مجتمع

دراسة ترصد وضعية السجناء الأحداث بالمغرب وتحذر من خطورة تقييد حريتهم

كشفت دراسة حديثة عن وضعية السجناء الأحداث بالمغرب خلال السنوات الأخيرة، مسجلة انخفاض عدد الجرائم المرتكبة من طرف الأطفال ومحذرة من خطورة احتجاز هذه الفئة من السجناء.

وخلصت الدراسة، التي أنجزها مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية بتعاون مع مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن بعنوان ” الأحداث في نزاع مع القانون وواقع أماكن الحرمان من الحرية”، أن المنحى العام يتجه نحو انخفاض عدد الجرائم المرتكبة من طرف الأطفال، وعدد المتابعات التي تم تحريكها ضدهم.

وأرجعت الدراسة ذاتها انخفاض عدد الأحداث نزيلي السجون إلى ثلاثة عناصر أساسية على الأقل وهي قصر العقوبات المحكوم بها على الأحداث تغيير التدابير في الفترة اللاحقة عن صدور العقوبة، وإجراءات العفو.

وأشارت الدراسة إلى أن سنة 2020 شكلت استثناء لأنها سجلت انخفاضا على جميع المستويات، وذلك راجع لوضعية الطوارئ التي فرضتها جائحة كرونا حيث إن حصر حرية الجولان أدى إلى تقليص الأفعال الجرمية وكذا عدد المتابعات والذي ساهمت فيه دورية رئاسة النيابة العامة التي حثت قضاة النيابة العامة على تفادي الاحتفاظ بالأحداث عند خرقهم لتدابير حالة الطوارئ الصحية، والاقتصار على تسليمهم للولي القانوني.

كما توجه القضاء، وفق الدراسة ذاتها، نحو خيار التدابير الحمائية للحدث في نزاع مع القانون في وسطه الطبيعي، حيث بلغت سنة 2018 ما مجموعه 15.982 تدبيرا (%76 من مجموع المتخذة) وتهم التسليم للعائلة والوضع تحت نظام الحرية المحروسة و15.517 تدبيرا (%67) سنة 2019، و 10.719 تدبيرا (64) سنة 2020 التدابير و12.727 تدبيرا (%68.77) سنة 2021.

إكراهات متعددة

أكدت الدراسة أنه “على الرغم من الإرادة الحسنة وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال هناك العديد من الإكراهات التي تحد من فعالية الإجراءات المتخذة في مجال رعاية الأحداث في نزاع مع القانون”.

وشددت الدراسة على أن الاكتظاظ يعتبر من المشاكل المزمنة التي تعاني منها هذه البنيات شأنها في ذلك شأن مختلف السجون المغربية، مضيفة أن لذلك تأثير كبير على جودة الخدمات المقدمة للأطفال، مقدمة المثال على ذلك بإصلاحية عين السبع بالدار البيضاء حيث كان عدد النزلاء بها حين تمت زيارتها من طرف لجنة إعداد الدراسة 916 نزيلا في حين أن طاقتها الاستيعابية لا تتعدى 688.

وأشار المصدر ذاته أنه قد حدث أن تم إيداع أزيد من 320 حدثا خلال شهر واحد أساسا نتيجة أحداث شغب إثر مباريات في كرة القدم، الأمر الذي تكون له انعكاسات على الخدمات التي تقدمها المؤسسة، تضيف الدراسة.

كما تعاني مراكز الإصلاح والتهذيب، وفق الدراسة، من خصاص في الموارد البشرية وخصوصا الأطر التي لها تكوين خاص لضمان الإشراف التربوي والنفسي للقاصرين، داعية لإيلاء اهتمام خاص لتكوين العاملين في مثل هذه المؤسسات على التكفل بالأطفال من خلفيات مهنية متنوعة، خاصة أنهم من يقدمون الرعاية الصحية ويمارسون التعليم والتكوين، وينظمون ويمنحون الحياة لأماكن الحرمان من الحرية حتى يمكنهم النهوض بمهامهم اشمل يتناسب مع وخصوصية المؤسسات التي يعملون بها.

وعلى الرغم من المجهودات الرامية إلى تحسين شروط العيش والعمل في هذه المراكز من قبيل ما تحقق هذه السنة من زيادة في ميزانيتها وتوفير التأمين للأحداث والعاملين على السواء، فإن الصعوبات التي يواجهها العاملون في هذه المراكز نتيجة الخصاص في الموارد البشرية وضعف الحوافز المادية وغيرها من القضايا، تدفي بعدد كبير من الأطر (حوالي 60 في المائة) لتطلب مغادرة العمل بهذه المراكز كما أن الخصاص في الموارد البشرية يجعل هذه المراكز تواجه مشكلة فرار بعض الأحداث المقيمين بها وخاصة في فصل الصيف.

إضافة إلى الخصاص في الموارد البشرية، يعاني الأطر والعاملون في هذه المراكز كما في غيرها من المراكز المماثلة من ضعف في التكوين الملائم لفئات الأحداث التي تستقبلها من أحداث في نزاع مع القانون أو في وضعية صعبة إضافة إلى غياب التكوين في مجال حقوق الإنسان في التكوين الأصلي.

كما تعاني هذه المراكز من نقص الإشراف الطبي إذ يقوم طبيب متعاقد بزيارة المركز مرة في الأسبوع بتعويض سنوي لا يتجاوز 7 آلاف درهم كما أن ميزانية الدواء لا تتجاوز هي الأخرى 6 آلاف درهم في السنة.

وفي ارتباط مع العناية الصحية، أشارت الدراسة إلى أن الأحداث المحرومين من الحرية المقيمين بمراكز حماية الأطفال، حسب تقييمات المسؤولين على هذه المراكز يستفيدون من الاستقبال المجاني بالمستشفيات العمومية، كما يستفيد من يعاني منهم من أمراض عقلية أو نفسية بمجانية الاستقبال الأول من قبل مختصين، وذلك بفضل تعاطف الأطباء مع هذه المؤسسات والأطفال حسب القدرة التدبيرية والتواصلية للمشرفين عليها.

خطورة الاحتجاز

شددت المركز في دراسته على أن احتجاز الأحداث يشكل إجراء من الخطورة لدرجة أنه لا يمكن أن يكون إلا ملجأ أخيرا، مقيداً بشكل صارم بمبادئ الشرعية والضرورة والتناسب، ملفتة أن سير أماكن الحرمان من الحرية لا يتماشى دائما، مع ضرورة حماية الأحداث بسبب هشاشتهم الخاصة، ولا مع ضمان استمرارية التكفل بهم، والذي يشكل تحديا رئيسيا أمام اندماجهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الحقوق الخاصة الأطفال والمراهقين المحرومين من الحرية أي الحق في التربية والحفاظ على الروابط العائلية مع الحفاظ على مكانة السلطة الأبوية، لا تكون مضمونة دائما.

في المغرب، وعلى الرغم من الجهود المتضافرة المبذولة لا تزال هناك العديد من الإكراهات التي تحد من فعالية الإجراءات المتخذة في مجال التكفل بالأطفال في وضعية نزاع مع القانون، ومنها وجود تفاوتات كبيرة بين مراكز حماية الطفولة والسجون من حيث البرامج التي يتم إنجازها.

ونبهت الدراسة إلى عدم تجانس كبير في الممارسات التي تتم في هذه الأماكن مع غياب استراتيجية واضحة ومقننة تهدف إلى تحسين إعادة تأهيل الأحداث في نزاع مع القانون، مع قلة الموارد المالية والمواد المخصصة لمراكز حماية الطفولة ولأماكن الاعتقال.

كما سجلت الدراسة خصاصا في الأطر التي لها تكوين خاص يؤهلها لتوفير التأطير البيداغوجي والتربوي والنفسي للأحداث، مضيفة أنه لا يسمح التصنيف القائم للأطفال بالتكفل المناسب للأطفال كما يطرح مشكلة في ما يخص سلامة الأطفال الأكثر هشاشة أقل من 12 سنة، وذوو الإعاقة، إضافة إلى أن ظروف الإقامة “الاحتجاز” صعبة، ونادراً ما تؤخذ المصالح السوسيو- تربوية للأطفال بعين الاعتبار،  كما تعاني المراكز من نقص مزمن في عدد العاملين بها.

كما من الضروري، وفق المصدر ذاته، أن يستفيد الأحداث في مختلف أماكن الحرمان من الحرية من طعام ذي جودة مقبولة من حيث المذاق والصحة والتغذية وبكميات كافية، مشددا على ضرورة الحفاظ على الروابط الأسرية للأحداث.

كما يفترض، وفق الدراسة، احترام الحفاظ على الروابط الأسرية وأن تمتنع المؤسسات عن التدخل المفرط في هذا الحق ويعني أن عليها أن تتخذ جميع التدابير اللازمة للتمتع به فعليا، إذ أن قرار المحكمة أو ضرورات التكفل هو الكفيل وحده بتعليل وضع قيود للحد من ممارسة هذا الحق.

وشدد المركز على أن تقوم كل مؤسسة تأوي الأحداث بتقييم مكانة العائلات في التكفل وأن تبلور بشكل رسمي ومنسق مخططا لتحسين دورها، مع تحسين الظروف المادية للتكفل بالأحداث ومراقبتها وتقييمها بشكل أفضل وإخضاعها لضوابط معينة تلبي الحاجة إلى توفير إطار تربوي مناسب.

وأبرزت الدراسة أن الأطفال من أكثر الفئات هشاشة بين الأشخاص المحرومين من الحرية نظرا لسنهم ومستوى نضجهم وهشاشتهم النفسية، فضلاً عن الآثار الضارة طويلة المدى للاعتقال على رفاههم ونموهم، وغالبًا ما يؤدي الحرمان من الحرية، وفق الدراسة، إلى زيادة تعرض الأطفال للوصم والعنف، نظرًا للظروف المعيشية غير الملائمة التي يعيشونها في كثير من الأحيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *