وجهة نظر

نتائج 7 أكتوبر بين الحقيقة والوهم

كانت انتخابات 7 أكتوبر امتحانا صعبا للجميع، للأحزاب السياسية وللدولة، فهي تأتي بعد خمس سنوات من تجربة سياسية كانت محملة بالآمال والتطلعات لدخول المغرب في إصلاحات شاملة، تقطع مع الماضي البئيس، وتضع البلاد على سكة الدول الديمقراطية، ومع اقتراب الاقتراع، بدأت الهواجس والمخاوف تتزايد من الارتداد والتراجع عن المضي في المسار الديمقراطي، خاصة بعد العودة غير المرغوب فيها للحزب/الكيان المصطنع، الذي ظن الجميع أنه سيختفي من الوجود، أو على الأقل يتحول لحزب عادي كباقي الأحزاب الإدارية، بعد التحولات التي جرت وطنيا وإقليميا.

وأجري اقتراع 7 أكتوبر في ظروف غير عادية، حيث عرف عدة خروقات بحسب كثير من المراقبين والأحزاب، وما سبقه من تجييش وتعبئة وحرب إعلامية، قادها الحزب/الكيان الوهمي، ضد عدوه اللدود، حزب العدالة والتنمية، الذي أصبح يشكل في نظر بعض المراقبين، خط الدفاع الأول عن الشرعية الديمقراطية، ومقاومته لما يسمى “التحكم”، الذي يريد فرض خيارات بعيدا عن شرعية الصناديق، من خلال التمكين للكيان السلطوي.

كان الترقب والتوتر سيد الموقف قبل إعلان وزارة الداخلية عن النتائج الرسمية، سواء في صفوف أنصار الديمقراطية أو خصومها، ولم يكن أحد يتوقع النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات، وإن كان بعض المتفائلين توقعوا فوز العدالة والتنمية، لكن كانت الأجواء ملبدة بالشكوك، بسبب ما يصل تباعا من أخبار عن تجاوزات بعض رجال وأعوان السلطة، وشهادات ناخبين تكشف عن قيام أعوان سلطة بالدعاية للحزب/ للكيان الوهمي.

لكن، بمجرد الإعلان عن النتائج، تنفس الجميع الصعداء، وكما توقع بعض المراقبين، احتل حزب العدالة والتنمية الصدارة بحصوله على 125 مقعد متقدما على غريمة اللدود، الذي حل ثانيا، رغم استخدامه كل الوسائل غير المشروعة، لكي يفوز بالرتبة الأولى، وكان قادته شبه مطمئنين بالفوز، ويطلقون التصريحات المتفائلة هنا وهناك، وقد صرح أحد قادته، بأن على بنكيران أن يودع رئاسة الحكومة، حتى ظن كثير من الناس، أن الحزب الوهمي، المدعوم بالمال والسلطة، سيأتي الأول، لكن أتت رياح الصناديق بما لا تشتهي سفنه، وأصيب قادته بخيبة الأمل، وإن حاولوا إخفاء مرارة الهزيمة، بالتصريح لوسائل الإعلام بأن العدد الكبير للمقاعد التي حصلوا عليها، يعد تقدما وانتصارا للحزب..

طبعا، لو جرت الانتخابات في ظروف عادية، بعيدا عن استخدام المال الفاسد والتدخلات، كانت النتائج ستكون مختلفة بشكل كلي، بحيث سيتراجع الحزب الوهمي عن المقدمة، ويحتل مرتبة دون التي حصل عليها في انتخابات 2011، وهذا ما وقع فعلا لأحزاب الإدارة مثل التجمع والاتحاد الدستوري، التي تراجعت بشكل كبير مقارنة مع السابق، لكن السؤال هو: لماذا تراجعت أحزاب الكتلة التي تضم حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية بشكل غير مسبوق؟

الجواب هو أن الأصوات التي كانت ستذهب لتلك الأحزاب، اغتصبها الحزب/الكيان الوهمي، باستخدام المال الفاسد والطرق السلطوية، وقد اعترف قادة هذه الأحزاب بشكل صريح بذلك، واعتبروا أن خسارتهم، تعود للأساليب غير الديمقراطية، التي انتهجها قادة الحزب المعلوم.

والحقيقة أن وجود هذا الكيان الوهمي داخل الحقل السياسي، يسيء إلى الممارسة الديمقراطية ببلادنا، ويطعن في مصداقيتها، فإذا كانت الانتخابات أصبحت تعكس إلى حد ما الخريطة السياسية، وتفرز نسبيا الحجم الحقيقي لكل حزب سياسي، فإنها عكس ذلك، تضع هذا الحزب في المكان غير الطبيعي داخل المشهد الحزبي، وتعطيه حجما أكبر من حجمه، بسبب استخدامه لوسائل غير شرعية، وهذا في حد ذاته يقدم صورة ملتبسة عن المشهد السياسي المغربي، ويكشف حقيقة أننا لا زلنا لم نقطع مع الممارسات السلطوية، وأن الانتخابات عندنا لا زالت بعيدة على النزاهة والشفافية، ولا تعكس موازين القوى الحقيقية.

بكل تأكيد، لم تكن هناك تدخلات ممنهجة للسلطة، وإلا لوقع انقلاب على النتائج المعلنة، لكن، ما جعل النتائج تكون لصالح حزب العدالة والتنمية، هو التصويت السياسي للناخبين، فقد لاحظ المراقبون أن المغاربة أصبحوا مسيسين أكثر، ولديهم وعي سياسي بما يجري في الساحة من صعوبات وصراعات بين حزبين متناقضي الأهداف، حزب يريد تقوية المسار الديمقراطي، وحزب يسعى إلى عودة الاستبداد، وهذا ما يفسر التصويت للبيجيدي وحصوله على عدد إضافي من المقاعد، بخلاف الأحزاب الأخرى التي تراجعت بشكل كبير..

وإذا كان حزب العدالة والتنمية قد تبوأ المرتبة الأولى عن جدارة، وبالتالي نجح في امتحان عسير، فإن الحزب/الكيان الوهمي، قد خسر خسرانا مبينا، رغم المقاعد التي حصل عليها عن طريق سرقة أصوات أحزاب أخرى بالطرق التي أصبحت معروفة للجميع، لأن قادته كانت عينهم على الصدارة وخاب مسعاهم، ولأنهم كانوا يعتقدون أن جميع المغاربة، يمكن التلاعب بإرادتهم الحرة فأثبت لهم العكس، ولو كانت هناك مشاركة واسعة، خاصة من طرف النخب المثقفة والمسيسة، لكان هذا الكيان، سيندحر إلى المراتب الخلفية، لكن للأسف أغلب المثقفين والمتنورين قاطعوا الانتخابات.