الاتحاد العالمي للتعاضد يعقد جمعه العام في العيون

يعقد الإتحاد العالمي للتعاضد الدورة الخامسة لجمعه العام يوم الاثنين 17 يوليوز بالعيون. وهذه هي المرة الأولى التي يحظى بها المغرب بهذا التنظيم.
حين نتكلم عن دور التعاضديات لا يمكن أن نؤثر على نظرة الناس إلى كون هذه المؤسسات التضامنية هي المسؤول الأول عن التأمين الإجباري عن المرض. الصورة غير حقيقية لأن التعاضديات ليست هي المدبر للتأمين المشار إليه. هي تنظيمات ذات طابع تضامني تقدم تغطية صحية تكميلية لا غير. ما تقوم به في إطار التأمين الإجباري عن المرض هي مجموعة من الخدمات تتلخص في إستقبال ملفات المرض ومراجعتها ومراقبتها واحتساب ما يجب استرجاعه من طرف المؤمن لدى الصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الإجتماعي أو الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. ولكن أغلبية التعاضديات هي تلك التي تتعامل مع الصندوق الأول المعني بتغطية القطاع العام.
ولكن التعاضدية تظل هي العلامة المضيئة التي تجعل المواطن يتجه إليها ويحاسب مندوبيها رغم أن دورهم جميعا لا علاقة له بوضع قوانين ومراسيم وآليات التغطية الصحية. التعاضديات هي مؤسسة تنتخب من ضمن المنخرطين مؤسسات لتدبير جزء من العملية المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض.
التعاضديات أقدم من النظام الإجباري عن المرض وعمرها تجاوز المائة سنة. لا يمكن تجاوز ما تم تأسيسه خلال الفترة الاستعمارية في مجال التعاضد الموجه لفائدة موظفي الإدارات الفرنسيين وتأمينهم ضد تكاليف المرض. التاريخ التعاضدي بالمغرب يعكس الكثير من المعطيات. هناك بالطبع الجانب المتعلق بالحقبة الاستعمارية حيث دافع موظفو الإدارات الفرنسيين على حقوقهم التي مكنتهم في 1919 من تأسيس أول تعاضدية في المغرب.
وغداة الاستقلال حافظ المغاربة على بنيات التعاضد في الكثير من القطاعات وتم دعم هذا النسيج الجمعوي المناضل للاستمرار في زرع ثقافة التعاضد وتحصين تجدرها في و تربة الوطن وتشكل التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية إحدى المؤسسات التعاضدية التي تجاوز عمرها ثلاثة أرباع القرن.
ويأتي هذا اللقاء العالمي الذي سينظم بالعيون والذي يحظى بالرعاية الملكية، بمبادرة من التعاضدية العامة لموظفي الادارات العمومية مدعومة بكافة التعاضديات المغربية، ليبين أن النظام التعاضدي بالمغرب متين وله تاريخ ومتمسك بدوره في الدفاع عن محدودي الدخل وعن التوازنات المالية لمؤسسات التأمين الإجباري عن المرض. كل هذا في وقت تراجع فيه العرض الصحي العمومي وتم فيه هجوم ضد آليات العمل التعاضدي في واقع ينذر بتموقع كبير للقطاع الخاص في منظومة العلاجات بالمغرب وتراجع كبير للمنظومة العمومية.
المهم في الموضوع أن هذا اللقاء العالمي الذي سيحتضن في عاصمة الأقاليم الجنوبية المغربية، سيمكن من وضع القضية التعاضدية في قلب أولويات الاستراتيجيات الدولية وسيبينأن التعاضديات المغربية يجب إنصافها خدمة للقضية الإجتماعية. حاول البعض بواسطة وزراء في حكومات العقد الأخير ذبح التعاضديات من الوريد إلى الوريد. جهلهم بالقطاع أعماهم . التعاضدية ليست مكانا تدبره ملائكة ولكنه ملاذ لذوى الدخل المحدود الذين لا قدرة لهم على اللجوء إلى القطاع الخاص. عندما يدفع المتعاضد جزءا من تكلفة علاج الأسنان في التعاضدية، فإنه يفعل هذا لكونه غير قادر على دفع مبالغ كثيرة للقطاع الخاص مسبقا.
التعاضد فلسفة اجتماعية يحاربها الكثيرون رغم أنها لا تمثل إلا جزءا صغيرا في واقع صناعة صحية خاصة تستحوذ على أكثر من85% من أموال مؤسسات تدبير التأمين الإجباري عن المرض. وكان القطاع الخاص قويا حين أوقف العمل بنظام ” راميد” وخير أصحاب البطاقة بين اللجوء إلى القطاع الخاص وتحمل الفرق المالي بين التسعيرة المرجعية والسعر الليبرالي جدا.
التعاضد فلسفة يحاربها القطاع الخاص كما يحارب التوازنات المالية للصندوق الوطني لمنظمات الإحتياط الإجتماعي والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. يريد البعض أن ينهي حياة المؤسسات لكي يضع المواطن رأسه في أيدي المؤسسات الخاصة. والأخطر أن محاربة التعاضديات بدأت من خلال هجوم المؤسسات المالية وتلك التي تتبعها في مجال التأمين للقضاء على التأمين التكميلي الذي سهرت على بناءه التعاضديات بفلسفة تضامنية. لا حد لطموحات الليبرالية المتوحشة. السوق مباح والهجوم عليه مقدس وسلطاتنا السياسية والمالية تنجر إلى تقديس هجوم القطاع الخاص على مكتسبات المواطنين في مجال الإقتصاد الإجتماعي.
سيقتلهم جشعهم وسيدمرون كل انسجة الحماية الإجتماعية وغدا لن تجد لهم أثرا. كل هذا يجري في زمن سياسي رفعت فيه الحكومة شعار الدولة الإجتماعية. هذه الدولة يجب أن لا تقتل مؤسسات التضامن الإجتماعي ولكن أن تجعل منها ما سماه تقرير النموذج التنموي الجديد ب” الركيزة الثالثة ” أي الفعل الجمعوي والذي لا يضم، في المجال الصحي، سوى القطاع التعاضدي.
العيون المغربية والعالمية تنظر إلى عيون الصحراء المغربية في تنظيمها لمؤتمر الإتحاد العالمي للتعاضد. التعاضدية العامة لموظفي الادارات العمومية وشقيقاتها من التعاضديات المغربية تعطي إشارة للعالم من قلب العيون، أن المغرب ذوالثقافة التعاضدية التي تزيد على قرن من الزمن، سيظل وفيا لهذا التاريخ. وهذا تعرفه جيدا الحركة التعاضدية عالميا .
من العيون تبعث الحركة العالمية التعاضدية رسالة إلى كل الدول مفادها أن التضامن هوالسبيل لمواجهة الأزمات الصحية ولوبيات الأدوية والمستلزمات الطبية و اللقاحات. والتعاضديات هي تلك المؤسسات التي لا تهدف إلى الربح رغم كونها فاعلة في الإقتصاد الإجتماعي التضامني. وقد تجاوزت مساهمة التعاضديات في هذا الإقتصاد على الصعيد العالمي ما يفوق 300 مليار دولار. هذا لا يعجب عتاة المدافعين على الليبرالية المتوحشة والشركات الكبرى التي تسعى إلى تسليع الصحة والتعليم وتدمير كل أشكال التضامن بين الأجيال وبين العمال وذوي الدخل المحدود عبر عالم تسيطر عليه المختبرات العابرة للقارات مدعومة بصناديق استثمارية متوحشة لا تبقي ولا تذر. المهم هوأن هناك ارادات صامدة وفاعلة من بينها التعاضديات التي تعطي للحق في الصحة، المسجل في كافة الدساتير، معنى على أرض الواقع. من العيون في قلب الصحراء المغربية، توجه الحركة التعاضدية العالمية رسالة إلى العالم لدعم قيم الإخاء والتضامن ومحاربة الاقصاء الإجتماعي.وما دمنا في اجتماع عالمي للتعاضد، لا يمكن أن ننسى أن المواطن المغربي يشتري الأدوية بسعر يتجاوز أضعاف ما يدفعه المواطن الفرنسي والسويسري والإسباني. وإذا واجهت من يتحكمون في الأسعار، تجد نفسك أمام لوبيات قوية تخشاها حكومتنا. وللعلم فقد أصبح المسافر إلى أوروبا يحمل معه وصفات طبية لكي يلبي طلبات أهله وأصدقائه في مجال الأدوية والمستلزمات الطبية.
وعدتنا الحكومات المتتالية على ضبط السوق وتقوية دور الجمارك لرفع اللبس حول تركيبة الأسعار وإظهار هامش الربح الكبير الذي تحققه فروع المختبرات العالمية ببلادنا مع أنها قلما تؤدي الضرائب. أصحاب المصالح يكرهون الإصلاح لأن استغلال الاحتياجات للأدوية أصبح خطرا على تدبير ملفات المرضى ببلادنا. ما بين ثمن المحروقات ببلادنا وثمن الأدوية يظهر حجم ما يلزم القيام به لحماية المواطن. وبه تم الإعلام و السلام.
اترك تعليقاً