وجهة نظر

بعد النيجر.. موريتانيا؟

مصطفى كرين

في لقاءه مع رئيس السلطة الانتقالية في مالي، قال فلاديمير بوتين: “نعتبر مالي أحد شركائنا الرئيسيين في المنطقة ونتطلع إلى نقل العلاقات إلى مستوى نوعي جديد”. وإذا كنت لم تلاحظ عبارة “مستوى نوعي” في كلمة بوتين، فدعني أذكرك بأن مالي، التي أصبحت حليفاً عسكرياً واستراتيجياً لموسكو، توجد بين النيجر، التي سيطر فيها الجيش قبل يومين على مقاليد الحكم، وموريتانيا، التي ارتأى رئيسها أن الألعاب الجامعية الدولية تعتبر من الأهمية بحيث يسافر بحضور افتتاحها في الصين. فالجامعة محراب العلم وطلب “العلم”، ولو في الصين، مهمة سياسية لا يمكن تأجيلها، ولا بد أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، قد أوصى الصينيين بموريتانيا خيراً نيابة عن نفسه وعن بوتين.

وفي قراءة سابقة، لحظ القارة الإفريقية من شظايا المخاض الجيوسياسي والجيواستراتيجي الذي يعيشه العالم، قلتُ بأن مالي أصبحت عملياً سيفاً روسياً مسلطاً على رقبة الجوار، وأن نفوذها المباشر وغير المباشر سيمتد كبقعة الزيت بالمنطقة، وتوقعتُ أن يكون الانقلاب الموالي إما في النيجر أو تشاد، ورجحتُ أن يكون في النيجر كاستمرار لعملية مطاردة الوجود الفرنسي في إفريقيا، حيث من المعلوم أن القوات التي طردتها مالي من البلاد نقلت قواعدها للنيجر، وكان لزاماً على خصوم فرنسا، من القارة ومن خارجها، عدم تمكين باريس من الاستقرار والاطمئنان هناك، ويمكن اعتبار قرار السماح للفرنسيين بنقل قواعدهم إلى النيجر أكبر خطأ سياسي ارتكبه الرئيس النيجيري بازوم.

وكاستمرار لمنطق الأحداث، يمكن القول أنه بعد النيجر، أصبحت مسألة انقلاب الأوضاع وسقوط النظام المستمر منذ مدة طويلة في تشاد، مسألة وقت فقط، وهي قادمة لا محالة في وقت قصير، لا يتجاوز في قراءتي العامين، وتتميز بخطورة كبيرة على المنطقة بأكملها. أما الأخطر من كل هذا، بالنسبة للمنطقة عامة وبالنسبة لنا على الخصوص، فهو ما سيحدث في موريتانيا التي لم تعد تملك السيطرة على وضعها الأمني والسياسي بين مالي شرقا والجزائر في الشمال الشرقي، والتي ستكون أمام خيارين: تغيير ولائها الجيوسياسي أو تغيير النظام في نواكشوط، ولن تنفع مختلف المساعي المؤطرة من طرف أوروبا والأمريكيين في تفادي ما هو قادم، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن غالبية هذه المساعي يقادها رؤساء دول إفريقية فاقدين للشرعية الديموقراطية في بلدانهم إلا قليلا.

وبالعودة إلى النيجر، فإننا أمام سيناريوهين لا ثالث لهما:

– السيناريو السياسي: يتمثل في تمكين مجموعة إيكواس من دور محوري، نيابة عن الاتحاد الأفريقي، ويقود إلى إرساء فترة انتقالية من عامين إلى أربع سنوات تليها انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية جديدة. ولكن يجب التذكير هنا أن مجموعة إيكواس تأسست في سنة 1975 وتضم بين صفوفها كل من مالي وبوركينا فاسو اللذين شهدا حديثا انقلابات على الأنظمة السياسية ببلديتهما وغيرهما من الدول المرشحة في تصوري بقوة للسيناريو المالي مثل غينيا وغينيا بيساو والبنين وتوغو وربما آخرين. وبالتالي، يمكن القول إن هذا السيناريو، إذا سار وفق شروط قادة الانقلاب العسكري في النيجر، سيأتي على ما تبقى من النفوذ الفرنسي في المنطقة وسيحول بوصلتها نحو الشرق، مما يشكل غير مسبوق.

– السيناريو العسكري: وهو الذي لوحت به كل من فرنسا ومجموعة إكواس أيضًا، وهذا السيناريو سيفتح في نظري أبواب جهنم على منطقة غرب إفريقيا بكاملها، بما سيتيحه من إمكانية اندلاع حرب طويلة الأمد، تتسبب في فسح المجال أمام مكونين رئيسيين: الحركات الجهادية وخصوصًا بوكو حرام والقاعدة من جهة، وقوات ڤاغنر من جهة أخرى، وهو ما سيسرع لا محالة سقوط أنظمة سياسية جديدة تحت حكم العسكر في العديد من دول المنطقة، واندلاع حروب أهلية في ما تبقى من هذه الدول.

خلاصة القول أن جزء كبيرا من الحرب المتعلقة بإعادة رسم خريطة العالم الجيوسياسية يجري في إفريقيا بشكل عام ومنطقة غرب القارة بشكل خاص، وأن الاصطفافات التي نختارها اليوم ستحدد دورنا في القارة في الغد القريب .. القريب جدًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *