مجتمع

اجتماعات وتعليمات متواصلة.. العطف الملكي يعبر بسكان الجبال محنة الزلزال

بدأت الحياة تعود شيئا فشيئا إلى طبيعتها، في المناطق المتضررة من زلزال الحوز المدمر، وبالرغم مما خلفته هذه الكارثة الطبيعية من خسائر بشرية ومادية، إلا أن سابغ العطف الذي أحاط به الملك محمد السادس سكان هذه المناطق الجبلية، منحهم دفعة معنوية قوية من أجل تجاوز هذه المحنة وبداية الاندماج التدريجي مع واقعهم الجديد في ظل تجند جميع مكونات الدولة المغربية مدنية وعسكرية لتنفيذ تعليمات ملك البلاد لإغاثة ودعم متضرري الزلزال.

ومنذ توليه العرش، دأب الملك محمد السادس، على أن يكون أول من يتفاعل مع الأزمات والأحداث الأليمة التي حلت بالبلاد وتضرر منها المغاربة، وآخر هذه الأحداث “زلزال الحوز” الذي راح ضحيته قرابة 3 آلاف شخص لحد الآن، حيث وجه الجالس على عرش المملكة تعليماته منذ اللحظات الأولى للزلزال إلى القوات المسلحة الملكية لـ”التحرك بشكل عاجل وفوري” للتعامل مع تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد، ونشر “وسائل بشرية ولوجيستية مهمة، جوية وبحرية”.

وإلى حدود أمس، عقد الملك محمد السادس ثلاث اجتماعات بالقصر الملكي بالرباط، حضرها مسؤولون حكوميون وعسكريون، تمخض عنها اتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، وتخصيص منح مالية لمساعدتهم ومنح صفة مكفولي الأمة لليتامى وتوفير ظروف استكمال الدراسة للتلاميذ، والرفع من جودة الخدمات العمومية بهذه المناطق، مؤكدا في تعليماته على الاستجابة القوية، السريعة، والاستباقية لحاجيات الساكنة واحترام كرامتهم، وعاداتهم وأعرافهم وتراثهم في إشارة لاحترام تنوع الهوية الوطنية كما حددها دستور البلاد.

في هذا الإطار، قال محمد الديش، المنسق الوطني للائتلاف الوطني من أجل الجبل، إن “البلاغ الأول للديوان الملكي حَمل معه إجابات كثيرة لما ضمناه في مذكرتنا المطلبية حول السياسات العمومية الخاصة بالمناطق الجبلية والتي صاغها الائتلاف منذ 2017، وراسل بخصوصها الحكومة السابقة”، مضيفا أنه ما فتئ يطالب بتبني سياسات عمومية ملائمة ومنصفة ومناسبة لخصوصيات المناطق الجبلية، وتضمن العدالة المجالية وتكافئ الفرص وولوج المواطنين كافة بشكل متساو للخدمات العمومية ولحقوقهم الأساسية.

ويرى الديش، أن توالي بلاغات الديوان الملكي بعد تدقيق الرؤيا وخارطة الطريقة ومنهجية الاشتغال “ينم عن الحس المهم والمرهف للإنصات والتعامل الإيجابي مع كارثة من هذا الحجم”، مؤكدا أن “هذه البلاغات فيها إشارات كثيرة لما يمكن أن يكون عليه المجال الجبلي في المغرب وبالتالي ما سيكون عليه مستقبل المغرب والمغاربة والوطن”.

وأبرز في تصريح لجريدة “العمق”، أن الخطة التي ستعتمد للتعامل مع هذه الكارثة، التقطت السياق المجالي الذي وقع فيه الزلزال، وهي جبال الأطلس الكبير الأوسط، وبعض المناطق في السفوح والتي تضررت أيضا، وهي امتداد للجبل، مضيفا أن التعامل مع الأضرار في سواء الإنقاذ أو إيصال المساعدات، أظهر حجم التهميش والخصاص والفقر الذي تعانيه هذه المناطق الجبلية.

ومضى مستطردا: “الزلزال أبان عما كنا نطالب به وننادي به من أن المناطق الجبلية هي الأكثر فقرا وبطالة وأمية وتهميشا وأقل وصولا وولوجا للشغل والدخل، وظهر كذلك أن هذه المناطق مهمشة لعقود وراكمت هذا العجز ولم ترد ولم ترغب الحكومة المتعاقبة في جبر ضررها”، مضيفا أن المطالب التي لم تستجب لها الحكومات عن “طيب خاطر” هاهي تستجيب لها تحت وقع الزلزال.

في السياق ذاته، قال عثمان عزيز، وهو إطار تربوي بإقليم الحوز، مركز الزلزال، إن البرنامج الضخم الذي أعلن عنه الملك محمد السادس لإعادة إعمار المناطق المتضررة بميزانية فاقت كل التوقعات خلفت ارتياحا كبيرا في نفوس الساكنة المتضررة وهو دليل، يضيف المتحدث، على الحرص الملكي على توفير جميع ظروف الراحة والكرامة للمواطنين.

وأضاف عزيز ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أنه “منذ وقوع الفاجعة تجند المجتمع المغربي بمختلف أطيافه وراء الملك محمد السادس بعد إعلانه لحزمة من الإجراءات الرامية إلى إنقاذ أرواح المواطنين وضمان سلامتهم وفتح المسالك وإيصال الحاجيات الأساسية وتوفير الخيام كمساكن مؤقتة”.

وسجل المتحدث استئناف الخدمات العمومية بإقليم الحوز، كما أوصى بذلك الملك، “فمثلا في مجال التعليم تم اتخاذ عدد من الإجراءات لضمان الاستمرارية البيداغوجية من خلال تعويض الحجرات المتضررة بخيام ووحدات متنقلة. كما تم تحويل عدد كبير من التلاميذ هنا في الحوز نحو مؤسسات عمومية وخصوصية داخل وخارج الإقليم مع توفير الدعم النفسي والبيداغوجي لهم خلال هذه الفترة الحساسة”.

وأكد الإطار التربوي، أن “انخراط القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والوقاية المدنية والقوات المساعدة والسلطات المحلية والجماعات الترابية وهيئات المجتمع المدني ومختلف القطاعات الوزارية وراء الملك محمد السادس، ساعد على تجاوز هذه المحنة والانطلاق في مسيرة تنموية بنفس الروح والإرادة السائدة قبل الزلزال”.

بدوره، سجل سعيد صابر، وهو رئيس جمعية “بئر تلات مارغن” بجماعة “أغواطيم” بإقليم الحوز، أن التعليمات الملكية للحكومة ولمختلف أجهزة الدولة منذ الوهلة الأولى من حدوث هذه الكارثة، خففت من محنة الساكنة وزرعت الطمأنينة بينهم، حيث لاحظنا استنفارا كبيرا للقوات المسلحة والدرك الملكي والوقاية المدنية، إلى جانب الاستنفار الشعبي لإغاثة وإيصال المساعدات للمتضررين.

وأضاف صابر في حديث مماثل مع الجريدة، أن “المبادرة الملكية كانت من أهم المبادرات، حيث أنه منذ الوهلة الأولى، اجتمع الملك بأعضاء الحكومة، وتم اتخاذ كل القرارات الضرورية في مثل هذه الكوارث بحكمة ورزانة، وانطلقت عمليات الإغاثة وإيصال المساعدات”، مضيفا أن الشعب لم ينتظر أي إشارة من أحد، وهب هو الآخر للمساعدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *