مجتمع

نوبير الأموي.. زعيم نقابي ساهم في مراحل وتحولات حاسمة من الزمن المغربي

“إن الخطب والشعارات تراكمت حتى لم يعد فيها أي معنى للكلمات، وإن أمتنا لم تعد تعثر في الكلام المتشابه على الصدق والنزاهة والتوهج الروحي الحي”.. كانت هذه الجملة من بين أقوى ما ترسخ في الأذهان لمحمد نوبير الأموي، محامي العمال، الذي ارتبط اسمه بالنضال والدفاع عن الطبقة الشغيلة، وُصف “بالأموي الواحد والمتعدد في مراحل حاسمة من الزمن المغربي”.

هو قائد نقابي وسياسي ومرشد ثوري وزعيم نافذ للمدّ اليساري بالمغرب، تجسد فكره وأسلوبه كقوة تنظيمية ونضالية من خلال حضوره الفاعل في أهم التحولات والأحداث.

ابن الشاوية

ولد الأموي في 21 نونبر 1938 بدوار ملكو بقبيلة المعاريف أمزاب دائرة ابن أحمد إقليم سطات (الشاوية)، من والده حمان الأشهب بن عمر الزيراوي ومن والدته عائشة بن بوعزة المزمزية.

ترعرع الأموي وسط الفلاحين والبسطاء، فحفظ القرآن الكريم بكتاب القرية، قبل أن يصطحبه شقيقه نحو الدار البيضاء لمتابعة دراسته بمدرسة اتحاد الحي الصناعي، ثم انتقل إلى كلية ابن يوسـف بمراكش، ثم حط رحاله الدراسي بأهم وأول الجامعات في العالم، وهي جامعة القرويين بفاس.

بعد عودته من فاس، وفي السنة التي حصل فيها المغرب على استقلال ترابه من قبضة المستعمر، قرر الأموي اختيار التعليم، مهنة له، وبالضبط في دجنبر 1956 بالدار البيضاء، قبل أن ينتقل إلى الرباط ابتداء من مارس 1957، ثم اشتغل مدرسا بمدرسة المعلمين إلى حدود سنة 1964.

اختار الأموي  فاطمة الشاوي رفيـقـة لدربه، فأنجب معها خمسة أطفال، محمد والمهدي وغيفارا وسناء ومعاوية، فشاء القدر أن تسلم رفيقته الروح إلى بارئها في مارس 2015، ليظل صامدا قبل أن يستسلم للموت بعد صراع مع المرض في  7 شتنبر 2021.

النضال النقابي

تخلد الطبقة الشغيلة ويساريون الذكرى الثانية لوفاة محمد نوبير الأموي اليوم الخميس 7 شتنبر 2023، بينما قرر رفاقه في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل زيارة قبره بمقبرة سيدي سليمان بدوار ملكو للترحم على روحه.

في منتصف الستينيات التحق بمركز تكوين المفتشين، ثم اشتغل مفتشا للتعليم بخريبكة سنة 1965، لينتقل إلى الرباط خلال فاستمر في عمله من 1970 إلى 1978، ليقرر بعدها التفرغ للعمل النقابي.

انخرط نوبير الأموي منذ فترة مبكرة في العمل الـوطني والسياسي من داخل صفوف حزب الاستقلال سنة 1952 بالدار البيضاء خلال الفترة الاستعمارية، فكان عنصرا فاعلا ضمن خلايا جيش الأطلس بالدار البيضاء وفي حركة المقاومة السرية.

التحق أول مرة بالاتحاد المغربي للشغل، سنة 1957، وبعد سنتين التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وقال إنه “لم يشعر بأي ازدواجية، ذلك أن السياسي والنقابي وجهان لعملة واحدة”.

وفي ماي من سنة 1962، شارك في أشغال المؤتمر الإقليمي لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالرباط وسلا، بإشراف المهدي بنبركة والفقيه البصري، ثم شارك في المؤتمر الوطني الثاني لنفس الحزب في الدار البيضاء في 25 ماي 1962 .وانتخب رئيسا لجمعية آباء تلاميذ مدرسة لقبيبات بالرباط، ثم كاتبا عاما للاتحاد الـوطـنـي لجمعيات آباء التلاميذ بالمغرب في ماي 1962.

المواجهة

وفق كتاب “فصول من سيرة مناضل استثنائي”، كانت “أول مواجهة لنوبير الأموي مع القمع في 11 دجنبر 1961، حينما تعرض لاعتداء وحشي من طرف قوات الأمن أمام مستشفى ابن سينا بالرباط أثناء حركة الدعوة للإضراب العام للعمال، فأدين بستة أشهر حبسا نافذة، واستأنف الحكم دون اعتقاله، ليدشن بهذه الحادثة بداية انخراطه الكلي في مجال العمل السياسي، وانقطاعه عن إتمام دراسته الجامعية”.

في 12 أكتوبر 1962، قاد الأموي حملة احتجاجية لإنقاذ التلاميذ المطرودين من مدارس الرباط، وتقدم بمشروع إلى الوزارة حول الوضعية التعليمية من منظور آباء التلاميذ، بعد ستة أيام، قاد مسيرة احتجاجية أخرى مكونة من الآباء والتلاميذ احتجاجا على السياسة التعليمية، فاعتقل رفقة ثمانية من الآباء وأصدر في حقه بعد ذلك الحكم بستة أشهر حبسا نافذا.

خاض الأموي معركة مقاطعة الاستفتاء على أول مشروع للدستور في 1962، بعدما أفلت من الاعتقال رغم الحكم عليه، في السابع من دجنبر 1962.

وبعد أربعة أشهر وبالضبط في مارس 1963، عينه المهدي بنبركة مسؤولا عن اللجنة العمالية بالرباط لإعادة تصحيح الوضع النقابي، لكنه قرر الاختفاء منذ 16 يوليوز إلى حدود شهر أكتوبر، بسبب حملة الاعتقالات التي استهدفت الاتحاديين والنقابيين.

وفي منتصف ليلة 25 أكتوبر من نفس السنة، حاصر البوليس السري منزله بالرباط، فتمكن من الفرار، ليقرر العودة وتقديم نفسه بعد أسبوع، ليتم التحقيق معه ووضعه تحت المراقبة الدائمة.

“CDT”تأسيس

قاد نوبير الأموي عملية تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في نونبر 1978، وانتخب كاتبا عاما لها، وقال في فصول من سيرته إن “تأسيس منظمتنا نتيجة نضال طويل وشاق خاضته القواعد العمالية في مختلف القطاعات منذ أواخر الستينيات، ونتيجة الصراع بين قوى الاستغلال وأدواتها وبين قوى ذات منظور متقدم وأصيل للعمل النقابي”.

وقال أيضا بأن ” الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، انبعثت لتقود الكادحين وتؤطرهم على درب النضال الصحيح والواضح، محدثة بذلك وضعية جديدة سرعان ما أعطت للصراع الطبقي الدائر بين الكادحين وقوى الاستغلال بعده الحقيقي ومضمونه الاجتماعي”.

وتأسست الكونفدرالية بمساهمة ثماني نقابات وطنية في أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، منها الـفـوسـفـاط – السكك الحديدية، الماء والكهرباء، الطاقة، ثم قطاع التعليم، الصحة، البريد، الصناعات السكرية، البترول والغاز.

وكـانـت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بحسب مذكرات الراحل الأموي، “موجودة من قبل في إطار جامعات ونقابات وفيدراليات وطنية انسحبت من المنظمة القديمة أي الاتحاد المغربي للشغل، بعدما كانت عملية الانسحاب قد بدأت فعلا في أوائل الستينات عقب التوجه المنافي لمبادئ الاتحاد، والذي فرض بأساليب لا ديمقراطية، وهو توجه يرفع شعار النقابة الاقتصادية التي عرفتها أوربا في القرن التاسع عشر، والذي يكرس قطيعة مع كل قوى التحرر الوطني التي ارتبطت بالطبقة العاملة، وجعلت مطالب الكادحين على رأس برامجها”.

وتم خلال المؤتمر الثالث للاتحاد المغربي للشغل عام 1963، “الإعلان عن الاستقلال الإيديولوجي والتنظيمي عن جميع الأحزاب السياسية، وبعدما عرفت الوضعية السياسة في البلاد نوعا من الانفراج ما سنتي 1974 و1975، بحكم العمل على استكمال الوحدة الترابية، تم تدشين ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي الذي كان فرصة للطبقة العاملة للمواصلة من جديد وإعادة ترتيب صفوفها.

وأقدمت الكثير من القواعد العمالية على عقد مؤتمرات وطنية وتأسيس فدراليات في أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية الاستراتيجية، خصوصا وأن الأزمة قد بدأت تستفحل بين ما تبقى من النقابيين في الاتحاد المغربي للشغل.

وكان لدخول الاتحاد البرلمان وتصويتهم على البرامج الحكومية، “النقطة التي أفاضت الكأس” بحسب الراحل الأموي، وكان هذا التغيير دافعا للقطيعة المطلقة معهم والخروج بالبديل النقابي، الذي جسده نوبير الأموي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الشامي
    منذ 8 أشهر

    لماذا لا تقولوا ان الوزير البصري اشترى صمته؟