وجهة نظر

هارمي يكتب.. الحر بالغمزة: مناضل غريب

من أي طينة أنت أيها المناضل الذي شمرت عن سواعدك.. وحملت أوراق الدعاية الانتخابية لحزبك.. وأنت تجوب الشوارع والأزقة.. موزعا منشوراتك يدا بيد.. بينما لسانك يعدد مناقب حزبك ومنجزاته.

من أي طينة أنت أيها المناضل.. وأنا ألحظ غيرك من مناضلي المناسبات الانتخابية يتقمصون قمصان الحزب الذي يدفع أكثر.. ثم يقوم بعدها بزرع الأطنان من الأوراق في الشوارع كما ينثر الفلاح بذوره في الحقل.. بينما لم أرك يوما ترمي ورقة واحدة في التراب.. بل رأيتك في أحيان كثيرة تحملها من جديد إن رماها في وجهك ناقم على اللعبة الانتخابية، ثم تمسحها لتوزعها من جديد.. ترى هل هو التقشف، أم تقديس أوراق حزبك إلى حد يعز عليك أن تراها مرمية على الأرض؟

من أي طينة أنت أيها المناضل.. أنت الذي قطعت خلال الحملة الانتخابية مئات الكيلومترات ذهابا وإيابا.. ومشيا على الأقدام حتى تقطع حذاؤك وانتفخت أقدامك.. ناطقا بألاف الكلمات تحاول إقناع العشرات بل المئات من المواطنين بالتصويت لشعارك.

من أي طينة أنت أيها المناضل.. وقد هبت نفسك وأسرتك ودابتك أوسيارتك بل أيضا بيتك رهن إشارة حزبك.. ولم تطالبه بدرهم واحد.. وأنا الذي رأيت وأرى الناس تتهافت على الأحزاب في موسم “الزرقة والزرود والمرقة “.. بل أرى الشخص الواحد يعمل مع أكثر من حزب قائلا “سكت خلينا نصوروا طرف ديال الخبز”.

من أي طينة أنت أيها المناضل.. كيف تخوض غمار هذه الانتخابات وأنت تتعرض لوابل من التهديد والوعيد.. من طرف “القايد والشيخ والمقدم”.. وتتلقى الضربات من طرف مجرمي وبلطجية المنافسين.. ومع ذلك أنت صابر محتسب لا تخشى أحدا.. مبشرا بفكرة حزبك.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. والكل شاهدك تقطع الوديان وتتسلق الجبال.. تقاوم الأمطار وحرارة الشمس.. لتصل إلى أبعد الدواوير والمداشر والتجمعات.. لتقنعها برجاحة مشروعك.

من اي طينة أنت ايها المناضل.. الذي تتحمل الجوع والعطش.. وأحيانا تجمع الوجبات جمع تأخير.. بينما غيرك لا يحرك يدا ولا رجلا إلا بعد أن يملأ بطنه “باللحم والبرقوق والدجاج المحمر”.. ثم ينطلقليرمي أوراق الدعاية تحت أحد السيارات.. ويختفي عن الأنظار.. ولا يظهر إلا مساء منتظرا في صفوف طويلة تسلم الأوراق ذات اللون الأزرق الجذاب.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. الذي يجلس خلف شاشات الحاسوب أو الهاتف المحمول لا للهو واللعب والقيل والقال وشر الأفعال.. وإنما تحمل سلاح لوحة المفاتيح.. موضحا وشارحا ومنافحاعن مشروع حزبك ومفندا كل الإشاعات والأكاذيب التي يروجها بعض سكان الفضاء الأزرق.

من أي طينة أنت ايها المناضل..وأنا أراك برلمانيا سابقا تساند وتدعو للتصويت على من أخذ مكانك في وكالة اللائحة.. عكس ما جرت عادة احزاب أخرى من إقامة المزادات إذ تهب المرتبة الأولى لمن يدفع أكثر.. في مزاد يصيح فيه زعيم الحزب “مين يزود”.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. الذي أتيت من أقاصي الدنيا.. من أمريكا وأوروبا ومن كل قارات العالم المختلفة.. قاطعا آلاف الأميال.. صارفا آلاف الدولارات.. من أجل الإدلاء بصوت واحد ووحيد.. ترى ما قيمة صوت واحد؟.. وكأني أسمعك تجيبني بكل ثبات ويقين “ألا تحتسب النتيجة النهائية صوتا صوتا.. ألم تسمع المثل القائل “قطرة بقطرة يحمل الواد”..ألا تعرف أن فرق صوت واحد قد يغير مستقبل أمة؟”

من أي طينة أنت ايتها المناضلة.. يباغتك المخاض.. ويعصرك عصرا.. ومع ذلك تأبين أن تضعي مولودك إلا بعد أن تضعي صوتك وبصمتك في ورقة التصويت.

من أي طينة أنت ايتها المناضلة الثكلى.. تأبين أن تتسلمي جثة ابنك الذي توفاه الله خارج الوطن من المطار.. إلا بعد أن تضعي صوتك في صندوق الانتخاب.. ثمتتسلمي صندوق جثة ابنك الفقيد بعدها.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. وقد عرضت عليك الأموال كي تسكت عن التزوير وخرق قوانين التصويت.. فوقفت شامخا رافضا رغم التهديد الشديد.. والإرهاب النفسي والجسدي.. معتبرامهمة المراقبة أمانة وخط الدفاع الأخير عن أصوات حزبك.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. وقد رأيتك قبل صدور النتائج وقلبك يخفق خفقا.. وعيناك تترقب النتيجة بفارغ الصبر.. تتمنى فوز مرشحكم وحزبكم.. بينما الاخرون الذين قبضوا الدرهم والدينار يقولون في قرارة أنفسهم “لهلا ينجح شي بشر”.. فكأني اسمعك تقول ” ليست النائحة كالمستأجرة”..

من أي طينة أنت ايها المناضل.. راقبتك وقد اشتد النزال وتقاربت الأصوات مع المنافسين..وإذا بهاتف يهاتفك مبشرا بالنصر.. فتسقط مغشيا عليك من الفرح.

من أي طينة أنت ايها المناضل.. تتعب وتكد وتجتهد..دون أن تنال أجرا ماديا على ذلك.. ما الذي ستربحه.. تنفق دون طمع وتضحي دون مقابل.. لعلي سمعتك أيضا تقول “إنه حب الوطن”.

ياسادتي أنا لا أتحدث إلا عن مناضل واحد ووحيد.. يا سادتي إنه مناضل حزب العدالة والتنمية.. إنه مناضل المصباح.
ذ. رشيد هارمي