وجهة نظر

الحكومة والدفع بعدم قبول مقترحات القوانين

المحلل السياسي أحمد بوز

يصطدم العمل البرلماني في الوقت الحاضر بممارسة من جانب الحكومة أقل ما يقال عنها إنها تبدو غريبة، حيث تعبر عن رفضها لعدد من مقترحات القوانين التي يتقدم بها النواب أو المستشارين بمجرد أن تنتهي من دراستها “لجنة وزارية” أحدثت لهذا الغرض بعد أن تكون قد أحليت عليها من طرف رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، وفقا لما تفرضه ذلك مقتضيات النظام الداخلي لكل من مجلس النواب (م 176) ومجلس المستشارين (م 194).

ورغم عدم توفر إحصائيات دقيقة حول عدد المقترحات التي واجهت هذا المصير، فإن المعطيات التي قدمتها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في بلاغ صادر عنها في أعقاب ختام السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحالية تعطي فكرة عن هذا الموضوع، وتبرز الضعف الكبير الذي لا تزال تواجهه المبادرة التشريعية التي يكون مصدرها البرلمان، الذي لم يصادق إلا على مقترحي قانون طيلة السنة المذكورة من أصل 172 مقترح قانون تم تقديمه، بينما لم تحدد الحكومة موقفها إلا من 122 مقترح بينما ظل مصير 50 مقترحا معلقا.

وليست المرة الأولى في ظل دستور 2011 التي يجد فيها البرلمان نفسه أمام نزوع حكومي نحو تحجيم دوره التشريعي والتضييق على فرصه في المبادرة من خلال ممارسات غير دستورية. فقد حاولت الأمانة العامة للحكومة في مستهل أول ولاية تشريعية في ظل الدستور المذكور تطويع بعض مقتضيات الدستور لكي تسمح لها بتكريس المبادرة التشريعية على مستوى القوانين التنظيمية كمجال محفوظ للحكومة، منطلقة في ذلك من الفصل 49 من الدستور، الذي يجعل “مشاريع القوانين التنظيمية” من المواضيع المشمولة بالمرور الإجباري على المجلس الوزاري، الذي ينعقد برئاسة الملك، وبصفة خاصة من الفصل 86 من الدستور، الذي لم يتحدث إلا عن “مشاريع القوانين التنظيمية”، التي فرض وجوب عرضها على البرلمان قصد المصادقة عليها، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور. وهي المحاولة التي ووجهت بمقاومة شديدة من قبل أعضاء البرلمان، أغلبية ومعارضة، قبل أن تأتي الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان بتاريخ 25 نونبر 2013 بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيسه، لكي تتثني على “المجهود المبذول من طرف أعضاء مجلسي البرلمان في مجال المبادرة التشريعية، سواء بالنسبة للقوانين التنظيمية أو العادية”، ولكي تحسم الجدل الذي أثاره هذا الموضوع.

ما يثير الانتباه أكثر في هذه الممارسة الحكومية الجديدة القديمة، والتي أصبحت تواجه بردود الفعل من جانب أعضاء المجلسين معا، هو أن سبب الرفض يظل مجهولا، حيث تكتفي رسالة الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان التي يتوصل بها في الموضوع كل من رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين، بحسب الحالة، بالإشارة إلى أن “مقترح القانون غير مقبول” دون أن تعلل سبب هذا الرفض أو تقدم توضيحات ما بشأن موقفها هذا، حتى يتسنى لأصحاب المبادرة، على الأقل، الوقوف على تبريرات الحكومة وتقديراتها، التي قد تكون لها ما يسندها، إن لم يكن من الناحية الدستورية فعلى الأٌقل من الناحية السياسية أو من الناحية المالية.

فضلا عن ذلك، لا يفهم موقف الحكومة هذا إذا كانت الأغلبية التي تتوفر عليها في البرلمان، بمجلسيه، تعد امتدادا سياسيا لها، ويمكنها أن تسمح لها في أي مرحلة من مراحل المناقشة، سواء في إطار اللجان الدائمة أو خلال الجلسات العامة التشريعية، أن تتصدى لبعض المبادرات التشريعية التي يكون مصدرها البرلمان، وعلى وجه الخصوص المعارضة البرلمانية، على اعتبار أن مبادرات فرق الأغلبية، يفترض فيها، من الناحية المبدئية والسياسية، أن تتم في إطار التنسيق بين مكوناتها والتناغم مع الاختيارات التشريعية للحكومة. فضلا عن ذلك، فإن واقع الممارسة البرلمانية المغربية أظهر أن الأغلبية البرلمانية تتماهي بكيفية تكاد تكون مطلقة مع مبادرات ومواقف الحكومة.

لقد كانت هذه الممارسة مقبولة ولها ما يسندها من الناحية الدستورية في ظل الدساتير السابقة، التي خولت لمكتب كل من مجلسي البرلمان أن يضع جدول أعماله، وتفرض في نفس الوقت أن يتضمن هذا الجدول بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة مناقشة مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة واقتراحات القوانين التي تقبلها (الفصل 59 من دستور 1962، الفصل 56 من دستور 1996). غير أنها لا تبدو كذلك في دستور 2011 في ظل التعديل الجوهري الذي حمله الفصل 82 منه، حيث خول هو الآخر لمكتب كل مجلس من مجلسي البرلمان الصلاحية لأن يضع جدول أعماله، وفرض أيضا أن يتضمن هذا الجدول مشاريع القوانين ومقترحات القوانين، بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة، لكن دون الإشارة إلى العبارة التي كانت تجعل قبول أو رفض الحكومة لمقترحات القوانين معيارا محددا في وضع جدول الأعمال المذكور.

على هذا الأساس، فإن دستور 2011 وإن ظل وفيا لخيار “العقلنة البرلمانية” فإنه لم يعطي صلاحية مطلقة للحكومة لأن تعترض على المبادرات التشريعية التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، سواء اتخذت شكل مقترحات قوانين أو تعديلات على مقترحات أو مشاريع القوانين، بل حصرها في حالات محددة، تتجلى في ما يلي:

أولاـ عندما تقدر الحكومة أن مبادرة تشريعية ما مصدرها البرلمان (مقترح قانون، مقترح تعديل) تتجاوز حدود المجالات التي تندرج في اختصاص القانون، والمحددة على سبيل الحصر في الفصل 71 من الدستور، وتشكل بالتالي اعتداء على مجال التنظيم الذي يخوله الفصل 72 من الدستور للحكومة. فإذا ما تطور هذا الموضوع إلى خلاف بين الحكومة والبرلمان يجوز لهما معا أن يطلبا تدخل المحكمة الدستورية للبت فيه (ف 79).

ثانياـ في الحالة التي ترى فيها الحكومة أن مقترحا أو تعديلا يمكن أن يشكل إخلالا بالتوازن المالي الذي يجعل الدستور الحكومة مستأمنة على حفظه، حيث يخولها الدستور الإمكانية لأن ترفض المقترحات والتعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود، لكنه يشترط أن يكون ذلك الرفض مشفوعا ببيان الأسباب (ف77).

ثالثاـ عندما تدفع الحكومة بعدم القبول الذي يكون الغرض منه الإقرار بأن النص المعروض يتعارض مع مقتضى أو عدة مقتضيات دستورية، الذي ينتج عن المصادقة عليه رفض النص المثار بشأنه الدفع، وإن كان هذا الاعتراض لا يهم فقط المبادرة البرلمانية بل كل مشاريع النصوص التشريعية بغض النظر عن مصدرها، سواء أكانت الحكومة أم البرلمان.

رابعاـ عندما ترى الحكومة أن بعض النصوص التي سبق للبرلمان أن اعتمدها خلال مختلف الولايات التشريعية تتضمن مقتضيات تنظيمية، وإن كان هذا الاعتراض لا يتعلق في حقيقة الأمر بالمبادرة التشريعية البرلمانية وإنما يمس كل نص تشريعي سبق للبرلمان أن اعتمده بغض النظر عن طبيعة الجهة مصدر المبادرة. ففي هذه الحالة يمكن للحكومة، عن طريق رئيسها، أن تطلب من المحكمة الدستورية التصريح بكون أحكام محددة طلبت رأيها فيها لا تندرج ضمن مجال القانون حتى ولو كانت نصا تشريعيا من حيث الشكل، وإنما يدخل مضمونها في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصها (ف 73).

خامساـ في الحالة التي تفتتح فيها المناقشة ويقدم تعديل خلال الجلسة العامة دون أن يكون قد عرض من قبل على اللجنة التي يعنيها الأمر، حيث يمكن للحكومة أن تعارض في بحث ذلك التعديل، كاستثناء على الحق في التعديل المخول دستوريا لأعضاء مجلسي البرلمان وللحكومة (ف83).

لذلك، فإذا كانت الحكومة قد استمرت في اعتراضها على مقترحات القوانين قبل أو بعد إحالتها على اللجان النيابية المعنية بالتداول فيها، وفقا للمسطرة المنصوص عليها دستوريا والمفصل فيها في النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان (المواد من 180 إلى 184 من النظام الداخلي لمجلس النواب، والمواد من 199 إلى 210 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين)، فإن سلوكها هذا لا يبدو مقبولا ليس فقط من الناحية الدستورية ما دام الدستور حدد وبكيفية حصرية الحالات التي يجوز فيها أن يكون لها موقفا من هذا النوع، وفقا لما أوضحنا ذلك آنفا، وإنما أيضا من الناحية السياسية والعملية.

ذلك أن سلوكا من هذا النوع يشكل وقوفا في وجه المبادرة البرلمانية وعرقلة أكيدة لعملية التشريع باعتبارها أهم وظيفة تخولها مختلف الدساتير في العالم إلى هذه المؤسسة، بل إن اسمها يقترن بها (المؤسسة التشريعية). هذا في وقت كثيرا ما يعاب فيه على البرلمان بأنه قليل المبادرات في هذا المجال، وانتبه فيه المشرع الدستوري لأهمية هذا الإشكال عندما نص دستور 2011 على أنه يضمن للمعارضة حقوقا محددة من بينها “المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لا سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان” (ف10)، وكذلك عندما نص على تخصيص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة (ف82 ف2). كما انتبه المشرع البرلماني إلى ذات الإشكال عندما ضمن النظام الداخلي لمجلس النواب مقتضى يجعل مقترحات القوانين تحظى بنفس القيمة في المناقشة، حيث يمكن أن ترجح على مشاريع القوانين إذا ما أودعت أولا بمكتب المجلس ما لم يقرر هذا الأخير خلاف ذلك مع بيان الأسباب الداعية إلى ذلك (م 180).

وبالتالي، فإن مكتب كل مجلس من مجلسي البرلمان له كامل الصلاحية لإحالة مقترحات القوانين على اللجان الدائمة المعنية، من أجل برمجتها في جدول أعمالها، دونما اعتداد بموقف الحكومة منها، وأثناء المناقشة يمكن للحكومة الرافضة لهذه المبادرة التشريعية أن تقنع الأغلبية بمضمون اعتراضها، وتدفعها إلى التصويت ضدها من أجل إسقاطها.

صحيح أن مثل هذه الخيار يصطدم بعدم حضور الحكومة جلسة المناقشة، لكن ذلك لا يجب أن يمنع اللجان الدائمة المعنية من أن تباشر مناقشتها لتلك المبادرات التشريعية حتى بدون حضور أعضاء الحكومة. فالممارسة البرلمانية في إطار الدستور الحالي سبق لها أن عرفت مناقشة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان لمقترح قانوني تنظيمي يتعلق بلجان تقصي الحقائق في ظل غياب الحكومة، وعندما طلبت الحكومة خلال الجلسة العامة إرجاء هذا المقترح إلى اللجنة المعنية فإن ذلك لم يكن بسبب عدم حضورها مناقشته وإنما لأنها كانت تعارض تقديم مقترحات في المجالات التي يحيل الدستور إلى تنظيمها بقوانين تنظيمية.

كما أنه ليس في الدستور أو في النظام الداخلي لكل مجلس من مجلس البرلمان ما يفرض مناقشة مقترحات القوانين بحضور الحكومة، وانتظار هذه الأخيرة لأن تبدي رأيها فيها. فهي تقدم من طرف واضعيها أو ممثلي واضعيها أو مقرر اللجنة المختصة المعين إذا كانت محالة من مجلس على آخر، وتناقش من طرف أعضاء اللجنة وفقا لجدولة زمنية محددة. وإذا كانت الحكومة لها الحق في أن تعقب على مقترحات القوانين بعد الانتهاء من المناقشة، كما لها الحق في أن تقدم التعديلات التي تراها ضرورية (م 182 من النظام الداخلي لمجلس النواب، م 206 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين)، فإن ذلك لا يعد شرطا لازما لصحة المناقشة بل هو حق اختياري يمكن للحكومة أن تمارسه كما يمكنها ألا تفعل، ولا يخل ذلك بصحة المسطرة التشريعية المتبعة ما دام ذلك كان باختيارها.

وبالتالي، فإن عدم ممارسه الحكومة له يعد تفويتا من جانبها لحق خوله لها المشرع، وإخلالا بواجب فرضه عليها المشرع نفسه عندما نص على أنه “يشارك أعضاء الحكومة في أشغال مجلس النواب ومجلس المستشارين كلما تعلق الأمر بتقديم ومناقشة مشاريع القوانين ومقترحات القوانين المسجلة في جدول أعمال أحد المجلسين” (م 24 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة).

ما يعزز ذلك أكثر ما خلصت إليه المحكمة الدستورية في قرارها رقم 21/115 الخاص بمراقبة دستورية القانون المتعلق بإلغاء وتصفية نظام المعاشات المحدث لفائدة أعضاء مجلس النواب بموجب القانون رقم 24.92، حيث اعتبرت أنه يعود للحكومة وحدها تقدير استعمال ما كلفها لها الدستور من إمكانيات وحقوق تتعلق بالمسطرة التشريعية فيما يتعلق بالقانون المحال المتأتي من مبادرة تشريعية لأعضاء مجلس النواب، مشيرة، في نفس الوقت، إلى أن عدم مشاركة الحكومة في المسطرة التشريعية المتبعة لإقرار القانون المحال، وعدم استعمالها لهذا الحق لا ينهض وحده سببا للتصريح بمخالفة الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال للدستور، ما عدا إذا ثبت أنه قد حيل بين الحكومة وممارسة اختصاصاتها في مجال المسطرة التشريعية، بسبب تخلف مجلسي البرلمان أو أحدهما عن اطلاعها، أولا بأول، على مختلف الإجراءات المتبعة لإقرار القانون المحال، بدءا من إيداعه بمكتب المجلس المعني إلى غاية التصويت عليه.

أما خيار اللجوء إلى المحكمة الدستورية قصد استفتاء رأيها في هذا الموضوع، الذي طرحه بعض البرلمانيين، فإنه يبدو، في تقديري، غير ممكن وفقا لما يتصوره هؤلاء بالاستناد على مقتضيات الفصل 79 من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، التي تعطي لرئيس مجلس النواب أو المستشارين الإمكانية لأن يقدم طلبا للمحكمة المذكورة بالبت في الخلاف بين الحكومة والبرلمان. فمثل هذا الخيار يصطدم بكون هذه الإمكانية، المتاحة أيضا للحكومة، لا تنصب إلا على الحالة التي يكون فيها النزاع بين المؤسسيتين، التشريعية والتنفيذية، يهم مبادرات تشريعية تقدم بها البرلمان وعارضتها الحكومة من منطلق أنها تدخل في مجال التنظيم الذي هو اختصاص حكومي.

وهذا النوع من الاعتراض يكون بعد انطلاق المناقشة وليس قبلها، بدليل ما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة 188 من أنه: “يمكن للحكومة أن تدفع بعدم القبول كل مقترح أو تعديل لا يدخل في اختصاص السلطة التشريعية، استنادا للفصل التاسع والسبعين من الدستور. وإذا لم يتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن تتوقف المناقشة ويرفع الرئيس النازلة إلى المحكمة الدستورية للفصل فيها طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل التاسع والسبعين من الدستور”. وكذا ما ينص عليه النظام الداخلي لمجلس المستشارين في المادة 216 من أنه “للحكومة أن تدفع بعدم قبول مقترحات القوانين المدرجة في جدول الأعمال، التي تعتبر أنها لا تدخل في اختصاص السلطة التشريعية، استنادا للفصل التاسع والسبعين من الدستور.  يتدخل في مناقشة هذا الدفع، على التوالي، الحكومة ورئيس أو مقرر اللجنة المختصة، وذلك في حدود خمس دقائق لكل متدخل. يعرض الدفع بعد ذلك على التصويت، ويترتب على المصادقة عليه توقف الدراسة ورفض مقترح القانون المثار بشأنه الدفع.  وإذا رفض المجلس هذا الدفع بالتصويت، تتوقف المناقشة وترفع النازلة إلى المحكمة الدستورية داخل أجل ثمانية أيام، للفصل فيها طبق لأحكام الفقرة الثانية من الفصل التاسع والسبعين من الدستور”.

وإذا ما أراد أعضاء البرلمان أن يجعلوا من هذا الخيار، أي بت المحكمة الدستورية في النزاعات التي يمكن أن تثور بين الحكومة والبرلمان حول اعتراضها على مقترحات القوانين أثناء إيداعها بمكتب المجلس دون تقديم تبرير لذلك، إمكانية قائمة في المستقبل، فإن ذلك يفترض القيام بمبادرة تشريعية، تتوخى أحد أمرين:

  • إدخال مقتضى في النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان أو لأحدهما فقط يمنع على الحكومة ممارسة مثل هذا الاعتراض، إذ في هذه الحالة ستكون المحكمة المذكورة ملزمة بالبث في هذا الموضوع لأنه متضمن في نص تشريعي مشمول بالإحالة الإجبارية على القضاء الدستوري، حتى ولو أن موقف المحكمة الدستورية قد لا يساير بالضرورة ما يطرحه المشرعون.
  • تضمين القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية مقتضى يعطيها الصلاحية للبث في مثل هذه النزاعات، سيما وأن الدستور أضحى يخول لها الإمكانية لأن “تمارس الاختصاصات المسندة لها بفصول الدستور وبأحكام القوانين التنظيمية” (ف 132). وقد حصل في إطار الممارسة التشريعية اللاحقة على دخول دستور 2011 حيز التنفيذ أن تم توسيع اختصاصات المحكمة خارج ما هو محدد بنص الدستوري، لكي تشمل البت في الأنظمة الداخلية للمؤسسات التي ينص الدستور على إحداثها وتنظيمها بقوانين تنظيمية، وتحديدا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية. كما أن القضاء الدستوري نفسه مجسدا في المجلس الدستوري السابق لم ينكر إمكانية بته في النزاعات المترتبة عن تطبيق أحكام النظام الداخلي لمجلس المستشارين إذا ما كان منصوصا عليها في القوانين التنظيمية (قرار المجلس الدستوري رقم 944 بتاريخ 18 شتنبر 2014).

قد يبدو تحويل هذا الخلاف بين الحكومة والبرلمان إلى معركة تشريعية ربما مسألة صعبة ومعقدة في ظل الوضعية الحالية للبرلمان، وطبيعة العلاقة الناظمة بين الأغلبية البرلمانية والحكومة. لذلك، فإن الاستمرار في طرح الموضوع من جانب البرلمانيين، وخاصة المعارضين منهم، يعد هو الآخر مسألة مهمة من الناحية السياسية لأنه يسبب الإحراج للجهاز التنفيذي ويؤدي إلى تسويق تصرفاته في علاقته بالمبادرة البرلمانية باعتبارها غير محترمة للقانون أو على الأصح للدستور.

* أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري (كلية الحقوق السويسي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *