وجهة نظر

مواقع التواصل وقرب بعض الأحزاب من المواطنيين يعيدان اهتمام المغاربة بالحقل السياسي

بغض النظر عن الظروف التي تسود حاليا، ومنذ إحتجاجات ما يسمى بالربيع العربي بالمغرب الكبير وبالعالم العربي، وبغض النظر عن ظروف الإنتقال الديمقراطي، رغم كل ما يشوبه من عوائق وعاهات في الدول السائرة في طريق النمو، فإن النموذج المغربي (أو الإستثناء المغربي كما يحلوا للبعض تسميته) أصبح نموذجا ذائع الصيت ومتابع من طرف كل الدول الديموقراطية والسائرة في طريقها وحتى الدول “الديكتاتورية” منها.

ما يمكن ملاحظته بخصوص هذا النموذج، الفريد من نوعه، داخل المغرب هو المتابعة والإهتمام الغير مسبوقين بالسياسة ودواليبها وحيثياتها. فالإنتخابات الأخيرة ل 7 أكتوبر 2016 خلقت حوارات ومواجهات جمة بين مختلف التيارات الفكرية والأيديولوجية المكونة للمجتمع المغربي وبين مختلف الشرائح الإجتماعية. هذا الإهتمام يبرهن عن بداية “عودة” الحس السياسي لدى المواطن المغربي “العادي” بعدما كان العزوف عن السياسة بصفة عامة والإنتخابات بصفة خاصة أبر عنوان للعشريات الماضية.

ولما نتحدث عن الإهتمام بالسياسة لا نتحدث فقط عن المسجلين في لوائح الإنتخابات أو الذاهبين لصناديق الإقتراع وإنما نتحدث عن مناخ عام تميز بالنقاش الجدلي أحيانا والبناء أحيانا أخرى. فحتى الغير المسجلين والمقاطعين للإنتخبات ومن دعوا لهذا التوجه كان لهم نصيب غير يسير من الإهتمام والمتابعة لمراحل الحملة الإنتخابية، ليوم الإقتراع وللنتائج الأولية والنهائية للحدث الديموقراطي المغربي.

فالمتابع لمواقع التواصل الإجتماعي يلاحظ أن الصفحات الداعية لمقاطعة الإنتخابات كانت من بين الصفحات الأكثر نشاطا وتفاعلا مع تواتر الأحداث وتسارعها فيما يمكن أن نسميه بالمشاركة في الحراك السياسي من “باب المقاطعة والمتابعة”. هذا الإهتمام الغير مسبوق بالسياسة وهذا الحس السياسي “الجديد القديم” لدى شريحة واسعة من المجتمع المغربي يفسر بعدة أسباب تتجلى أهمها فيما يلي:

– حزب العدالة والتنمية الذي قاد حملة غير مسبوقة من خلال التجمعات الخطابية التي إستطاع تنظيمها خلال الحملة الإنتخابية وخاصة الحضور الوازن لأمينه العام عبد الإله بن كيران، المعروف بخطابه السّلس وبتمكنه من فن الخطابة، في أغلب هذه التجمعات. هذا الأخير من خلال لغته البسيطة التي أدار بها خمس سنوات من الحكم بسلباتها وإيجاببياتها جعل مجموعة من المغاربة، المؤيدين والمعارضين له، يتابعون تدخلاته وحوارته فزادت من إهتمام المغاربة بالسياسة وحيثياتها.

– وجود حزب “جديد، قديم” في الصراع السياسي كالأصالة والمعاصرة وانتقاده اللاذع لحزب العدالة والتنمية والصراع الدائر بينهما. هذا التضاد بين الحزبين زاد من المتابعة الجماهيرية للحقل السياسي خلال هذه الفترة حيث رأى البعض في الأصالة والمعاصرة المنقذ من حزب رفقاء بنكيران ولذلك وجب مساندته في حين أن البعض الآخر رأى أن مشروعه السياسي والمجتمعي غير مناسب لهم مما جعلهم يعبئون للعدالة والتنمية فقط لمواجهته والوقف ضده دون الموافقة كليا على سياسة الأخير.

– دخول فيدارلية اليسار للسباق البرلماني وبالرغم من نتائجه إلا انه أعاد بصيصا من الأمل لبعض الغاضبين من اليسار “التقليدي” (الإتحاد الإشتراكي، التقدم والإشتراكية…). فقد كان لخطابات “نبيلة منيب” وبعض رموز “الصوت الثالث” كما يسمون أنفسهم وقعا جيدا في نفوس التواقين ليسار جديد قوي وذو مباديء ديموقراطية واجتماعية واضحة المعالم والسبل.

هذه الأسباب وغيرها من الأسباب الموضوعية كدمقرطة وسائل التواصل عموما والتواصل الإجتماعي خصوصا، كان لها الدور الأساسي في تنامي الإهتمام والمتابعة بالحقل السياسي المغربي وتشعباته مما زاد تثبيت النموذج المغربي الفريد في المنطقة رغم كل نواقصه. الكرة الآن في مرمى الأحزاب السياسية من أجل الإنتقال بالنقاش السياسي واستثمار هذا الإهتمام لتثبيت ركائز الديموقراطية الحقة والخروج من المرحلة الإنتقالية التي لا يجب لها أن تكون القاعدة وإنما الإستثناء. هذا يمر عبر تحقيق الديموقراطية الحزبية الداخلية والإبتعاد عن الإتهامات والتلاسنات التافهة والغير المجدية والدخول لنقاشات جدية تكون قاعدتها البرامج والإهتمامات اليومية للمواطن للتقدم بالمغرب خطوة في طريقه نحو نماذج الدول المتقدمه مستثمرين الإهتمام الجديد للمغاربة بالحقل السياسي.

ــــــــ

طالب باحث في الجغرافية المجالية