منوعات

بويخف يكتب.. العدل والإحسان وتهافت خطاب المقاطعة

أعلنت جماعة العدل والإحسان تقديرها السياسي لنسبة المقاطعة في الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر. وقالت الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة في بلاغ يوم الجمعة إن الشعب المغربي يقاطع انتخابات 7 أكتوبر بأكثر من 70%! وليست هذه هي المرة الأولى التي تحتفي فيها الجماعة بنسبة المقاطعة، وتعتبر ذلك استجابة لنداءات المقاطعة!

ولا بد من التأكيد قبل كل شيء على حق الجماعة في اتخاذ المواقف السياسية التي تقتنع بها، ولا يحق لأي جهة مصادرة حقوقها السياسية بأية ذريعة كانت، لكن الواجب الأخلاقي يفرض نصيحة الجماعة إلى تهافت منهجها في مقاربة ملف الانتخابات. ونقترح معالجة نقدية رصينة لبلاغ الجماعة والنتائج التي توصل إليها. وسوف نقف عند أربعة محاور رئيسية، نعتبرها العمود الفقري في هذا الأمر. ويتعلق الأول بالأسس المنهجية لاستخراج النتيجة المعلنة. والثاني، يتعلق بالعمليات الحسابية التي أجرتها الجماعة. والثالث بمزاعم الجماعة حول كون الرقم الذي خلصت إليه استجابة لنداءات المقاطعة. والرابع حول مقاربة تفسيرية لسلوك الجماعة مع الانتخابات.

المحور الأول: الأسس المنهجية لاستخراج النتيجة المعلنة

الأساس الأول: الكتلة الناخبة خارج لوائح التسجيل الانتخابية!

جاء في بيان الجماعة أن” التلاعب بنسبة المشاركة يفضحه حصر الناخبين في عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية الفاسدة بتحديدهم في حوالي 16 مليون مسجل عوض اعتماد الكتلة الانتخابية الحقيقية المكونة من حوالي 26 مليون من البالغين سن التصويت”. ويتضح مما سبق أن الجماعة تقفز عن معطى علمي مهم جدا ويتعلق بنظام الاقتراع، فالنظام الذي يحصر حق الاقتراع في المسجلين في اللوائح الانتخابية ليس بدعة مغربية، بل هو نظام منتشر عبر العالم ومعمول به في أعرق الديمقراطيات. وما دام هو المعتمد لحد الآن لا يمكن نعته مطلقا بالفاسد ما دام التسجيل في لوائح التسجيل الانتخابية مفتوح بحرية لجميع البالغين السن القانونية، وما دامت تلك اللوائح تراجع بشكل سليم يحقق شروط ومعايير جودة الانتخابات. وبتوفر تلك الشروط يصبح المعنيون قانونا ومنطقا بالانتخابات اليوم في المغرب هم المسجلون في اللوائح وليس غيرهم.

وأكبر خلل في منهج الجماعة في قراءة نتائج الانتخابات هو الخلط بين العزوف السياسي الذي تعبر عنه، من بين مؤشرات أخرى، النسب المتدنية للمسجلين في اللوائح الانتخابية، والذي يقيس درجة إدماج المواطنين في العملية السياسية خاصة في بعدها الانتخابي، وبين مقاطعة الانتخابات، التي تعني موقفا سياسيا للناخبين يكون في الغالب تكتيكيا وليس استراتيجيا أو مذهبيا كما تريد الجماعة. لذلك ففي الدول الديمقراطية نجد محطتين للنقاش، محطة مناقشة التسجيل في اللوائح الانتخابية، والذي تعتبر تلك الدول الرفع منه من مؤشرات نجاحها السياسي، ومحطة مناقشة نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي تقيس تجاوب الناخبين مع الأحزاب وبرامجها.

والخلاصة أن اعتماد لوائح التسجيل الانتخابية يعتبر آلية ديمقراطية سليمة تعتمدها جل دول العالم العريقة في الديمقراطية. وبالتالي فنسبة المشاركة التي تحتسب على أساس المسجلين في تلك اللوائح هي النسبة الصحيحة والمعبرة في النظم الانتخابية التي تعتمد تلك اللوائح.

الأساس الثاني: كل من لم يقترع فهو مقاطع!

إن قاصمة ظهر منهج الجماعة في احتساب نسبة المقاطعة هو اعتمادها دون تحفظ قاعدة “كل من لم يقترع فهو مقاطع”، لذلك فهي اعتمدت في عملياتها الحسابية الرقم 26 مليون المتعلق بعدد البالغين سن التصويت كقاعدة انتخابية جاهزة للتصويت!

ليس هناك من الناحية العلمية عمليات إحصائية اجتماعية يمكن وصفها بالرصينة والصادقة والعلمية لا تعتمد مبدأ النسبية وهوامش الخطأ، ومنهج الجماعة في الحساب ينفرد بافتراض أن جميع البالغين السن القانونية يجب أن تصوت 100 في المائة! وهذه النسبة لو كانت الجماعة تحققها أنشطتها لسلمنا بها، أما إذا كان احتمال غياب الإخوان والأخوات عن أنشطة الجماعة أمرا واردا بشكل طبيعي، بسبب السجن أو العجز أو السفر أو المرض أو العمل وغير ذلك، ولا يمكن بالمطلق تفسير غيابهم بكونه يعبر عن موقف سلبي من أنشطة الجماعة، فإنه بالمثل هناك نسبة مقدرة من المواطنين لا يذهبون للاقتراع ليس لأن لهم موقفا سياسيا منها، بل فقط لأن ظروفهم في ذلك اليوم، الصحية والاجتماعية وغيرها، لا تسمح لهم بذلك مثل إخوان وأخوات الجماعة تماما. بل تعلم الجماعة أن ثقافة المغاربة فيها شيء نسميه “العجز” أي التهاون، ويطبع مناشط المجتمع المغربي بشكل قوي، ويتخلى الناس عن مصالحهم وعن القيام بواجباتهم المهنية والاجتماعية وغيرها فقط بسببه.

وتعلم الجماعة علم اليقين أيضا أن من التدابير التحكمية الموروثة عن عهد اوفقير والبصري تحديد يوم الاقتراع في يوم الجمعة الذي هو يوم عمل! فما هو حظ هذا الاعتبار، العمل والجمعة، كعامل من عوامل التشجيع على عدم المشاركة في الاقتراع؟ بكم سيقدر خبراء الإحصاء والاجتماع في الجماعة نسبة المغاربة الذي لا يمكن اعتبار غيابهم نتيجة ظروف عملهم وظروف مانعة لهم ذلك اليوم موقفا سياسيا؟ فما هو حظ هذه العوامل الاجتماعية والصحية والثقافية من طاهرة عدم المشاركة في الاقتراع؟ وكيف أسقطت الجماعة مثل هذه الاعتبارات من حساباتها؟

إن الدول والهيئات التي تحترم المواطنين فيما تعلنه من تقييمات لنسب المشاركة وظاهرة العزوف وما إلى ذلك تقوم بدراسات ميدانية لمقاربة تلك الظواهر، غير الموقف السياسي،المانعة من المشاركة في الاقتراع بالأرقام. ويمكنها ذلك من الحصول على رقم (x) الذي على أساسه يتم تنسيب الخلاصات حتى تكون أقرب إلى الواقع، وفي غياب هذا الرقم (x) فكل العمليات الحسابية التي تجريها الجماعة وتقرأ على أساسها المشهد السياسي مجرد عمليات حسابية لا ينتظمها منهج علمي، ومخرجاتها لا قيمة علمية ولا سياسية لها.

الأساس الثالث: نسبة المشاركة الرسمية منفوخ فيها!

عمليا لا يستطيع حساب نسبة المشاركة إلا من يملك المعطيات التفصيلية لعمليات التصويت في قرابة الأربعين ألف مكتب المنتشرة على صعيد التراب الوطني، وهذه المعطيات تضمها محاضر تلك المكاتب، ولا يمكن تجميعها مركزيا لاستخلاص النتائج التفصيلية العامة سوى من طرف الأحزاب التي حصلت على جميع تلك المحاضر أو وزارة الداخلية بصفتها الجهة المشرفة على الانتخابات؟ وجماعة العدل والإحسان لا تملك هذه المعطيات، ولم تعتمد عليها في نعت ما أعلنته الوزارة منفوخ فيه. و بلاغها صدر بمجرد إعلان وزارة الداخلية نسبة المشاركة النهائية التي تستقيها مباشرة من المكاتب فور إغلاقها من خلال لائحة تسجيل المصوتين، فيما تجميع المحاضر استمر بعد ذلك لأزيد من ساعتين، مما يعني أن الجماعة لم تعتمد المعطيات الفعلية لنقد ما أعلنته الداخلية، لكنها اعتمدت منهج التشكيك فقط بمقارنة النتائج التي تم إعلانها طيلة يوم الاقتراع مع ملاحظة عدم تناسب تطورها خطيا مع الفوارق الزمنية، والجماعة بجهلها لطرق جمع المشرفين على الانتخابات، وهي الداخلية في المغرب، لمعطيات نسبة المشاركة، حاولت إيجاد مطعن فيها اعتمادا على تلك المقارنة بين تطور حجم المشاركة ووقت إعلانها، مع العلم أن النسب التي تعلن عنها الداخلية تباعا نسب مؤقتة لا تهم كل المكاتب كما لا تهم كل النتائج بخلاف النتيجة الأخيرة التي تعني كل المكاتب وكل النتائج، لذلك تكون دائما أكبر وغير متناسبة من حيت الوقت مع سابقتها. لكن الجماعة استغلت صعوبة إدراك الناس لعدم التناسب بين حجم تطور نسبة المشاركة مع الأوقات التي أعلنت فيها لتشكك في تلك النسبة وتجزم أن الداخلية قد نفخت فيها، ونسيت الجماعة أن الأحزاب والمراقبين الذين يتوصلون بالمحاضر يمكنهم احتساب نسبة المشاركة! فكيف للداخلية أن تصنعها وتنفخ فيها؟

وإذا اكتفينا بهذه الأسس المنهجية الفاسدة في منهج الجماعة سندرك أن الرقم الذي أعلنته الجماعة رقم خرافي لا أساس علمي له ولا قيمة سياسية له، إلا أنه يخدم الخطاب الإعلامي للجماعة ويوفر مؤشرات على أن الجماعة تعمل.

اختلالات العمليات الحسابية

انطلاقا من فساد الأسس المنهجية التي اعتمدتها الجماعة في مقاربتها لموضوع المشاركة في التصويت، فإن عملياتها الحسابية شاردة بشكل فضيع، كيف؟

لا يمكن تجاوز المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى غيرهم في الحديث عن مقاطعة الانتخابات، لأن غير المسجلين في تلك اللوائح أصلا لا يحق لهم قانونا التصويت، ومنهم من هو راغب في التصويت ومنهم من يرفض ذلك ومنهم من لا يهتم ليس لموقف سياسي ولكن ليبعد نفسه عن “صداع الراس” كما يقول المغاربة. فبأي منطق تقحم الجماعة قاعدة من 10 ملايين مواطن غير مسجل لا يحق لهم التصويت في مقاطعة الانتخابات؟ أليس هذا هو النفخ المفضوح؟

إن أي شخص يحرص على أن تكون لمواقفه مصداقية علمية وسياسية سوف لن يخلط بين مقاطعة الانتخابات التي ينبغي البحث عنها فقط وسط من يحق لهم التصويت، وبين ظاهرة العزوف السياسي والذي نجد أحد مؤشراته في عدم التسجيل في اللوائح الانتخابية.

لذلك فعلميا وقانونيا لا يمكن اعتماد قاعدة 26 مليون لاحتساب المشاركة الانتخابية، وتبق قرابة 16 مليون المسجلين في اللوائح هي القاعدة العلمية والقانونية لاحتساب نسب المشاركة الانتخابية واستنتاج نسبة المقاطعة منها.

المسألة الثانية، وبحثا عن النفخ في نسبة المقاطعة، وصفت الجماعة نسبة المشاركة المعلن عنها بالمنفوخ فيها، وقد بينا سابقا أن الجماعة أقحمت نفسها في مجال لا تملك معطياته، وقامت بتحليل أقل من يمكن أن يوصف به أنه غير رصين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل الجماعة، وفي سباق إعلامي مع الداخلية والأحزاب المشاركة، أشارت إلى أمر مهم وهو الأصوات الملغاة، فالجماعة دأبت في السابق على احتساب هذه الأصوات أيضا في المقاطعين! رغم أن لا أحد في العالم يعتبر الأصوات الملغاة مقاطعة، بل هي محتجة أو تحمل عيوبا شكلية لا يمكن احتسابها.

لكن الجماعة لا يمكنها انتظار إفراج الداخلية عن النتائج التفصيلية للانتخابات والتي قد تستغرق أيضا شهورا كما وقع في الانتخابات الجماعية الماضية. لذلك اكتفت الجماعة بالقول و”بهذا الاعتبار(أي اعتماد قاعدة 26 مليون)، واستنادا إلى نسبة 43% المعلنة رغم زيفها، وباستحضار أقل تقدير للأوراق الملغاة، فإن نسبة المشاركة لم تتجاوز حوالي 26% في أقصى تقدير”. كيف يعقل في منهج علمي يعتمد الأرقام والعمليات الرياضية أن يقفز على معطى رقمي يعد عادة بمئات الآلاف دأبت على استعماله في عملياتها الحسابية، مع اعتباره نظريا ضمن مؤشرات المقاطعة؟

المسألة الرابعة، وبالرجوع إلى العمليات الحسابية يمكن تلخيصها في الآتي:

اعتمدت الجماعة قاعدة 26 مليون وهي فاسدة، والأصح هو 15 مليون و702 ألف و15 مسجل.

اعتمدت الجماعة نسبة 43 في المائة التي أعلنتها الداخلية رغم أنها تعتبرها مزيفة ومنفوخ فيها، وكان على الجماعة اعتماد نسبة أخرى تستخرجها من المعطيات التي تملكها.

اعتمدت الجماعة عدد المشاركين في الاقتراع الذي ألعنته وزارة الداخلية وهو 6.752.114 ناخبة وناخب للوصول إلى نتيجة 26 في المائة كنسبة مشاركة، وهي نتيجة فاسدة كما تم توضيح ذلك.

وتؤكد الملاحظات السابقة أن العمليات الحسابية للجماعة لا يحكمها منطق علمي، ولا تعتمد المعطيات الواجب اعتمادها، والهدف هو النفخ في نسبة المقاطعة في الانتخابات التشريعية.

المحور الثالث: مزاعم الاستجابة لنداءات المقاطعة.

هنأت الجماعة في بلاغها الشعب المغربي على استجابته لنداءات المقاطعة، ولأي مهتم منصف أن يسأل: بماذا قامت الجماعة حتى تعتبر ما توصلت إليه من أرقام استجابة للشعب المغربي معه؟ لا شك في أن الجماعة أصدرت بلاغا تعلن فيه مقاطعة الانتخابات وتدعو المغاربة إلى مقاطعتها، لكن ماذا أيضا؟ لا شيء غير مقالات رأي ونقاشات فيسبوكية. وكان الواجب الأخلاقي يقضي بأن لا تكتفي الجماعة ببلاغات ونقاشات على الشبكة العنكبوتية، بل كان عليها، كما تقتضي طبيعة الحملات الانتخابية، النزول إلى الميدان، على غرار ما قام به مناضلو النهج الديموقراطي في بعض المناطق، رغم الاعتقالات والمضايقات التي تمت ضدهم، لكنهم على الأقل لم يكتفوا بالخطابات السياسية، بل التزموا عمليا بما يطالبونه به الناس. فلماذا لم تناضل الجماعة من أجل تحقيق موقفها السياسي، وخاصة أن الأمر يتعلق بمقاطعة الانتخابات، واكتفت ببلاغ سياسي؟ هل هناك في العالم شعب سيستجيب بنسبة 70 في المائة لبلاغ سياسي لهيئة لا تعرفها تلك النسبة منهم؟

ستقول الجماعة، كما عودتنا، لتبرير منهجها الانتظاري بأنها لا تريد المواجهة مع الدولة، لكن ما قام به مناضلو النهج الديمقراطي يكذبها، فقد عبأوا ميدانيا دون أن يبلغ الأمر بهم مواجهة مع الدولة، رغم المضايقات وحتى الاعتقالات.

المحور الأخير: مقاربة تفسيرية لسلوك الجماعة مع الانتخابات

تصر الجماعة على عدم الاعتراف باللوائح الانتخابية في تعاطيها مع الانتخابات التشريعية والجماعية، وترى أن المشاركة في التصويت حق جميع البالغين ولا ينبغي قيده بالتسجيل في اللوائح الانتخابية. وهذا رأي وجيه من الناحية الحقوقية لا نختلف عليه، رغم صعوبته العملية. لكن غير المقبول مبدئيا وأخلاقيا أن يكون أعضاء الجماعة مسجلين في اللوائح الانتخابية بل الطبيعي أن يقاطعوا التسجيل فيها، وذلك حتى تكون منسجمة في موقفها و مع نفسها. لكن الأخطر في تهافت مواقف الجماعة من الانتخابات أن تكون آلية اللوائح حلالا في الانتخابات المهنية، وتدعوا إلى المشاركة فيها، وحراما في غيرها! فهل يدل هذا على بعد انتهازي للجماعة في تعاملها مع الانتخابات؟

تتجاهل الجماعة جهود السلطوية التي تهدف إلى ضبط نسبة المشاركة في مستويات دنيا متوسطة، لفرملة الأحزاب الجادة وضمان اكتساح الأحزاب الإدارية وعلى رأسها حزب التحكم. والسبب هو الحرج السياسي في أن الجماعة تلتقي موضوعيا مع السلطوية والفساد والاستبداد حول هذا الهدف، حيث أن جهود الجماعة حول المقاطعة تصب في حساب السلطوية، وجهود السلطوية لضبط نسبة المشاركة تصب في حساب الجماعة. إن التحليل السياسي الموضوعي لا يمكن أن يتجاهل سياسة السلطوية مند عقود حول ضبط نسبة المشاركة، لكن الجماعة سيضرها أن تلتقي جهودها مع جهود السلطوية حول نفس الهدف، وسيكون من الإحراج السياسي والأخلاقي الاحتفاء بنتيجة يكاد يجمع المراقبون للانتخابات على أن الذين لم يتمكنوا من الاقتراع وهم راغبون فيه منعتهم ممارسات سلطوية مفضوحة، منها الحذف من اللوائح الانتخابية، منها تشتيت الناخبين على مكاتب تبعد عن مقرات سكناهم (14 ألف شخص في الرباط وحدها!)، منها صعوبة بلوغ مكاتب التصويت من طرف الناخبين لعدم وضوحها، وهناك نسيج جمعوي قدر نسبة تلك المكاتب ب23 في المائة! بل وهناك جهود في محيط مكاتب التصويت تشجع على عدم المشاركة بمختلف الأساليب منها الإرشادات الملغومة للباحثين عن مكاتب التصويت … لكن الجماعة سكتت عن كل هذا. والسؤال ما حصة جهود السلطوية في نسبة المقاطعة التي استخرجتها الجماعة؟ أليست جهود السلطوية أكبر من جهود الجماعة؟ من الأولى بتهنئة الشعب المغربي بالمقاطعة، الجماعة أم السلطوية؟
لا تهتم الجماعة في نتائج الانتخابات إلا بنسبة المقاطعة، ولا تهتم بما أفرزته من مؤسسات سترهن المغرب لمدة 5 سنوات. فهي تعتبر كل ذلك عبثا! وهذا موقف عدمي بامتياز، إذ لا يمكن تخيل هيئة سياسية كبيرة مثل جماعة العدل والإحسان، تكتنفي برصد ما قد يصلح لحملتها الإعلامية والدعائية من مساوئ في المحطات الانتخابية، وتغض الطرف على باقي المنجزات السياسية، بل تنزوي عمليا عن العمل السياسي وتتفرج على الصراع بين أحزاب جادة تروم خدمة الصالح العام، وأحزاب تمثل الفساد والاستبداد، وهي أيضا معركة تهم الشعب المغربي.

المنطق الفاسد الذي اعتمدته الجماعة في احتساب نسبة المقاطعة المنفوخ فيها له هدف واحد أساسي، وهو البحث للمواقف السياسية للجماعة عن مصداقية من خلال منجزات سياسية كبيرة، وتسجيل الحضور الإعلامي في أبعاد تتجاوز حدود الوطن. وليس هناك أهم من مصادرة الحقيقة في انتخابات يراقبها العالم، ويتابعها الشعب المغربي بشغف كبير. لذلك أعلنت الجماعة في بلاغها المشار إليه سابقا، والذي نشرته في موقعها الرسمي على الشبكة العنكبوتية، بعد استعراض العمليات الحسابية والنتيجة التي توصلت إليها، قائلة: “نحيي عاليا الشعب المغربي الأبي على استجابته الواسعة لنداءات كل دعاة مقاطعة الانتخابات العبثية” !

إن ادعاء الاستجابة لنداءات المقاطعة هو ادعاء نفخت فيه الجماعة بشكل فضيع، وهو في الحقيقة ليس أكثر من ديماغوجية سياسية حجمها في الواقع محدود. لكنها ديماغوجية تفرضها الإكراهات الداخلية للجماعة في ظل موقفها الانتظاري الذي لا يتناسب مع فطرة الإنسان التي تتطلع إلى المشاركة في القرارات التي تهم الجميع بما فيهم أعضاء الجماعة نفسها.

قد تشعر الجماعة بالارتياح إلى أرقامها التي وفرت لها ما تبرر به مخاطبة الشعب المغربي من موقع القائد السياسي الذي يشير ببلاغ فيطيع الشعب بمقاطعة! لكن الذي ينبغي أن تنتبه إليه الجماعة قبل فوات الأوان هو أنها صنعت لنفسها عالما افتراضيا تسجل فيه البطولات، بذل اعتماد النضال الجماهيري الميداني المستمر، و الاكتفاء برصد المحطات السياسية لتسجيل حضورها الإعلامي، من خلال دعوات تزيدها بعدا وأرقاما تصم أعمالها بالعبثية السياسية.