لنغير تغييرنا

هل تغير شيء؟
أحست المرأة ذات السابعة عشر عاما بألم المخاض، استدعوا القابلة على وجه السرعة، بذلت ما تستطيع من جهد.. صياح المرأة يملأ الآفاق. استسلمت أخيرا؛ يجب أن تحمل المرأة إلى المستوصف الصحي على وجه السرعة.
هل تغير شيء؟
بأعجوبة عثروا على سيارة “خطاف”، اشترط عليهم إضافة إلى أجرته أن يتكفلوا بإنقاذه من يد رجال الدرك إذا أوقفوه.. وفعلا أوقفوه ثم أشاروا إليه بالمرور لأن قلبهم رق لحال المتوجعة، أو لأن السائق رق لحالهم فأعطاهم ورقة أخرى غير أوراق السيارة.
هل تغير شيء؟
وصلت السيارة إلى المستوصف. لا شيء سوى الظلام ونباح كلب الحارس، ثم صوت الحارس وهو يحاول أن يظهر لهم أنه لم يكن نائما. أخبرهم أنه لا طبيب في المستوصف منذ انتقل ذاك الذي نعته أهل البلدة بـ”مول الدجاج”، وأن الممرضة سافرت منذ يومين لغرض شخصي لا علم له به.. نصحهم بمواصلة الطريق إلى المستشفى الإقليمي.. بينما تكاد روح المرأة الأم المستقبلية تخرج قبل خروج من في بطنها.
هل تغير شيء؟
تنطلق السيارة المهترئة مجددا.. صيحة مدوية بحجم انفجار قنبلة، يخرج الطفل صارخا، بينما كانت الصيحة الصرخة الأخيرة لأمه.. لم تره، لم تحضنه، لم تعطه ثديها كما حلمت، لم تغير حفاظته، لم تسمّه، لم…
هل تغير شيء؟
مأساة تحدث عنها الإعلام، وتظاهرت الجمعيات الحقوقية، وتأسف السيد الوزير وأمر بفتح تحقيق كما فتح تحقيقات سابقة.
هل تغير شيء؟
لتسجيل الولد في دفتر الحالة المدنية اصطف الأب المكلوم في طابور طويل، أغلب الموظفين غائبون، ومن حضر يجد وقتا للحديث المستفيض في الكرة، وزميلاته يتحدثن في ألبسة مذيعة تلفزية ومسلسل كالهم لا تنتهي حلقاته. بينما يهمس أحدهم في أذنه “راه خاصك تسربيهم باش يسربيوك. فهمتيني ولا لا؟”.
هل تغير شيء؟
من المدرسة يعود الولد.. المعلم الذي يضربهم إذا لم يحفظوا جدول الضرب مُضرب عن العمل، وقد ضربوه في الرباط.. والدولة كالأم من حقها أن تضرب أبناءها إن لم “يسمعوا كلامها” لم يسبق للولد أن قال لأبيه إنه يدرس في قسم يضم كل المستويات، وإن السبورة مهشمة، والنوافذ مكسرة، وإنهم يجلسون ثُلاث يقرؤون بصمت نص “أضرار التدخين” في انتظار أن يفرغ المعلم من إفراغ سخطه في سيجارته.
هل تغير شيء؟
في التلفاز رقص وهرج، ومسلسل يعاد للمرة “بلاحساب” ونشرة لعلها مسجلة من زمان تتحدث عن محاربة السكن العشوائي، والهدر المدرسي، والرشوة، والمخدرات، وحوادث السير، والسرطان، والسيدا، وتشغيل الأطفال، وتزويج القاصرات، والعنف ضد النساء…
تغير شيء..
لاحظَ أن بعض الوجوه تغيرت، وأن بعضها حلق شاربه، وبعضها أرخاه، وبعضها شذب لحيته، وبعضها كان يصيح وأصبح يسيح، وبعضها غير مكانه وأصبح أيضا ينادي بالتغيير ومحاربة التغيير الذي قال هؤلاء المغيرون إنهم سيغيرونه، ولعله فعلا تغير شيء. فالكثيرون في هذا الوطن الحبيب غيروا أنفسهم بدل أن يغيروا ما بأنفسهم.
اترك تعليقاً