منتدى العمق

رضا الغرب ليس من رضا الشعب

قد نستغرب تعاطي الأنظمة العربية مع القضايا الداخلية لبلدانهم مما يطرح تساؤلات حول مدى فهمهم للواقع بل وأكثر من ذلك نزداد استغرابا من طريقة التعامل مع الاحتجاجات التي قد تثار وتعترض على بعض تلك السياسات من قمع للمظاهرات وتضييق على الصحافة وتكميم للأفواه، مع العلم والمفروض أن السياسة العامة يجب أن تكون منسجمة مع نبض الشارع ومتجاوبة مع تطلعاته وترجمة حرفية لمتطلباته.

وبالمقابل لا يختلف اثنان على أن معظم السياسات الداخلية لها ارتباط وثيق بما يروج خارجيا سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الدبلوماسي والعسكري مما يفرض على معظم الدول العربية عدم استقلالية القرار في مختلف هذه المجالات فبالإضافة إلى التجاذب الموجود بين مختلف الجيران في العالم الإسلامي بافتعال أزمات بينية تارة حول الحدود وتارة حول المياه ……كوسائل ضغط إضافية كلما سولت -لأي دولة- نفسها اتخاذ قرارات و إجراءات أحادية أو لها تأثير على المصالح الغربية، وما الأزمة الأخيرة بين المغرب والاتحاد الأوربي حول اتفاقية الصيد البحري وتحريك الأمين العام للأمم المتحدة لقضية الوحدة الترابية بشكل مستفز لأكبر دليل على هذه المعادلة.

إن استفحال ظاهرة اللوبيات في شتى المجالات وخصوصا السياسية والاقتصادية لتساهم بشكل كبير في تكبير الهوة بين سياسات الحكومات وانتظارات الفئات الفقيرة حيث لا يكون هناك هم لهذه اللوبيات سوى خدمة مصالحها ولا تتورع من إلحاق الضرر بالبلاد والعباد بل أكثر من ذلك تجد أن أكبر مستفيد من نشاطاتها جهات خارجية أهمها الأبناك وبعض الشركات المتعددة الجنسية والتي بدورها تستنزف جيوب البسطاء وتصدر العملة الصعبة إلى الخارج، فسياسة الاحتكار والمضاربة التي تكون نتيجتها في غالب الأحيان الزيادة الخيالية في أثمان بعض المواد تجعلنا نتساءل ما مدى وجود سلطة تراقب وتتحكم وتعاقب أي خروقات تهدد السلم الاجتماعي؟ أم أننا أمام دول وسط الدولة كل يمارس سياساته وأنشطته على هواه ؟

أما على المستوى الدولي فلا نخرج عن هذا السياق العام حيث نجد نفس السيناريو يتكرر، ففي الدول التي تعرف أزمات خانقة على المستوى الاقتصادي أو في بعض المجالات الاجتماعية كاليونان وإيطاليا وفرنسا نجد احتجاجا واعتراضا من فئات عريضة من المجتمع على الإصلاحات التي تباشر لحل الأزمة كالزيادة في الضرائب كما وكيفا أو التقشف وتخفيض النفقات في بعض المجالات الاجتماعية التي تنعت خطأ بالمجالات غير المنتجة كالصحة والتعليم أو فرض قوانين مجحفة كقانون الشغل في فرنسا وعلى العموم فاتباع كل الإجراءات الإصلاحية غالبا ما تكون مملات من جهات خارجية تكون معها شراكات استراتيجية كإنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية أو البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي.

وإذا رجعنا للواقع العربي فبقدر ما تريد الشعوب التقدم والازدهار على المستوى الداخلي فإنها ترنو إلى التعاون والتبادل التجاري فيما بين الدول العربية خصوصا وأن جميع الشروط متوفرة لتحقيق اكتفاء ذاتي ووحدة اقتصادية قوية إن لم نقل وحدة قطرية وبطبيعة الحال فهذا المطلب بدوره لن يرضي الغرب وبناء عليه فإن النتيجة الحتمية للاستجابة للتوجيهات والأوامر الخارجية تكون لها نتائج سلبية على الشعب حيث تكون بعض الدول أمام خيارين أحلاهما مر فإرضاء الغرب من غضب الشعب وإرضاء الشعب من غضب الغرب.