وجهة نظر

التدبير الإداري لمواكبة المشروع الشخصي للمتعلم داخل المؤسسات التعليمية

لقد أضحت الوظيفة التوجيهية للمؤسسات التعليمية إحدى الوظائف الأساسية التي يراهن عليها الفاعل التربوي خصوصا بسلكي التعليم الثانوي، حيث أقرت وزارة التربية الوطنية المغربية منذ 23 نونبر 2001 في قرارها رقم 2071/01 بشأن النظام المدرسي على أنه من بين أهداف التعليم الإعدادي هو مصاحبة التلميذ في بناء مشروعه الشخصي ومساعدته في اختياراته التربوية والمهنية، مما يعني أن تفعيل الوظيفة التوجيهية خلال هذه المرحلة أصبح ضروريا ولا يحتمل التأجيل أكثر من هذه المدة.

ومن أجل إرساء بيئة مواكبة للمشاريع الشخصية داخل المؤسسات التعليمية، سعت الوزارة إلى تنزيل المشروع رقم 13 من مشاريع تفعيل مضامين القانون الإطار 17/51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، إلى إرساء نظام ناجع للتوجيه المبكر والنشيط، وهو نظام يرتكز على المشروع الشخصي للمتعلم ويضعه في صلب نظام التوجيه المدرسي والمهني باعتباره مرجعا تطوريا لجانبية المتعلم، وخيطا ناظما لتدخلات جميع الفاعلين المعنيين طيلة مساره الدراسي والتكويني.

وفي ظل غياب دليل عملي أو إطار مرجعي للمدبر التربوي، ومن أجل تحقيق المواكبة الإدارية للمشروع الشخصي للمتعلم(ة)، فإننا ارتأينا أن نساهم في إغناء الأفكار والمساهمة في اقتراح نموذج خطة عمل تكون مرجعا للمدبر التربوي داخل المؤسسات التعليمية، مع إبداء مجموعة من الملاحظات حول مدى استجابة الترسانة القانونية لمقتضيات المواكبة التربوية للمشروع الشخصي للمتعلم، مع تقديم بعض التوصيات في الموضوع.

وقبل ذلك كله لابد من ضبط المفاهيم وتحديد مختلف الأدوار المرتبطة بالمواكبة التربوية للمشاريع الشخصية للمتعلمين سواء كانت بيداغوجية أو تقنية أو تخصصية، اعتمادا على مجموعة من المراجع القانونية الصادرة في الموضوع.

أولا: ضبط المفاهيم:

  • المشروع الشخصي للمتعلم:

حسب القرار الوزاري 062×19 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 2019 بشأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي،
فالمشروع الشخصي للمتعلم هو السيرورة التي ينخرط فيها المتعلم من أجل تحديد هدف مهني يطمح إلى
تحقيقه، وتحديد المسارات الدراسية والتكوينية المؤدية إليه، وخطته الشخصية لبلوغه، والخيارات البديلة
في حالة تعثره في الوصول إلى هذا المبتغى، وكل ذلك في إطار منطق تكامل استراتيجي بين الأداء الدراسي
الماضي والحالي، وبين الطموحات والأهداف الدراسية والتكوينية والمهنية المستقبلية.

فالمشروع الشخصي هو عبارة عن توقع إجرائي لمستقبل المتعلم من خلال استيعاب وتحليل التجارب والتفاعل مع المحيط السوسيومهني، من أجل تشكيل خبرات ومعارف سابقة حول موضوع الهدف المهني المراد تحقيقه.

  • المواكبة:

تعتبر المواكبة في الوسط التعليمي منظومة شاملة لكل ما هو بيداغوجي وإداري وسيكولوجي، حيث يعتمد في تحقيقها على مقاربة نسقية بين مختلف المتدخلين من أطر التدريس وإدارة تربوية ومستشاري التوجيه، من خلال ثلاث خدمات أساسية: خدمة المواكبة التربوية البيداغوجية التي يقدمها الأساتذة الرؤساء، وخدمة المواكبة التخصصية المنوطة بالمستشارين في التوجيه التربوي، وخدمة المواكبة الإدارية التقنية التي تقوم بها الإدارة التربوية بالمؤسسات التعليمية.

ثانيا: أنواع المواكبة:

لقد عمدت المذكرة الوزارية 106/19 بتاريخ 8/10/2019 في شأن إرساء العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم بالثانويات الإعدادية والتأهيلية إلى تصنيف المواكبة في الوسط المدرسي إلى ثلاثة أنواع متكاملة فيما بينها:

مواكبة تربوية: يشرف عليها الأستاذ الرئيس، وتهدف إلى مساعدة المتعلم على الاندماج في الحياة المدرسية، وتنمية كفايات التربية على الاختيار واكتساب الكفايات الضرورية لبناء المشاريع الشخصية، باستثمار مضامين الأنشطة الصفية واللاصفية، والعدد التربوية الداعمة للمشروع الشخصي للمتعلم، وكذلك إبداء الرأي بشأن اختيارات المتعلمين في إطار مساطر التوجيه المدرسي والمهني.

مواكبة إدارية – تقنية: تشرف عليها الإدارة التربوية للمؤسسة، وتقوم على تتبع سيرورة المواكبة التربوية
وتوثيقها من خلال ملف تتبع المشروع الشخصي، وعلى التفاعل مع اختيارات المتعلم في إطار مساطر
التوجيه المدرسي والمهني والجامعي، وعلى اتخاذ قرارات مرحلية أو نهائية بخصوص اختيارات المتعلم من
طرف المجالس واللجن المختصة. كما تعمل الإدارة التربوية على ضمان تفعيل العمل بمشروع المؤسسة
المندمج مع تعزيز انفتاح الثانوية على محيطها، وإشراك الأسر في تتبع ومواكبة أبنائها.

مواكبة تخصصية: يشرف عليها المستشار في التوجيه، وترتكز عل تقديم خدمات تخصصية متنوعة ومتكاملة في مجال التوجيه المدرس ي والمهني، تهم بالأساس خدمات الإعلام والاستشارة، ومعرفة الجانبية الشخصية والمهنية وانسجامها مع الاختيارات، والمواكبة النفسية والاجتماعية، إضافة إلى الدعم التقني للمؤسسة وتنسيق مختلف التدخلات المتعلقة بمجال التوجيه المدرسي والمهني والجامعي.

ثالثا: خطة عمل لتدبير المواكبة داخل المؤسسات التعليمية:

 

مراحل التنفيذ العمليات والاجراءات الأهداف والغايات فترة الانجاز المذكرات والمراجع القانونية
الإعداد وتعبئة المتدخلين استخراج لوائج القن السري الخاص بالتلاميذ وأولياء أمورهم. تمكين المتعلمين والمتعلمات من الاستئناس المبكر من خدمات “مسار متمدرس” وملأ الاستمارة الجانبية الدراسية والشخصية. شتنبر القرار الوزاري رقم 62/19 بتاريخ  07/10/2019 في شأن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي
تدقيق المعطيات الشخصية للتلاميذ سواء على منظومة مسار أو بالملفات المدرسية ضبط وضعية المتعلمين التربوية والتعليمية والنفسية والاجتماعية والصحية، وتحديد مجموع الأنشطة التربوية التي يستفيدون منها بالقسمين الخارجي والداخلي. أكتوبر
إعداد لوائح التلاميذ في وضعية إعاقة. تكييف خدمات وممارسات وآليات التوجيه المدرسي والمهني حسب خصوصيات المتعلمين في وضعية إعاقة. شتنبر
تنظيم أيام التوجيه المدرسي لفائدة المتعلمين وأولياء أمورهم –        الانفتاح على المحيط الدراسي والتكويني والمهني.

–        تنمية الثقافة المقاولاتية والحس الريادي.

بداية الأسدس الثاني
عقد لقاءات مع الآباء والأمهات وأولياء الأمور بتنسيق مع جمعية الآباء. اطلاعهم على المستجدات المرتبطة بالتنظيم السنوي للدراسة وتعبئتهم من أجل مواكبة تمدرس بناتهم وأبنائهم والمساهمة في بلورة مشاريعهم الشخصية. مباشرة بعد الانتهاء من عملية تشخيص المكتسبات المذكرة الوزارية 61/21 بتاريخ 15/6/2021 في شأن عقد لقاءات بين المؤسسات التعليمية وامهات، وآباء وأولياء المتعلمات والمتعلمين.
تأسيس المجالس التلاميذية وتعبئتها من أجل المساهمة في عملية المواكبة التربوية –     تعبئة التلميذات والتلاميذ للمشاركة في مختلف أنشطة التوجيه المدرسي بالمؤسسة

–     التنسيق مع المتدخلين من أجل ضمان نجاعة الأنشطة التلاميذية

شتنبر المذكرة الوزارية رقم 83/21 بتاريخ 30/09/2021 في شأن إرساء المجالس التلاميذية.
إنجاز العمليات الإدارية تحديد لوائح الأساتذة الرؤساء كما تنص المذكرة الخاصة بذلك – مساعدة المتعلم على تشخيص تعثراته الدراسية وتجاوزها.

– مساعدة المتعلم على الاندماج في الحياة المدرسية.

– مساعدة المتعلم على الدخول في سيرورة التفكير في مشروعه الشخصي ومساعدته على بنائه وتوطيده.

– مساعدة المتعلم على التعبير عن مشروعه الشخصي ودوافع اختياراته وعلى تحديد بدائل ملائمة.

– دعم قدرات المتعلمين على بناء وتكييف مشاريعهم الشخصية.

قبل إسناد الأقسام المذكرة الوزارية رقم 114/19 في شأن ذ. الرئيس بالثانويات الإعدادية والتأهيلية.
إسناد الأقسام للأساتذة “الرؤساء” وفق النصوص الجاري بها العمل. بداية الموسم الدراسي
إدراج الزمن المخصص للمواكبة التربوية ضمن جداول حصص الأساتذة الرؤساء مراسلة الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط – سلا -القنيطرة رقم 1553/20 بتاريخ 17/09/2020 في شأن إدراج حصص المواكبة التربوية في الزمن المدرسي برسم الموسم 2020/2021

 

خلف فضاء للتنسيق بين الأساتذة الرؤساء ومستشار التوجيه التربوي
إدراج الزمن المخصص للمواكبة التربوية ضمن استعمالات زمن التلميذات والتلاميذ.
تتبع سير المواكبة التربوية للمتعلمين – إحالة المتعلمين ذوي صعوبات الاندماج الحادة على مستشار التوجيه، وفق الآلية الموضوعة لهذا الغرض.

– إحالة المتعلمين ذوي صعوبات كبيرة في بناء وتكييف مشاريعهم الشخصية على مستشار التوجيه، بعد استفادتهم من المواكبة التربوية.

بعد نهاية المرحلة الأولى للتوجيه المذكرة الوزارية 106/19 بتاريخ 8/10/2019 في شأن إرساء العمل بالمشروع الشخصي للمتعلم بالثانويات الإعدادية والتأهيلية.
استثمار النتائج وتقييمها إحصاء نسب المشاركة في عملية التوجيه التربوي في المرحلتين الأولى والنهائية –  تقييم سنوي لتطوير بعض كفايات المشروع الشخصي لدى المتعلم.

–   توثيق التدخلات التصحيحية والداعمة المقترحة من طرف الأستاذ الرئيس.

–   استثمار كل ملاحظات المتدخلين أثناء مناقشة قرارات التوجيه وإعادة التوجيه ضمن مجالس الأقسام.

–   رصد التعثرات وبرمجة التدخلات التصحيحية والداعمة الملائمة.

 

نهاية الموسم الدراسي المرسوم 2.02.376 الصادر بتاريخ 17 يوليوز 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التعليم العمومي.
إحصاء عدد التلاميذ بدون توجيه في كل من المرحلتين الأولى والنهائية
إعداد تقارير تركيبية حول سير المواكبة التربوية من طرف كل المتدخلين، وعرضها على مجالس المؤسسة لاستغلالها في المواكبة التخصصية.
وضع خطة تقويمية لتدارك مكامن النقص في عملية المواكبة التربوية.

 

رابعا: ملاحظات وتوصيات

  • تأخر كبير في إرساء بيئة تربوية مواكبة للمشاريع الشخصية للمتعلمين داخل المؤسسات التعليمية، علما أن القرار الوزاري بشأن النظام المدرسي قد صدر منذ 2001 كما سبق ذكره.
  • من أجل الاستدراك الزمني والتخطيط الاستعجالي عمدت الوزارة إلى إصدار قرارات ومذكرات متسارعة دون تتبع دقيق في تنزيلها، وهو ما يؤكده في أحسن الأحوال التعامل التقني فقط من طرف مدبري المؤسسات التعليمية مع هذه الإصدارات.
  • الترسانة القانونية للتوجيه التربوي باعتباره إطارا للمواكبة التربوية، لا تتناول موضوع التوجيه في إطار نسقي يشمل كافة مكونات المنظومة التربوية، وهو ما أشار إليه المجلس الأعلى للتربية والتكوين في وثيقته الأخيرة الصادرة في يونيو 2023 بخصوص رأيه في مشروع المرسوم المتعلق بالتوجيه المدرسي والمهني والإرشاد الجامعي.
  • انحصار مهمة مستشاري التوجيه في إخبار التلاميذ بمختلف شعب ومسالك التربية والتكوين المتوفرة دون القيام بمهام تشمل مختلف جوانب المتابعة والاعلام والمساعدة على التوجيه ومنها القيام بإجراء المقابلات والفحوص السيكولوجية لفائدة التلاميذ، وهو ما خلص إليه التقرير التحليلي حول تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013 المكتسبات والمعيقات والتحديات الذي أصدره المجلس الأعلى للتربية والتكوين سنة 2014.
  • العمل على إصدار إطار مرجعي للمواكبة الإدارية للمشروع الشخصي للمتعلم(ة)، على غرار الإطار المرجعي رقم 007/22 الصادر بتاريخ 09 مارس 2022 في شأن المواكبة التخصصية بالتعليم الثانوي الاعدادي والتأهيلي.
  • تمكين أطر التدريس والإدارة التربوية من تكوينات في موضوع التوجيه والمواكبة التربوية مع العمل على إرساء مبدأ “الأستاذ الرئيس” وتقديم تحفيز لأطر التدريس من أجل القيام بأدوارهم في هذا الموضوع.
  • تحقيق الوظيفة التوجيهية للمؤسسات التعليمية عوض الارتهان على جود وكرم العاملين بالمؤسسات التعليمية، يتطلب تخصيص مادة دراسية تعنى بالمهارات الحياتية والمشروع الشخصي للمتعلم(ة)، وهو ما أكدته الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 بالانفتاح على المواد الدراسية التي تعنى بالتنمية الذاتية والتربية الريادية والحياتية، وتعزيز البعد الأخلاقي وترسيخ القيم، كما أوصت بتوفير بيئات للأشغال التطبيقية بالمؤسسات الابتدائية والثانوية، في إطار الربط المنتظم للمعرفة النظرية بالمعرفة التطبيقية والأعمال المختبرية، وتحضير التلاميذ ميدانيا في مجال التربية البيئية وأنشطة التفتح والابتكار، وقد جاء هذا في إطار الرافعة الثانية عشر المتعلقة بتطوير نموذج بيداغوجي قوامه التنوع والانفتاح والنجاعة والابتكار من خلال تطوير المناهج والبرامج والمقاربات البيداغوجية والوسائط التعليمية ونظام الامتحانات والتقييم وغيرها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *