وجهة نظر

الصيدلية وآفاق تجويد الخدمات الصحية بالمغرب

يعتقد معظم المغاربة أن أدوار الصيدلي، تنحصر في مراقبة الوصفات الطبية، وشراء وبيع الأدوية والحرص على توفيرها بشكل كافي ووافي، وجعلها رهن إشارة المرضى.. والحقيقة أن التصور الذي يحمله معظم المغاربة عن أدوار الصيدلي، ليست سوى صورة محدودة جدا، وغير مكتملة للأدوار الأصلية والأساسية التي يجب أن يحرص الصيدلي مبدئيا على توفيرها وتقديمها بالمجان ضمن مجموعة من الخدمات الصحية الأخرى.

الصورة المغلوطة التي يحملها معظم المغاربة، عن الصيدلي كافية لتكشف لنا فعلا حجم الخصاص الحاصل على مستوى الخدمات الصيدلانية في المغرب، إذ يعتقد عدد كبير من المغاربة بأن الصيدلي مكلف بتوفير الأدوية ومراقبة الوصفة الطبية فقط، في حين أن ميثاق أخلاقيات الصيدلي الذي جرى تجميد بنوده خلال السنوات الأخيرة، كفيل بضمان حزمة من الخدمات الإستشارية والصحية المجانية لفائدة جميع المواطنين المغاربة.

ويتوفر المغرب حاليا على أزيد من 12000 صيدلية، منتشرة عبر التراب الوطني، من طنجة إلى الكويرة، دون أن يتمكن الصيادلة من استثمار هذه الفضاءات في توجيه المواطنين نحو ممارسات صحية ودوائية سليمة، والمساهمة أيضا في تكريس تربية صحية في صفوف جميع الوافدين على فضاء الصيدلية، و عرض صور توعوية وتحسيسية تهم عددا من الإشكاليات الصحية القائمة ومن حيث المبدأ و الأخلاق فكل هذا تصور مبدئي فقط، إذ أن الواقع الملموس يكشف لنا أن صورا إشهارية للمكملات الشكلية، باتت تكتسح جزءا مهما من فضاء العرض بمعظم الصيدليات، وذلك على حساب التوعية والتحسيس والتربية الصحية .

ومن ضمن المهام الأخلاقية المنوطة بالصيادلة، توجد أيضا عملية معاينة تحسن حالة المرضى والجرحى القادرين على التنقل نحو الصيدلية وإخبار الطبيب المعالِج بذلك، دون أن ننسى أن الصيدلي ملزم بلعب أدوار توعوية وتحسيسية في مواجهة الأمراض المعدية والفتاكة، وتقديم الاستشارات الدوائية بما يتماشى مع سن المرضى وحالتهم الصحية والنفسية أيضا. بالإضافة لعمليات للتوعية والتحسيس بدون انقطاع و24 ساعة على 24 إذا كان ممكنا بأهمية التغذية السليمة، ومنافع ممارسة الرياضة، وكذا أضرار التبغ والمخدرات، والعشرات من النصائح الأخرى التي لا يسع المجال لذكرها.

عموما فإن هذه الفضاءات يجب استثمارها بشكل سليم من طرف وزارة الصحة، وتثمينها من خلال إحياء الأدوار الأخلاقية للصيادلة، التي تعتبر المدخل الحقيقي لتطوير وتجويد الخدمات الصيدلانية بالمغرب وبالتالي تجويد الخدمات الصحية ككل.

إن تغييب الأدوار الأخلاقية للصيدلي يجعل قطاع الصيدلة زائغا عن الطريق الصحيح، وعائقا حقيقيا نحو تجويد خدمات الصيدلة بالمغرب، إذ تجمع كل الأكاديميات العلمية عبر العالم أن مهام و مسؤوليات الصيدلي تتشكل بشكل متساوي، وغير قابل للقسمة، من جزئين، جزء مادي، مرتبط بالأدوية و توفيرها و تخزينها، و جزء غير مادي مرتبط بالمعرفة العلمية و الأكاديمية و الأخلاقية، وهو الجزء الذي يشكل روح وجوهر الخدمات الصيدلانية عبر العالم، وهو الجزء الذي تم تعطيله والعمل على تجميده حتى إشعار أخر في معظم الصيدليات المغربية، وذلك راجع بالأساس للجمود الذي تعاني منه الهيئات المهنية للصيادلة موازاة مع الشلل التواصلي القائم مابين وزارة الصحة و الصيادلة.

وإلى جانب كل ما ذكرناه، فإن تفعيل ميثاق أخلاقيات الصيادلة، يعتبر لحد الآن، المدخل الوحيد نحو تجويد خدمات الصيدلة بالمغرب، واستثمار وتثمين مؤهلات وإمكانيات الصيادلة بشكل سليم يعد أولى الخطوات الصحيحة للتأسيس لأدوار جديدة للصيدلة بالمغرب تتماشى مع متطلبات وراهنية الخدمات الصحية بالمغرب.

*خبير في السياسات الدوائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *