أما بعد

أما بعد.. المبادرة الملكية لإعمار مناطق الزلزال تجسيد لـ”الدولة الاجتماعية” وتأكيد لالتحام الملك بقضايا الشعب

زلزال المغرب

شغل سؤال “ماذا بعد الإنقاذ؟” ذهن معظم المغاربة وعلى رأسهم الناجون من الزلزال المدمر الذي كانت بؤرته في جماعة إيغيل بإقليم الحوز، ووصلت آثاره المباشرة إلى خمس أقاليم مختلفة، وهو السؤال لم تتأخر الدولة المغربية بقيادة الملك محمد السادس في الإجابة عنه، حيث أعلن الديوان الملكي جملة من الإجراءات والقرارات التي تخص إعادة إعمار المناطق المنكوبة.

وتعبر هذه القرارات التي جاءت بمبادرة من الملك محمد السادس وبتوجيهاته المباشرة عن سياسة دأب عليها الملك منذ توليه العرش، حيث يكون أول من يتفاعل مع الأزمات والأحداث التي تؤثر على عموم المغاربة أو جزء منهم، ولقد لاحظنا كيف وجه الملك تعليماته منذ اللحظات الأولى للزلزال إلى القوات المسلحة الملكية لـ”التحرك بشكل عاجل وفوري” للتعامل مع تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، ونشر “وسائل بشرية ولوجيستية مهمة، جوية وبحرية”، ناهيك ترأسه لاجتماعين اثنين وتببعه بشكل شخصي لجميع مراحل الإنقاذ والإجلاء والإيواء، ثم إجراءات إعادة الإعمار.

إن خطوة الملك اليوم، هي جواب مباشر عن الأسئلة التي ظلت عالقة بشأن مستقبل الأسر التي تضررت منازلها بالكامل أو جزئيا، خصوصا مع قرب دخول فصل الشتاء بالمغرب، وما تعرفه من المنطقة من موجة برد قارس، حيث من شأن القرارات الملكية الأخيرة أن تبعث الطمأنينة وسط المتضررين، وكذا الرأي العام الذي يتابع الموضوع باهتمام شديد.

ورغم أن الزلزال جاء في وقت تعيش موازنة الدولة صعوبة بالغة، جراء الأزمة الاقتصادية العالية التي يعاني منها المغرب، وعلى رأسها موجة الغلاء، إلا أن حجم المساعدات التي أمر الملك بتوجيهها إلى الأسر المتضررة تفوق كل التوقعات، وعلى رأس ذلك منح كل أسرة مبلغ 3 آلاف دولار بالإضافة إلى 14 ألف دولار لكل أسرة فقدت أسرتها و8 آلاف دولار لكل أسرة تعرض منزلها لضرر جزئي.

طبعا هذه المساعدات المالية ضخمة جدا، بالنظر إلى أن عدد المنازل التي انهارت بشكل كلي أو جزئي فاق 50 ألف منزل، ولكن ليست غريبة عن المبادرات الملكية في هذا الشأن منذ توليه العرش، حيث سبق أن وجه تعليمات سابقة بإيواء ضحايا زلزال الحسيمة، وكذا توجيه دعم مباشر للأسرة المتضررة من فقدان عملها جراء وباء كوفي 2019، وغير المبادرات الشاهدة على عناية واهتمام الملك برعاياه.

وإن هذه الإجراءات بشهادة المتضررين أنفسهم وكذا العارفين بالمناطق المتضررة، من شأنها أن تلبي كافة الاحتياجات الأساسية للمتضررين وإعادتهم للانخراط في الحياة اليومية وكفيلة بتعويضهم ماديا في جميع الخسائر، بل ستشكل بداية جديدة لعدد كبير من ساكنة المناطق القروية والجبلية المتضررة، ولعلها فرصة لتسريع عجلة التنمية بالمناطق الهشة وشبه المعزولة واطلاع على فرص جديدة للنهوض بها، كما أن المبالغ التي ستقدم للمتضررين كافية لإعمار ولسد الحاجيات الأساسية للمواطنين لمدة كافية، و”يشيط الخير” بتعبير ساكنة إحدى الدواوير التي كان فريق العمق متواجدا بها لحظة صدور بلاغ الديوان الملكي.

التعليمات الملكية خلال الاجتماعات وضعت الأصبع على الجرح، حينما ركزت مباشرة أهم عنصر لنجاح العملية بالتأكيد على “أن تكون الاستجابة قوية، سريعة، واستباقية مع احترام كرامة الساكنة، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم”، وكان قاصدا في قوله “الإجراءات لا يجب أن تعمل فقط على إصلاح الأضرار التي خلفها الزلزال، ولكن أيضا إطلاق برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنيات التحتية أو الرفع من جودة الخدمات العمومية”.

التخوف الوحيد اليوم، هو أن يشوب اختلال ما عملية الإحصاء والتوزيع، مما يحرم متضررا حقيقيا أو يعطي التعويضات لمن لا يستحق، الأمر الذي يتطلب يقظة إدارية وشعبية وإعلاء لروح المواطنة والمسؤولية والتضامن على جميع الأصعدة لإنجاح إعادة الإعمار وتخفيف المأساة عن المتضررين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *