكت.

مرتاحا، تقبل هذا المدير الطيب و الغيور مرافعتي، و لم يناقش دفوعاتي، المهم بالنسبة إليه تحقق.

– راك عارف أسي عبد الرحيم، خصني المؤسسة تمشي على أحسن ما يرام، بغيت كلشي يخدم مرتاح، و التلاميذ يقراو في ظروف مزيانة، و الجوانب الإدارية تكون على حقها و طريقها.

أومأت بالجفون، حيث الإشارة تغني عن العبارة، و سرى في جوانحي إحساس مختلط، رغبة في الفرح يقاومها شعور بالمسؤولية، بين مرحى للخلاص الفردي و اللعنة على المحنة الجماعية.

في مساء ذلك اليوم، جاءني اتصال من مدرس لمادة التكنولوجيا في مدينة تمارة، أعرفه فقط من خلال الفضاء الافتراضي، ألهمني نضاله كثيرا، فهو في تمارة أمة لوحده، لم تنفع معه التهديدات، و لا زيارات المسؤولين، كل مساعي إثنائه عن رفضه تدريس الرياضيات و إلغاء مادته، باءت بالفشل.

– آلو سي عبد الرحيم، معاك منير

حكا لي بعض التفاصيل، و اقترح علي التعاون لتأسيس تنسيقية لمدرسي مواد التفتح، تواجه الاحتمالات الكارثية لهذه التخصصات، و لأساتذتها، فنذر الخراب لاحت في الأفق، و التعليمات صدرت بفض عقدها و تشتيت شملها، ” ما بقا خاصنا غير الإعلاميات و التكنولوجا، حتى يلقاو الدراري اللي يقريهم الماط بعدا” ، بمنطق الذي يريد أن يداوي السرطان بحبوب الأسبيرين، قررت حكومتنا الموقرة، إنهاء الحكاية.

– نعم، أسي منير، متافقين، الله يسخر

بالنسبة إلينا، القصة للتو بدأت.