وجهة نظر

محامي يعدد “أغرب” المقتضيات القانونية في مدونة الأسرة التي تحتاج لتعديل

رغم أن النقاش الدائر حاليا حول تعديل مدونة الأسرة يرمي بسهام النقد للعديد من المقتضيات القانونية التي أبان واقع التطبيق العملي لهما على امتداد ما يقارب 20 سنة عن أو عجزها عن تدبير النزاعات الأسرية بما يحقق العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة.

إلا أن هذا النقاش العمومي لم يصل بعد إلى مستوى مساءلة الجانب الأهم في هذا القانون الأسري والمرتبط بالوعاء المرجعي المعتمد في سن بنود المدونة، والذي أفرز مقتضيات قانونية متسمة بالغرابة إما لطبيعة الأوضاع التي تنظمها أو اقرارها لأحكام مسيئة للمرأة ولكرامتها، كما الاعتماد الحرفي على الإرث الفقهي أدى إلى تأطير نوازل متقادمة لا تستوعبها البنية الاجتماعية والثقافية لعصرنا الحالي، كل ذلك أوقع المدونة في تناقض بين نصوصها.

وسنحاول في هذا المقال عرض أهم المقتضيات الغريبة المضمنة بمدونة الأسرة:

-1- الجنس منطلق سريان الالتزامات الزوجية:

رغم اقتران الرجل بالمراة وابرام عقد الزواج فان هذا الوضع لا يشفع للزوجة باستحقاق النفقة الواجبة على زوجها الا بعد الدخول بها او اذا دعته للدخول ورفض وهذا ما اكدته المادة 194من مدونة الأسرة.

يبدو من خلال هذا المقتضى القانوني ان المشرع كرس تصورين غريبين للحياة الزوجية متماهيا بذلك مع العقلية الذكورية السائدة في المجتمع:

التصور الأول: جعل الدخول او الممارسة الجنسية محور بدأ سريان الالتزامات الزوجية.

التصور الثاني: إلزام المراة بمطالبة زوجها بممارسة الجنس عليها إن هي أرادت استحقاق النفقة .ويبدو هذا الشق من المادة اعلاه ما يثير الغرابة من حيث الغاية من تنظيم المشرع لمثل هذه الأمور الحميمية والجنسية من جهة ومن جهة اخرى فان اعمال هذا المقتضى القانوني لا يتاتى تطبيقيا الا برفع الزوجة التواقة الى الدخول بها دعوى قضائية لمطالبة الزوج الرافض بالدخول بها مما تطرح معه التساءلات التالية:

ماهي حيثيات هذه الدعوى؟ وكيف سيكون منطوق الحكم ؟
ماذا لو رفض الزوج تنفيذ الحكم القضائي؟
كيف يمكن اثبات واقعة التنفيذ إن تمت أو العكس ؟
هل يمكن اثارة صعوبة واقعية في التنفيذ اذا ما وجدت الاسباب المبررة لذلك ؟

-2-الصداق كمقابل للاستمتاع الجنسي بالزوجة:

حسب مقتضيات المادة 26 من المدونة فالصداق هو مايقدمه الزوج لزوجته كتعبير منه بالرغبة في الاقتران وتكوين اسرة مستقرة واساسه الشرعي قيمته المعنوية والرمزية وليس المادية.

فرغم التنصيص المذكور على رمزية الصداق فان المواد اللاحقة تعكس طابعة المادي وتجعل منه مقابلا للاستمتاع الجنسي بالمراة ويتضح ذلك من خلال المقتضيات التالية:

تستحق الزوجة الصداق كله بالبناء (أي الممارسة الجنسية )، المادة 32 الفقرة الاولى لا تستحق الزوجة الصداق قبل البناء اذا وقع رد الزواج بسبب عيب في الزوجة (اي الا فيها شي ديفو )الفقرة الثالثة من نفس المادة.

إذا علم الزوج بالعيب قبل العقد وطلق قبل البناء لزمه نصف الصداق المادة 110.

يحق للزوج أن يرجع بقدر الصداق على من غرر به أو كتم عيب الزوجة عنه قصدا المادة 109.

تجب نفقة الزوجة على زوجها بمجرد البناء المادة 194.

-3-الاقامة الاجبارية للمطلقة رجعيا اثناء العدة:

تعتبر حرية الافراد وحقهم في التنقل واختيار مسكنهم وموطن اقامتهم وجدول تحركاتهم .من الحقوق الجوهرية التي تشكل عنوان الفصل بين العبودية والحرية .لذلك فقد احاطتها مختلف التشريعات الوطنية والدولية بالحماية اللازمة .ولان الاصل في الانسان هو الحرية فان حرمانه منها او تقييده في ممارستها لا يمكن الا في حالة الضرورة القصوى وبواسطة القانون وفي حدود ضيقة.

وقد يبدو منهجيا وللوهلة الاولى من خلال هذا المدخل أعلاه أن موضوع هذا المقال متعلق بالجانب الجنائي وليس الجانب الاسري هذا الاخير من المفروض ان يكون بعيد كل البعد ان تكون قوانينه مناط اثارة مسالة حرية الافراد.

الا أن المسائلة الحقوقية لنصوص مدونة الاسرة تجعلنا محقيين في اثارة موضوع حرية الافراد خاصة المراة باعتبار ان واضعي هذا القانون اوقعوا مقتضياته في رجعية لم تعد البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع الحالي قادرة على استيعابها.

ولعل خير ما يشفي غليلنا في انتقاد رجعية نصوص مدونة الاسرة المادة 196منها التي تنص حرفيا على ما يلي :
“المطلقة رجعيا يسقط حقها في السكنى دون النفقة اذا انتقلت من بيت عدتها دون موافقة زوجها او دون عذر مقبول”.

يبدو من خلال هذه المادة ان صانعي مدونة الاسرة مهما حاولوا تلطيف الطابع التعسفي الرجعي لهذا المقتضى القانوني بجعل الجزاء عن مخالفته حرمان المطلقة من حقها في السكنى فانهم لم يفلحوا في اخفاء انغماسهم وحل ايديولوجي عريق جعلوا منه وعاءا مرجعيا وحيدا لصنع قوانين الاسرة ضدا على بديهيات هذا الزمان وهذا المكان الذي نعيش فيه.

وفي ما يلي اهم النصوص الفقهية التي استلهمت المشرع في وضع المادة 196 اعلاه:

“لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة ” سورة الطلاق

عن ابن عمر انه كان يقول :اذا طلق الرجل امراته تطليقة او تطليقتين لم تخرج من بيت اهلها الا باذنه ” رواه ابن نسيبة في مصنفه.

قال أيضا :”اذا طلقت المراة البتة فانها تاتي المسجد والحق هو لها ولا تبيت الا ببيتها حتى تنقضي عدتها”.

قال الامام النووي “اذا كانت رجعية فهي زوجته فعليه القيام بكفايتها فلا تخرج الا باذنه “روضة الطالبين.

يبدو من خلال قراءة أولية وظاهرية للمتون الفقهية اعلاه أنها تتقاطع في الغاية من وراء إجبار المطلقة رجعيا بالمكوث ببيت عدتها.

وما الاجماع على منعها من الانتقال منه الا باذن من زوجها ما هو الا انعكاس لعقلية مجتمع بدوي جاهلي يرى في المراة خطيئة تسير على قدميها يتعين فرض مراقبة صارمة على تحركاتها حماية لطليقها من اية خيانة قد تحرم عليه نشوة ارجاعها لقبضته متى اراد ذلك خلال فترة العدة .المسلم و زوجته الغير المسلمة …بعيدا عن ما يروج بخصوص عدم طلب الرحمة والمغفرة الامر اكثر غرابة فالنكاح مسموح والارث ممنوع .

-4-حالة حرمان المطلق الزوج والابناء من الارث

مدونة الاسرة تمنع في مقتضيات المادة 332 التوارث بين المسلم وغير المسلم في حين تسمح بامكانية الزواج بين مواطن مغربي ذكر و غير المسلمة (المادة 39)فرنسية او يهودية مثلا ,لنفترض ان مغربي تزوج بامراة يهودية وهذا الوضع مباح بمقتضى المادة المذكورة واثناء حياتهما الزوجية انجبا ابناء توفيت الزوجة اليهودية وتركت مجموعة من الاموال والممتلكات بالمغرب فهل سيرثها زوجها وابنائها?ما مصير هذه التركة ? حسب مدونة الاسرة لن يرثها ابنائها وزوجها لان هؤلاء يفترض فيهم من الناحية القانونية انهم مسلمون والمسلم لا يرث الكافر.

5–زواج الحاضنة الام وضرورة علم من له الحق في الحضانة بتاريخ واقعة الممارسة الجنسية

بمقتضى نصوص مدونة الأسرة يعد زواج الام الحاضنة سببا من أسباب سقوط حضانتها عن الأبناء مالم يكون الزوج من محارم المحضون او ان يقل سن هذا الأخير عن سبع سنوات او اذا كان في وضعية إعاقة تستعصي معه حضانته على غير الام المادة 173من المدونة.

وبقراءة عكسية للاستثاءات الواردة اعلاه فإن ماعداها من أوضاع تشكل أسبابا قانونية لسقوط حضانة الام في حالة زواجها.

وحتى لا تبقى الام الحاضنة المتزوجة خاضعة للتهديد بفقدان حضانتها في اي وقت وحين الأمر الذي سيؤثر على مصلحة المحضون الذي سيبقى مصيره معلقا ورهينا بكل مطالبة مرتقبة من والده باسترجعاه قد يقوم بها مباشرة بعد زواج والدته الحاضنة وقد ينتظر سنة او سنوات ليقوم بذلك.

مراعاة لكل هذه الاعتبارات حدد المشرع بمقتضى المادة 176من المدونة أجل سنة بانتهائها يسقط حق الاب في استرجاع حضانة أبنائه.

والأشكال الذي نحن بصدد إثارته في هذا المقال يتعلق بمعطى غريب نعلن عنه من خلال الإجابة على التساؤل التالي؟

منذ متى يتم احتساب اجل السقوط المنصوص عليه في المادة 176اعلاه ؟

طبعا الجواب الذي يستوعبه المنطق الواقعي السليم هو تاريخ إبرام عقد الزواج.

لنرى هل تماهى المشرع مع جوابنا ـم له منطق ومنحى آخر لا يعلمه الا هو.

بالرجوع لمقتضيات المادة 176من المدونة نجدها تنص حرفيا على ما يلي:

“سقوط من له الحق في الحضانة بعد مرور سنة على علمه بالبناء يسقط حقه مالم يكن ذلك لظروف قاهرة”، والمقصود بالبناء حسب هذه المادة هو واقعة الدخول بالزوجة وممارسة الجنس عليها وهي واقعة مختلفة من حيث الزمن على تاريخ إبرام عقد الزواج.

فهل يعي واضعوا هذا النص ان واقعة البناء هاته يصعب بل يستحيل إثبات العلم أو عدم العلم بها.مادام انها تبقى عملية سرية تظل حبيسة جدران غرفة النوم لا يعلم بها إلا الزوجين ؟على فرض مسايرة القبول بهذا المنحى التشريعي الغريب كيف يستطيع من له الحق في الحضانة ان يثبت تاريخ علمه بالدخول علما ان الزوجين وحدهم من يملكون حقيقة هذه الواقعة ؟هل من المستساغ تقبل منازعاته لهما في تاريخ واقعة البناء اذا قدما تاريخا اخر او أنكرا أصلا حدوثها؟

ما الغاية من جعل البناء وليس تاريخ إبرام عقد الزواج منطلق احتساب اجل السقوط؟ ما تأثير البناء على المصلحة الفضلى المحضون؟

كل هذه الأسئلة وغيرها تشكل عنوانا عريضا لحجم الغرابة الواردة في هذا النص التشريعي.

محمد ألمو محامي بهيئة الرباط وناشط حقوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • منير
    منذ 7 أشهر

    كاتب سطحي ومقال ضعيف .. مستوى المحامين انحدر !

  • غير معروف
    منذ 7 أشهر

    تغرد خارج السرب. اذكرك ان المملكة المغربية ديننا الاسلام الحنيف فلابد أن تمتثل لتعاليمه وأحكامه والا فبحث لك عن كوكب اخر.

  • طه العوني
    منذ 7 أشهر

    أنت في الحقيقة تناقش القرآن الكريم، أظهر حقيقتك، وقل أنك تعارض القرآن بدل اللف والدوران.

  • مغربي
    منذ 7 أشهر

    قراءة قاصرة و فهم سطحي للأسف الشديد المرجعية الشعب المغربي .واستخفاااااف فاضح بعقووول المغاربة .لا تعتقد انك باستعمالك للمصطلحااات الرنانة الطنانة اضفت جديدا. بالعربية تاعرابت سييير يا ولدي تقرأ

  • مواطن
    منذ 7 أشهر

    اظن انه يجب تحديد مرجعية الكاتب حتى يتسنى لنا فهم الامر جيدا. فاساس صياغة المدونة وكما قال عاهل البلاد نصره الله و ايده يرتكز اساسا على مقتضيات الدين الاسلامي حيث قال لا احل حلالا و لا احرم حراما. قلة قليلة تريد فرض تصورها التحرري على غالبية الشعب المغربي ذو الرجعية الاسلامية