وجهة نظر

البيجيدي والكوارث وسوء التقدير السياسي

أثار بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية ليوم أمس الأحد 24 شتنبر جدلا سياسيا وعقديا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتوقع أن يثير موجة تسونامي إعلامية قد تخلف خسائر سياسية وتنظيمية داخل حزب المصباح.

البلاغ تضمن فقرة تبنت “التفسير الغيبي الآلي” للكوارث الطبيعية ومنها الزلازل. وذلك التفسير يجعل الذنوب والمعاصي من بين أسباب حدوث الكوارث الطبيعية ومختلف المصائب إن لم يكن سببها الرئيسي، وأنها عقاب من الله لعباده على تلك الذنوب والمعاصي. وهو جدل قديم بين المسلمين يتجدد مع كل كارثة وفاجعة. وهو تفسير يظهر عند كل كارثة أو مصيبة، وينتعش اليوم بشكل غير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي.

“التفسير الغيبي الآلي” للكوارث الطبيعية، لا يخص حزب المصباح بل هو اعتقاد منتشر بشكل واسع بين المسلمين في العالم، وينتشر بين مختلف فئاتهم ومن مختلف المستويات بما فيهم العلماء والدعاة، والمغرب لا يشكل استثناء. غير أنه تفسير لاقا ويلاقي على الدوام انتقادات تناقش أسسه المرجعية والتي يمكن اختصارها، أي الانتقادات، في كون ذلك التفسير يتجاوز ما أخبر الله عنه ورسوله إلى “التّقوُّل على الله بغير علم”. وهذا بُعد أشبع كتابة من علماء ومفكرين سنذكر بالخصوص أقربهم إلى حزب المصباح، وهما العالم الأصولي أحمد الريسوني والأصولي الدكتور سعد الدين العثماني، وهما غنيان عن التعريف لا على مستوى العلوم الشرعية ولا على مستوى علاقتهما بالحزب.

موضوع هذا المقال ليس مناقشة “التفسير الغيبي الآلي” للكوارث الطبيعية، فقد كتبت شخصيا حول الموضوع أكثر من مرة وانتقدت فيه تعميم ذلك التفسير على ما يحدث بعد انقطاع الوحي، وخاصة ادعاء أن كارثة معينة هي بسبب الذنوب والمعاصي، كان آخرها بمناسبة جائحة كورونا وعنوان المقال “جائحة كورونا ليست عقابا إلهيا”. لذلك فموضوع هذا المقال ليس مناقشة ذلك “التفسير الغيبي الآلي” للكوارث والمصائب، بل انتقاد سوء التقدير السياسي في النازلة من طرف حزب المصباح.

لماذا الحديث عن التقدير السياسي؟

كما تمت الإشارة سابقا، فالأمر يتعلق بقضية خلافية، يتنازعها توجهان رئيسيان توجه يتبنى “التفسير الغيبي الآلي” للكوارث الطبيعية بربطها بالذنوب والمعاصي، وتوجه يعتبر تخصيص إعمال ذلك التفسير في نوازل محدد في الزمان والمكان. ولكل واحد منهما أدلته وحججه وتفسيراته وتأويلاته. وداخل حزب المصباح أيضا نجد هذين التوجهين المختلفين على مستوى القيادات كما على مستوى القواعد. ما يعني أننا أمام مسألة خلافية سواء على مستوى الحزب أو على مستوى وسط علماء الشريعة ودعاتها أو على مستوى المجتمع المسلم بشكل عام.

وفي مثل هذه القضايا الخلافية، وحتى لو افترضنا أن جميع أعضاء الأمانة العامة للحزب مقتنعة بذلك “التفسير الغيبي” للكوارث، فالحكمة السياسية تفرض أن تراعى مستويات الخلاف حول المسألة كما أشرنا إليها، وإعمال منهج الترجيح بين المفاسد والمنافع المتوقعة من الموقف.في بلاغ الأمانة العامة الصادر عن اجتماعها الطارئ المنعقد على أثر كارثة زلزال الحوز بتاريخ 9 شتنبر، كان “التفسير الغيبي” لزلزال الحوز شبه غائب، وتعرضت له عبارة بشكل لم يثر أية ردود فعل سلبية، لأنها كانت حذرة وذكية. وتقول العبارة المنقولة عن كلمة الأمين العام ذ عبد الإله ابن كيران: ” … داعيا جميع المغاربة إلى التمسك بحبل الله المتين ومراجعة النفس، والمبادرة إلى التضامن مع ضحيا الزلزال …”. فالدعوة إلى التمسك بحبل الله المتين ومراجعة النفس لا يمكن أن يثير جدلا ولا انتقادات، لأنه خطاب عام.

لقد تحدث بعض المصادر عن أن اجتماع الأمانة العامة للتاسع من شتنبر عرف نقاشات واختلافات حول المسألة، وأن النتيجة كانت هي الصيغة التي خرج بها ذلك البلاغ. وذلك يعني أن ثمة نقاش حول التقدير السياسي للموضوع، وتم ترجيح الصيغة التي خرج بها البلاغ سالما مما قد يضع الحزب هدفا للانتقادات والاتهامات.
وبعد مرور أزيد من أسبوعين عن بلاغ التاسع من شتنبر تعود الأمانة العامة لتضمن بلاغها فقرة تتبنى “التفسير الغيبي الآلي” لزلزال الحوز، لتنطلق سلسلة الهزات الإعلامية ضده وكان بإمكانه تجنب ذلك.

عدم الاعتبار من التاريخ

ليست هذه هي المرة الأولى التي يواجه فيها إسلاميو حزب المصباح موجة انتقادات بسبب تبني “التفسير الغيبي الآلي” للكوارث، فقد كان أول جدل فكري وسياسي وإعلامي كبير عرفه المغرب كان سنة 2005، وكان خلفه مقال نشر بجريدة التجديد لرئيس تحريرها حينها حسن السرات، وكان مدير نشر الجريدة هو الأستاذ عبد الإله ابن كيران.

والمقال الذي كان تحت عنوان “السياحة الجنسية وزلزال تسوماني … إنذار مبكر للمغرب قبل فوات الأوان”، فسر تسونامي الذي ضرب عددا من سواحل جنوب شرق آسيا حينها باحتمال أن يكون عقابا من الله على ما تعرفه تلك المناطق من سياحة جنسية يستغل فيها الأطفال، ودعا إلى الاعتبار من ذلك على خلفية ما يروج عن السياحة الجنسية في المغرب.

ومقال السرات أثار ردود فعل سياسية وإعلامية كبيرة، تمثلت في حملة إعلامية رافضة ومنتقدة لذلك التفسير وتتهم الجهة الناشرة والتيار الذي تمثله، وحراك سياسي على شكل وقفتين وطنيتين، وقفة مضادة للجريدة نظمت أمام مقرها، وسجلت حضورا لوسائل الاعلام على رأسها قناة “دوزيم”. ووقفة مساندة لها كانت أضخم وأقوى.

الجدل الإعلامي والسياسي الذي أثاره مقال التجديد حينها أشعل فتيل الصراع بين العلمانيين والإسلاميين في المغرب، والانتقادات التي خلفها المقال كانت موجهة لحركة التوحيد والإصلاح الناشرة للجريدة وحزب العدالة والتنمية إضافة إلى الجريدة. وكان الجدل فرصة للبعض للمطالبة بحل الحزب والحركة معا.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا لم تعتبر قيادة الحزب وعلى رأسها الأستاذ ابن كيران من حادث مقال التجديد يناير 2005؟

التاريخ لا يعيد نفسه

التاريخ لا يعيد نفسه، ولكن إعادة نفس الأخطاء قد تعيد نفس ردود الفعل أو أخطر، وهذا بالضبط ما انطلق مند أمس، وظهرت خطابات تطالب بحل الحزب، ومن المتوقع ألا تتوقف موجة الانتقادات والاتهامات.

إن الذي لم تنتبه له قيادة الحزب هو أن السياق الحالي يختلف بشكل جذري عن السياق الذي جاء فيه مقال التجديد. فهذا الأخير جاء بعد موجة التعاطف مع الحزب جراء تحميله المسؤولية المعنوية لأحداث الإرهاب في الدار البيضاء سنة 2003، بعد أن أصبح ظهور الحزب قويا ومتصاعدا كحامل للقيم الإسلامية ومدافع عنها ينشط بشكل ممتاز من موقع المعارضة. والسياق الحالي سياق يطبعه “الاندحار” الانتخابي للحزب وتهميشه السياسي، ويتميز بالتعاطف الواسع وغير المسبوق للمغاربة مع ضحايا زلزال الحوز والتي ترجم في هبة اجتماعية استقطبت اهتمام الاعلام على مستوى العالم. وإعمال “التفسير الغيبي الآلي” في زلزال الحوز بربطه مع الذنوب والمعاصي لن يجد سوى الرفض الواسع حتى وسط أشد المعتقدين بذلك التفسير، والذين سيرون أن السياق يقتضي عدم إعماله.

والخصوصية التي تميز السياق الحالي، المشار إليها، تمنع أية “فائدة” ممكنة من إعمال ذلك “التفسير الغيبي الآلي” لكارثة زلزال الحوز، لا من الناحية الدعوية، حيث لا ينتظر أحدا من بلاغ حزب سياسي أن يعظه، ولا من الناحية السياسية، حيث سيتكون ردود الفعل الشعبية عكسية.

إن نازلة بلاغ الأمانة العامة المتبني لـ”التفسير الغيبي الآلي” لكارثة زلزال الحوز تكشف بالملموس كيف أن مراهنة الأستاذ عبد الاله ابن كيران على المرجعية الإسلامية لإعادة الانتعاش للحزب في علاقته مع قواعده الانتخابية ومع المغاربة بشكل عام، تحتاج إلى مراجعة جذرية وتجديد شامل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • جمال
    منذ 7 أشهر

    الذي يرى أنه عقاب من الله يتأله و الذي يرى أنه ليس عقاب من الله أيضا يتأله. يبقى الإحتمال الثالث و هو الله أعلم