وجهة نظر

قضايانا الحيوية بين أيديكم.. فاعملوا !

بسم الله الرحمن الرحيم

عَزّز المغرب كَسْبه السّياسي والاجتماعي بتنظيم الانتخابات التشريعية يوم 7 أكتوبر 2016، وربِح شعباً ووطناً وقيادةً، وأعطى الدُّروس في قُدرته على اجتياز خطّ النّكوص والارتداد عن المسار. وبتبوّء حزب العدالة والتَّنمية صدارة الأحزاب المنافِسة في الاستحقاق الانتخابي العاشر في تاريخ البلد، وبَعد إقدام الملك على احترام المنهجية الدِّيمقراطية وتفعيل الدّستور بتكليف الأستاذ عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة المغربية، فإنَّ مَطالب الشّعب المغربي التي أنصت إليها بنكيران في مهرجاناته الخطابية الحاشدة إبّان حملته الانتخابية، والتي يتجدّد التأكيد عليها اليوم في أكثر مِن مقالٍ ورسالةٍ مفتوحة، وصحيفة ووسيلة إعلام، وأحاديث المقاهي والصّالونات الثقافية والفكرية والتّجمّعات الحزبية والشّبيبية، وفي بفضاءات الجامعات؛ يَجعلنا نكثِّف الطّلب على ثلاث قضايا / إشكالات نرى وَجَاهة جَعْلها مرتكز الاشتغال الحكومي والتعاون المدني في السياق الحالي بالمغرب، ليس لطابعها المستعجَل فَحَسْب؛ بل لأنَّها جزء لا يتجزّأ مِن مَصِيرنا المشتَرك.

أوّلاً: رهان استكمال مسار الانتقال الديمقراطي والرفع من مُخرجات وأداء الإرادات الثلاث في المملكة (الإرادة الملكية، الإرادة الشعبية، إرادة النُّخب السِّياسية والاجتماعية)، لضمان استمرار طَرَدي للانتقال الدِّيمقراطي الذي ابتدأت معالمه أواخر تسعينات القرن الماضي، وتجدَّد مع الدّستور الجديد؛ هذا الأخير يُعزّز مِن موقِع الفاعل المدني والفاعل الحكومي على السَّواء، مما يُتيح إمكان الفِعل السِّياسي والمدني الناّجز لإدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد 6 سنوات من ربيع الشّعوب العربية؛ إدارة تقوم على التَّعاون ومنهج التدافعُ والمشاركة الفعّالة في البناء الدِّيمقراطي، وتَعتمد خيار الإصلاح في ظلّ الاستقرار؛ بما ينعكس إيجاباً على سُمعة البلد الخارجية وتقدُّمه الداخلي وتماسكه في المدى البعيد وتفرُّده في سياق مغاربي وعربي مُضطرب، ويمكن أنْ نلخِّص مسعى هذا الرِّهان في وجوب (الإصلاح السِّياسي).

ثانيا: رهان إيجاد حلول شاملة وموضوعية وعلمية لإشكالية التَّعليم العمومي (الأساسي والجامعي)، وإعادة الاعتبار لملف التّعليم باعتباره النُّقطة الثانية في جدول أعمال الأمّة والدَّولة بعد ملف الوحدة الترابية. الأمر الذي يقتضي القَطع مع منطق الإصلاحات الجزئية التّرقيعية، والتقدّم باتّجاه إيجاد صيغة وبرنامج إصلاح توافُقي بين مكوّنات المجتمع المغربي وحكومته المنتخَبة ومؤسّساته الدّستورية ذات الصِّلة بملف التَّربية والتَّكوين والتّعليم والبحث العلمي، وتضافُر القوى وانخراط الإعلام وهيئات المجتمع المدني في جَعْل العُشرية الحالية عُشرية التَّعليم تفعيلاً لمقتضيات (الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015 – 2030)، وتفاعلا مطوِّراً للاتفاقية الإطار لإصلاح التَّعليم، وتركيز جُهود النّهوض بالجامعات المغربية، واستكمال ورش سياسة الأقطاب بما ينعكس إيجاباً على ورش الاستثمار في التَّعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ورش إعادة النَّظر الجذري في مضامين التَّكوين في مستوى الإجازة والماستر والدكتوراه، والبحث عن صيغة معيّنة للتنظيم الجامعي. ورش تعزيز دمقرطة التعليم العالي (الجودة، تكافؤ الفرص، الانتقاء..). ورش المهام والأدوار الجديدة للجامعات (توليد المعارف، تطبيق المعارف العلمية والإنسانية ونشرها، نقل المعرفة في التّربية والتّكوين، تجديد المسار التربوي ومسار البحوث وتطوير المهارات، إحداث شبكات المعرفة الجامعية، تنظيم وتقنين نظام التكوين المستمر وأنواعه، تدبير الموارد البشرية، نظام تقويم الامتحانات، الحوكمة، تحسين الخدمات ومنظورية الجامعات على المستوى الدولي..). ورش التَّكوين الإلكتروني أو ما يصطلح عليه بالجامعة الافتراضية، ورش الاستقلال الذاتي للجامعات..

كما يقتضي هذا الرِّهان من جانب آخر وأسَاس؛ تكليف وزير سياسي بهذا الملف في الحكومة الحالية، ليكون مسؤولاً أمام البرلمان والمجتمع المدني، وليقدِّم برنامجاً إصلاحياً قائما على ربط المسؤولية بالمحاسبة، والتّخطيط بالمخرجات العملية القابلة للقياس والتّقويم والمحاسبة؛ لأنَّ الجامعات والوزير والوزارة تُدبِّر موارد عمومية، ويمكن أنْ نلخِّص هذا الرِّهان في وجوب (الإصلاح التَّعليمي).

ثالثاً: رهان إعداد إستراتيجية إدماجية وفاعلة في مجال التّشغيل؛ فهو الملف الملتهِب في أجندة الاشتغال الحكومي، ويحتاج إلى عناية وتدبير خاصَّيْنِ، كَونه يمسُّ فئات عريضة من المجتمع المغربي؛ ولأنّ مَطلب التّشغيل كان ولا يزال يؤشِّر على انخراط المغرب في تقليص نِسب البطالة وتخفيض مؤشّرات الفقر من عدمه. وإنْ كنّا نُسلِّم بكَون الحكومة غير قادرة على رفع هذا التحدّي وإيجاد الجواب الشَّامل لإشكالية التّشغيل؛ لأنّ إستراتيجية إصلاح هذا الملف مُسلسل مستمِر. إلا أنَّنا لا نُعفيها مِن واجب مدّ جسور التّعاون مع المجتمع المدني ومؤسَّسات ومراكز البحوث والدِّراسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية لتخفيف فائض الأزمة القائمة حاليا، وللبرهنة على اهتمامها بملف تشغيل العاطلين وبالأخص خريجو الجامعات والمؤسَّسات التعليمية، ولكسب تحدّي جانب مِن (الإصلاح الاجتماعي).

لكل هته الإشكالات الثَّلاث راهنية كُبرى، وجميعها تحتاج إلى تلاقِي القوى المعتَبرة في المجتمع؛ والعَزم الوَكيد مِن الحكومة وقطاعاتها المعنية، إلَّا أنِّي أرى إشكال ملف التّعليم يتبوّأ صدارة سلّم أولويات المرحلة، بل وكل مرحلة، لأنّه مِلْكٌ عامٌّ غير حكومي بالضّرورة، ولأنّ التعليم قضية وطن، ومصير أمة ومفتاح نهضة، ولأننا تعبِنا من سياسات إصلاحية لنتُقِدت مراراً وتكراراً لضُعف مردوديتها ولانعدام فعّاليتها وكفاءتها.

وعليه يَلزَم التحلّي بقدر عال مِن المسؤولية وتقدير حجم الأمانة إزاء هذا الملف الإستراتيجي والحيوي، والسّعي لتشبيك العلاقات والإمكانات والاقتراحات لتوفير مناخ تعليمي وبنيات تحتية وبيداغوجية وتشريعية كُفئة ومُلبِّية لاحتياجات الأجيال، ومُساهِمة في تخريج رأسمال بشري متّصل بالأصل ومرتبط بالعصر وقادرة على مزاحمة الكبار في مختلف الميادين، ومُعزِّزَة لمكانة المغرب في مجال التنافُسية والجودة ومؤشرات التنمية البشرية، ومؤسِّسَة لتعليم مغاربي تنافُسي سيَخلق وشائج اجتماعية متلاحمة وعلائق متعاونة بين تيارات الأمّة المغاربية بما يُفضي في المدى المنظور لاتِّحادٍ مَغَاربي كبير، ديمقراطي ناهض وقوي برأسمال بشره المكوّن والمثقّف والعالي الخبرة والكفاءة والاقتدار الاجتماعي والاقتصادي، وقوي بنخبه السياسية خرّيجة النظام التعليم الذي نبتغيه وننشده.
وكلّ صعب على الحكومات والشعوب يهون؛ هكذا همّة الأمم العظيمة تكونُ !
والله اعلم.