مجتمع

صفحات “فضح الفساد” المجهولة .. “غيرة على الوطن” أم وسيلة للتشهير والابتزاز؟

طفت على سطح مواقع التواصل الاجتماعي خلال الشهور الأخيرة صفحات فيسبوكية وأخرى على مختلف المنصات الأخرى، وأثارت الانتباه بمنشوراتها المثيرة التي تكيل سيلا من الاتهامات لمسؤولين في الأجهزة الأمنية والقضائية وأيضا لوزراء وبرلمانيين وشخصيات سياسية. وفي الغالب يكون مسيرو هذه الصفحات مجهولين، أو مواطنين مغاربة مقيمين بالخارج، كما هو الحال بالنسبة لصفحة شهيرة تدعى بـ”الفرشة”، وحساب “هشام جيراندو” اللذان يروج أنهما لشخصين يقيمان بكندا.

ولم يعد خافيا على الرأي العام انتشار ظاهرة لجوء عدد من الأشخاص إلى إنشاء صفحات وحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، إما -حينا- لنشر معلومات صحيحة مدعومة بوقائع ووثائق لإثارة انتباه جهاز القضاء إلى خروقات بعض المسؤولين وتحريك المتابعة في حقهم، أو -أحيانا- لنشر اتهامات بدون أدلة، وهو ما يدخل في خانة تصفية الحسابات والتشهير وهو ما يعرض أصحابها للمتابعة القضائية.

ويرى محمد ألمو، المحامي بهيئة الرباط، في حديث مع جريدة “العمق” أنه إذا كانت الاتهامات التي تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي ضد المسؤولين في مختلف القطاعات موضوعية وتصب في جانب رفض الاختلالات التدبيرية ورصدها، فهذا الأمر قد لا يكون محل مساءلة قانونية، لأنه يدخل في إطار الانتقاد الموضوعي المباح.

وبالمقابل، أوضح ألمو، أنه إذا تم نشر اتهامات ضد مسؤولين بالسرقة والاختلاس أو بارتكاب جرائم أخرى دون وسائل إثبات فهذا يدخل في إطار جريمة القذف، مضيفا أنه “إذا كان هناك مسؤول ما موضوع متابعة قضائية وتمت الإشارة في مواجهته بالسرقة أو الاختلاس أو الرشوة، وفعلا هناك شكاية ضده، فيمكن هنا أن نقول هذا خبر، ولكن إذا تم نشره بصيغة التأكيد بالخروج عن الشكاية وموضوعها فهنا يمكن أن نقول إنه قذف”.

وأشار ألمو إلى أنه “عندما نقول رئيس جماعة لديه اختلالات في تدبير صفقات وسوء التسيير والتدبير واختيار مشاريع غير مناسبة، وعدم إنجاز طريق بالمعايير المطلوبة، والتهاون في تطبيق المعايير التقنية، فيمكن لأي شخص أن يكتب وينتقده على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن اتهامه مثلا بالتواطؤ مع المقاول وسرقة الأموال، فهذا يلزمه أدلة وإثباتات”.

وشدد المتحدث، على أنه “عند نشر اتهامات ضد مسؤولين عموميين تصل إلى حد ارتكاب جرائم معاقب عليها، فهذا الشخص ملزم بإثباتها وإلا سيكون تحت طائلة المتابعة بجريمة القذف ولكن هذا لا يعني أن هذه المنشورات إذا كانت تتضمن بداية حجة أو من شأن البحث فيها أن يصل إلى معطيات لصالح حماية المال العام وحماية المؤسسات العمومية، وهنا يجب أن تتحرك النيابة العامة لفتح تحقيق حولها”.

وبخصوص التعرض للحياة الشخصية للمسؤولين من طرف عدد من الصفحات الفيسبوكية، يرى المحامي بهيئة الرباط، أن “المسؤول عندما يتولى المهام العمومية فإن حياته الشخصية لا تكون لديها تلك القدسية، وعليه أن يتقبل النقد حتى في الجانب الخاص في شق معين، لأنه مسؤول عمومي، والقضاء الفرنسي ذهب في هذا الاتجاه”.

وتستهدف صفحات فيسبوكة أيضا عددا من المسؤولين في الجهاز القضائي بالمغرب، سواء بالقذف أو التشهير أو اتهامهم بـ”السمسرة في ملفات قضائية”. ويرى عبد الرزاق الجباري، رئيس نادي قضاة المغرب، أن هذه “الظاهرة المستفحلة” تستدعي المزيد من الجهود لمواجهتها.

وشدد الجباري ضمن تصريح لجريدة “العمق”، ضرورة فتح التحقيقات في كل ما يشاع وينشر حول القضاء والقضاة، على مواقع التواصل الاجتماعي، وترتيب الآثار القانونية على ذلك إن ثبتت صحته، مضيفا أنه “إذا كانت تلك الأخبار كاذبة، تعين التواصل مع الرأي العام الوطني وإعلامه بنتائج ذلك، بهدف تبديد الاتهامات المنطوية عليها، ورد الاعتبار للقاضي المعني وللمؤسسة القضائية التي أسيء إليها بنشر وتوزيع هذه الأخيرة، وهذا مهم جدا وله آثار إيجابية”.

كما أكد ضرورة تطبيق القانون بالصرامة المطلوبة على كل من أصدر تلك الاتهامات والإشاعات بعد ثبوت كذبها، ولو لم يتقدم القضاة المعنيون بها بشكاية في الموضوع، وذلك حمايةً لهم من جهة، ولسمعة القضاء التي تضررت جراء هذا السلوك من جهة أخرى، تطبيقا للمادة 39 من القانون المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وتفعيلا للمنشور رقم 1 الصادر عن السيد رئيس النيابة العامة.

وأضاف الجباري، أن نادي قضاة المغرب الذي يترأسه، عبر عن هذا التوجه غير ما مرة، كان آخرها بمقتضى بلاغ مكتبه التنفيذي المؤرخ في 25 شتنبر 2022، حيث اعتبر أن هذه الاعتداءات، تشكل تهديدا صريحا لاستقلالية القضاة وتجردهم وحيادهم، كما أن لها تداعيات سلبية على سمعة وهيبة ووقار المؤسسة القضائية، وأكد أن هذا الأمر مرفوض ومشجوب ومستنكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • oussama bouzzit
    منذ 10 أشهر

    حيت نتوما الصحافة اللي خاصكم تديرو هاد الدور ماتاديروهش خايفين على خبزتكم

  • المعلق
    منذ 10 أشهر

    القانون فوق الجميع أحب من أحب وكره من كره. و شعارنا الدائم: "الله، الوطن، الملك" .