وجهة نظر

الجزائر بمجلس الأمن: الحقائق التي يخفونها!!

منذ أيام والإعلام الجزائري يروج بشكل مُضلل لعملية تعيينه العادية التي تمت بمجلس الأمن التي يقدمها وكأنها “اعتراف أممي بالدور الريادي للدبلوماسية الجزائري”، و “جاءت تتويجًا لمسار دبلوماسي أممي للجزائر” وغيرها من البروباغاندا التي يقدمها إعلام الدول الشمولية كإعلام هذا النظام حتى وصل بهم الأمر لحد تهنئة الجنرال شنقريحة للرئيس الصوري تبون على هذا الذي سموه بهتاناً “بالانتخاب” في مشهد لا يوجد إلا في الأنظمة التي يتحكم فيها العسكر ببنية الدول كما هو حاصل في الجزائر.

لم نكن لنتحدث عن الموضوع لولا استغلالهم هذه اللحظة التي اعتبرناها عادية بل هي لا حدث، وقاموا فيها بإقحام قضية الصحراء بمناسبة هذا التعيين وكأن تواجدهم بمجلس الأمن للسنتين المقبلتين سيجعلهم يعيدون عقارب الملف الأممي لما وراء القرارات الأممية التي تبنت مبادرة الحكم الذاتي مما جعل من ضرورة التفاعل مع هذا الحدث من خلال إبراز بعض الملاحظات من جهة والحقائق من جهة أخرى خاصة ما يتعلق بالربط بين وجود هذا النظام بمجلس الأمن وملف الصحراء ضرورة ملحة سيتم القيام بها من خلال ما يلي:

  • ما جرى لم يكن انتخاباً بمعنى وجود تنافس انتخابي بين دول افريقية أو من شمال القارة على هذا المقعد، بل تم تعيين الجزائر في هذا المنصب انطلاقًا من قاعدة  التناوب التي تم إحداثها كمنهجية بين المجموعة الافريقية التي قامت  باختيار الجزائر لشغر هذا المقعد الفارغ رفقة سيراليون،  الى جانب ثلاث دول أخرى كل دول تمثل مجموعة قارية أخرى، و  لمن  تابع العملية برمتها سيلاحظ بأن التنافس الوحيد الذي شهده هذا الحدث هو الذي جرى بين  دولة بيلاروسيا الموالية لروسيا  و سلوفينيا الموالية للغرب حيث فازت هذه الأخيرة ب 183 صوت مقابل 83 لصالح بيلاروسيا و كان لانعكاس الحرب الروسية الأوكرانية الوقع السلبي على مجموعتهم مما جعل من مهمة  وجود توافق بين دولها أمر مستحيل فتم الدفع بمرشحين لشغر مقعد واحد كل دولة تمثل تكتل إقليمي و دولي، ما عدا ذلك فباقي المجموعات الجغرافية جرى فيها إختيار ممثليها بالتوافق و لم يكن هناك أي تنافس انتخابي أو صراع إقليمي على التمثيلية داخل مجلس الأمن، و يمكن العودة لوقائع الجلسة التي تم نقلها مباشرة على موقع الأمم المتحدة الرسمي ليتم التأكد من الكيفية التي مرت منها العملية ككل، اذ كانت لحظة تم فيها  تعيين الدول  بالتوافق و ليس الانتخاب و لم يكن هذا التعيين اعتراف بأي دور دبلوماسي جزائري دولي لم يكن يومًا موجودًا.
  • الجزائر اختيرت لتمثيل المجموعة الافريقية للسنتين المقبلتين تبتدئ من فاتح يناير 2024 و تنتهي سنة 2025، لشغر المقعد إلى جانب باقي الدول المشكلة لمجلس الأمن عددها 15 عضوًا منها خمسة دائمي العضوية حاملو حق الفيتو و هم الذين يوجهون عمل المجلس و يؤثرون فيه بشكل مباشر و يصنعون القرار داخله، الجزائر هنا لا تحمل غير صوتها الذي ستصوت به في العديد من القضايا من بينها نزاع الصحراء، وهو صوت ميت لا أثر له كما كان لبعض الأصوات المشابهة التي كانت عضوة بمجلس الأمن و لم تستطع أن تُحدث أي أثرٍ في ملف الصحراء على سبيل المثال دولة جنوب أفريقيا التي كانت تكتفي بأخذ الكلمة لتصريف خطابها المناوئ للمغرب و صوتها الذي لم يكن له أثر في العملية السياسية الأممية هو نفسه ما سيتكرر مع التواجد الجزائري بالمجلس.
  • حضور الجزائر في مجلس الأمن مع طرح بعض القضايا والنزاعات الاقليمية والدولية للمناقشة على رأسها الحرب الروسية الأوكرانية ستكون أمام امتحان حقيقي لتخرج من ازدواجية خطابها الذي ظلت تُصَّرفه لحدود اللحظة فهي في العلن مع روسيا و في السر مع الولايات المتحدة الأميركية و الغرب، هذا الدور الازدواجي الذي كانت تلعبه في الخفاء سينتهي و سيكون عليها الاختيار بشكل واضح خندقها وتموقعها الدولي ما بين الحلف الروسي الذي سيؤدي هذا الاختيار إلى إغضاب الغرب خاصة الولايات الأمريكية التي يتواجد بها بالضبط بالكونغرس أصوات طالبت غير ما مرة بفرض عقوبات دولية على النظام الجزائري، أم ستقف  علنًا مع الغرب مع ما يعني ذلك من  فقدانها لحليفها الروسي وما يوفره من غطاء سياسي ومتنفس بهذا النظام، في جميع الحالات النظام الجزائري سيطوي  مسلسل الابتزاز الذي ظل يمارسه  على أوروبا فيما يتعلق بالغاز اذ لن تقبل الأمم المتحدة من دولة عضوة بمجلس الأمن الاستمرار في اتباع سياسة ” قطاع الطرق” في علاقتها بالغرب خاصة أوروبا، إنه التحدي الذي ينتظر هذا النظام ودبلوماسيته !!
  • حضور الجزائر بمجلس الأمن سيكون مناسبة ليكتشف بل ليتأكد مجلس الأمن من حقيقة ظل المغرب و حلفاءه يرددونها و هي أن هذه الدولة هي الطرف الأساسي في الملف، وليس تنظيم البوليساريو العاجز اليوم عن ضبط مخيمات تندوف بسبب الفوضى التي دخلتها، وسيلاحظ الدول الأعضاء خاصة الدائمين أن هذا النظام هو صاحب المصلحة السياسية الكبرى في الملف ، هو من  يعرقل جهود مجلس الأمن لطيه،  وبالتالي سيوضع هذا النظام  في مواجهة مباشرة مع الدول الأعضاء خاصة الخمس الدائمي العضوية الذين توافقوا في قرارات سابقة على الكيفية التي سيتم من خلالها طي الملف و إنهاءه.
  • الحضور الجزائري يجب أن يكون محفز للدبلوماسية المغربية لتضع هذا النظام في عنق الزجاجة الأممية و تضعه أمام مسؤولياته خاصة المرتبطة بالوضع الإنساني والحقوقي داخل مخيمات تندوف، انطلاقا من التراكم الذي تحقق سواء في تقارير الأمناء  العامين للأمم المتحدة السابقين و الحالي الذين  أكدوا  في تقاريرهم على طبيعة الوضع داخل المخيمات الآيل للانفجار الاجتماعي وهي تقارير تعتبر مرجعية في صناعة العملية السياسية الأممية، كما ستضعه أمام مسؤوليته فيما يتعلق بتنفيذ هذا النظام  لقرارات مجلس الأمن سواء منها ما يتعلق بإحصاء ساكنة المخيمات أو بالعودة للعملية السياسية وفق مُخرجات جنيف 1 و جنيف 2، أو بتوفير الحماية لساكنة المخيمات خاصة منها حمايته من الجرائم الحقوقية و ضد الإنسانية التي تطال النساء و الشباب و العجائز بمخيمات تندوف.
  • الحضور الجزائري بمجلس الأمن سيكشف عجز هذا النظام في إحداث تغيير وتأثير في الملف بالشكل الذي يدعيه ويروج له، سينكشف عجزه أمام الشعب الجزائري وداخل مخيمات تندوف، فالحضور الميت لهذا النظام داخل المجلس سيبرز عزلته داخل الأمم المتحدة وأنه رغم تواجده بمجلس الأمن لم يستطع إحداث أي تغيير ذي قيمة اعتبارية في مسار العملية السياسية، فمجلس الأمن الذي انطلق في مناقشة ملف الصحراء منذ اتفاق وقف إطلاق النار له رؤيته السياسية في معالجة الملف ولن يتم تغييرها من أجل نظام عسكري عاجز داخلياً و معزول خارجياً، مفتقد للمصداقية السياسية والمؤسساتية أمام المنتظم الدولي، واستطاعت فيه الامم المتحدة و مختلف هيآتها أن تحقق تراكماً إيجابيًا لصالح الطي العادل للملف من خلال تبني المعايير السياسية للحل.
  • كل ما ستقوم به الجزائر داخل مجلس الأمن هو أنها ستعمل بعد التصويت وتبني  مشاريع  قرارات مجلس الأمن التي تُعدها الولايات المتحدة الامريكية على الخروج عن الإجماع الدولي  تصويتا و خطابا،  ستَبرز  بذلك دبلوماسية هذا النظام في مظهر “محام الشيطان” الذي يريد إغراق المنطقة في الفوضى والجريمة العابرة للقارات والحركات الجهادية الإرهابية التي تنتعش من نزاع الصحراء حيث حولت  مخيمات تندوف إلى مشتل لها ولصناعة الإرهابيين، هذا الوضع سيخدم المغرب وأطروحته التي  ظل يرافع من أجلها ليس فقط من أجل الطي النهائي لهذا النزاع بل من ضمان أمن المنطقة واستقرارها.

إن تعيين النظام الجزائري لم يكن لنلتفت له لا بالتناول ولا بالقراءة  نظرا لكون جل الملاحظين اعتبروه بمثابة  اللاحدث، و لولا اتجاه هذا النظام إلى اقحام قضية الصحراء في الموضوع و التعبير عن مواقف لم يكن مناسبًا الحديث عنها في هكذا مناسبة لما خصصنا مقال هذا الأسبوع لهذا اللاحدث، خاصة و أن الأمر يتعلق باختيار عادي تناوبي للدول التي تمثل المجموعة الافريقية وهي عملية دورية اختيرت كمنهجية داخل العديد من المجموعات القارية و الجغرافية على رأسها المجموعة الإفريقية، لا تُقاس كما ادعى  النظام الجزائري بقياس القوة الدبلوماسية،  لا يعد هذا التعيين  تعبيراً عن وجود أي دور كبير لهذا النظام لا في المنطقة و لا في العالم، وبيننا وبينه القرارات الأممية التي ستصدر انطلاقا من سنة 2024 فيما يتعلق بقضية الصحراء لتنكشف حقيقته وزيف خطابه، وستكون مناسبة لقياس حقيقة حجم  التواجد الجزائري بمجلس الأمن، وهو رهان بيننا وبين هذا النظام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *