وجهة نظر

سيماء الجرار

ظهر الجرار (التراكتور) في العصور الحديثة مع الثورة الفلاحية والصناعية التي عرفتها اوربا، قبل أن يعم باقي دول العالم. من الزاوية الاقتصادية، يحسب للجرار كونه ساهم في تطور القطاع الزراعي ورفع من كمية الإنتاج، بيد أنه من الناحية الإجتماعية أدى إلى تسريح العمال المزارعين الذين استوعبتهم حاجة القطاع الصناعي الذي كان في حاجة إلى اليد العاملة.

الواقع أن كون الجرار كمنتوج صناعي، تطور مع مرور السنين في شكله وطرق استعماله ليستقر على الصورة التي نراه بها حاليا، يحمل في طياته أوصافا وصورا تتجسد في واقعنا المعيش.

والأكيد أن الحراك السياسي المعاصر داخل الدول، أصبح يفرض لزاما على الأحزاب السياسية اتخاذ رموز تعبر عنها، ليحاول كل منها البحث عن رمز يجسد من خلاله رمزيته وادلوجته التي يؤمن بها.

من هذه الناحية، وعلى المستوى الوطني، نلحظ أن حزبا سياسيا جديدا بالقطر المغربي اتخذ “الجرار” كرمز للتعبير عن خصوصيات هذا الوافد الجديد. مما يدفعنا للبحث عن جدلية الحزب والرمز الذي يتخذه، مستلهمين نموذج حزب الأصالة والمعاصرة الذي اتخذ الجرار -الضخم الحجم والثقيل الوزن- رمزا له.

قراءة سيماء أو سيمياء الجرار، يحيل بشكل أو بآخر للصورة التي ظهر بها هذا الحزب الجديد في المشهد السياسي. فالجرار يظهر للمشاهد، كونه يسير على عجلين كبيرتين في الخلف، لهما قوة الدفع وهما مكمن قوته، وأخرتان صغيرتان في الأمام تتعرض للدفع الخلفي. هذه الصورة إذا قاربناها سيميائيا وأسقطناها على حزب “الجرار”، فالعجلتان الكبيرتان ترمز لشخصية مؤسسه الكاريزمية (الهمة) برصيده الرمزي (وزير منتدب في الداخلية، صديق للملك)، فيما العجلتان الأماميتان المندفعتان بقوة الدفع الخلفي تحمل رمزية أمينه العام (بيد الله) الذي لاحول ولا قوة له أمام المؤسس. وفي محاولة لتحقيق التوازن بين قوة الدفع الخلفية والأمامية، انسحب الأول وتغيير الثاني، وتم تعويضهما بشخصية تزاوج بين الدور الدفاعي والهجومي (العماري)، مما أفقد الجرار توازنه ودور الذي صنع من أجله.

الجرار بحكم قوة الدفع والجر التي تميزه، يمر في مسيره على الأخضر واليابس ويربك حركة السير اذا ولج المجالات الحضرية، كونه لايحتاج الى طرق معبدة وقدرته على المرور فوق كل الحواجز ولو على حساب أي كان وبدون مبالاة بغية الوصول الى هدفه. ما يزكي هذا الطرح، كون الجرار يقاد بدون رخصة قيادة، ومالكه يسلم مفاتحه للفلاح لقيادته، بالرغم من كون هذا الفلاح ليست له مؤهلات قيادة هذه الآلة، مما يظهر حالة الارباك التي تقوم بها هذه الأخيرة.

في حالة اسقاط هذه المشاهد على الواقع السياسي المغربي، تتضح حالة الارباك التي عرفتها الساحة السياسية بعد ميلاد حزب “الجرار”، بفعل اللا أدلوجة التي يرتكز عليها وقيادته اللا مناضلة التي تنطلق من رصيدها المكتسب إبان عملها داخل دوالب الدولة، يتجسد ذلك في تأسيس “الهمة” للحزب وتسليم مفاتح قيادته “للشيخ بيد الله”، دون رصيد نضالي يثبت الأهلية للحصول على رخصة القيادة، ولقيادة يسارية تقادمت ادوارها وانتهى رصيدها، مما يوضح ويجسد حركية الارباك في السير السياسي المغربي، بفعل وجود سائقين يملكون رخصا للسياقة (أحزاب وطنية) وآخرين بدونها (حزب خرج من دواليب الدولة) ويسيرون في نفس الطريق السيار الوطني.

من المعلوم أن موطن الجرار الأساسي ومحط عمله منذ ظهوره والى يومنا، يتجسد في العالم القروي، هذا التجلي هو ما أفرزته نتائج الانتخابات الجماعية التي هيمن فيها “الجرار” على أغلب المقاعد بالمجال القروي، لكنه بالمقابل لم تكن له نتائج معبرة بالمجال الحضري، سوى حالة الارباك والفوضى التي تسبب فيها قبيل وإبان انتخاب مجالس البلديات والجهات، وحتى البرلمانية.

تلك فقط محاولة كشف لعلاقة الرمز بالمرموز من خلال نموذج “الأصالة والمعاصرة” ورمزه “الجرار”، ليسبقنا السؤال في طرح نفسه: هل الحزب يشكل إضافة ايجابية للمشهد السياسي المغربي أم نقمة عليه؟، بناءا على كون “الجرار” الذي اتخذه هذا الحزب، قد كان دوره ومساهمته ايجابية إبان اكتشافه وتصنيعه على القطاع الفلاحي وعلى البشرية عامة، أما سلبياته التي واكبت ظهوره فقد استطاع القطاع الصناعي (نظرا لمواكبة وتزامن الثورة الصناعية للثورة الفلاحية) استيعابها بحكم حاجته لليد العاملة التي تم تسريحها من القطاع الفلاحي.