مجتمع

مبادرات حسن النية.. هل تحولت النقابات إلى إطفائيي وزارة التربية الوطنية؟

لم يهدأ قطاع التعليم منذ مصادقة المجلس الحكومي على النظام الأساسي الجديد الذي تصفه فئات عريضة من رجال ونساء التعليم بـ”غير المنصف” والذي يحمل “تراجعات خطيرة” بالرغم من الميزانية الضخمة التي قال بنموسى إنها ستخصص لتنزيل مقتضياته.

وصادقت الحكومة خلال مجلسها الأسبوعي، الأربعاء 27 شتنبر 2023، على مشروع المرسوم رقم 2.23.818 بشأن النظام الأساسي الخاص بقطاع التربية الوطنية، وصدر في الجريدة الرسمية عدد 7237، ويعمل به ابتداء من فاتح سبتمبر 2023.

الشرارة أطلقتها تنسيقيات فئوية التي قررت إعلان خوض إضرابات تنديدا بمضامين النظام الأساسي التي لا تلبي مطالبها التي ترفعها منذ سنوات، قبل أن تلتحق تسنيقيات أخرى بالمسار النضالي وتشكيل تكثلات تجاوزت سقف النقابات الأكثر تمثيلية التي أشاد ت في وقت سابق بالنظام الأساسي قبل أن تتراجع عن ذلك وتتهم الوزارة بالانفراد في صياغة النظام الأساسي.

أما نقابة الـFNE فبعد أن رفضت التوقيع على اتفاق 14 يناير واستبعادها من جلسات الحوار، اختارت الاصطفاف إلى جانب التنسيقيات وتزعمت التنسيق الوطني لقطاع التعليم الذي يضم أزيد من 22 تنسيقية.

التنسيق الوطني إلى جانب تنسيقيات أخرى خاضت للأسبوع الثالث على التوالي إضرابات وطنية توجت بمسيرة وطنية حاشدة يوم الثلاثاء الماضي، شارك فيها آلاف رجال ونساء التعليم من كل الفئات، ورفعوا خلالها شعارات ضد الوزارة وضد النقابات التي شاركت في صياغة النظام الأساسي.

وتتهم التنسيقيات النقابات بالوقوف إلى جانب الوزارة من أجل تمرير هذا النظام الأساسي الذي لا يستجيب لمطالبهم المشروعة، داعية إلى سحب هذه الوثيقة والعودة إلى طاولة المفاوضات.

النقابات والتي تقول إن التنسيقيات استمدت شرعيتها من الحكومات المتعاقبة التي لم تحترم الاتفاقات منذ سنوات وتسببت في فقدان الثقة من المؤسسات الدستورية، تنكرت للنظام الأساسي بمجرد المصادقة عليه وصدوره في الجريدة الرسمية خصوصا أنه لم يتتضمن التعديلات التي أوصت بها في مذكرتها المشتركة بتاريخ 20 أكتوبر المنصرم.

وصعدت النقابات الأكثر تمثيلية (UMT- UGTM- CDT- FDT) من لهجتها معلنة دخول أعضاء مجلسها الوطني في اعتصام إنذاري أمام مقر وزارة التربية الوطنية يوم 2 نونبر الجاري تفاعلا مع غضب الشغيلة التعليمية ورفضا للنظام الأساسي التي كانت طرفا فيه.

حسن نية قبل الحوار

تصعيد النقابات لم يصمد كثيرا، فبعد المسيرة الوطنية التي فاق عدد المشاركين فيها توقعات الجميع، خرجت الجامعة الحرة للتعليم الذراع النقابي لحزب الاستقلال المشارك في الحكومة بتعميم لمناضليه ومناضلاته يدعوهم فيه لرفع كل الأشكال النضالية والعودة لاستئناف العمل كبادرة حسن نية وإتاحة الفرصة لمباشرة التفاوض الجاد بإشراف من رئيس الحكومة.

وجاء في التعميم الذي تم تداوله على نطاق واسع: ” في إطار تقاسم المسؤولية الوطنية تجاه الوضعية الراهنة للمدرسة العمومية التي تعيش على وقع تواصل الاحتجاجات، والتي تبقى غايتها المثلى فتح قنوات الحوار البناء، ونظرا للتدخل المباشر لرئيس الحكومة والتزامه الصريح بإيجاد حلول ترضي الجميع من خلال الحوار المباشر مع النقابات التعليمية، فإننا نهيب بجميع مناضلات ومناضلي الجامعة الحرة للتعليم رفع كل الأشكال النضالية والعودة لاستئناف العمل كبادرة حسن نية وإتاحة الفرصة لمباشرة التفاوض الجاد بإشراف من السيد رئيس الحكومة”.

وبنفس المبرر، دعت النقابة الاولى في المغرب، الجامعة الوطنية للتعليم (ا م ش) في بلاغ أصدرته، أمس الخميس، الأساتذة لتعليق الأشكال النضالية، لإنجاح المفاوضات الجارية حاليا مع رئيس الحكومة حول النظام الأساسي.

وطالبت الجامعة، في بلاغ لها، “مناضليها ومناضلاتها إلى إعطاء فرصة لإنجاح المفاوضات الجارية الآن، بالإلتزام بقرارات الجامعة وعدم الانسياق وراء كل الدعوات التي لا علاقة لها بها، وتعليق الأشكال النضالية للمساهمة الإيجابية في عملية التفاوض التي نسعى إلى أن تكون في مستوى انتظارات الشغيلة التعليمية”.

وأكدت النقابة ذاتها على أن رئيس الحكومة التزم بإيجاد حلول عادلة ومنصفة لكل القضايا المطلبية التي تهم كل الفئات، وفي مقدمتها قضية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد والزنزانة العاشرة ومهام الأساتذة ونظام العقوبات والزيادة العامة في الأجور بما يتماشى مع إرتفاع الأسعار وكل الفئات المتضررة”.

وفي المقابل، قال الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، صادق الرغيوي، إن نقابته ال تزال مساندة للمطالب العادلة والمشروعة لرجال ونساء التعليم، نافيا أن تكون نقابته قد دعت مناضليها إلى وقف الانخراط في الأشكال الاحتجاجية التي تخوضها الشغيلة، ومؤكدا في الوقت نفسه على أن نقابته تعلن عن كل قراراتها بشكل واضح للرأي العام.

وأشار في تصريح لجريدة العمق إلى أن النقابات في التنسيق الرباعي ما زالت تنتظر دعوة رئيس الحكومة لمناقشة موضوع النظام الأساسي الذي تسبب في هذا الغضب في صفوف الشغيلة.

وأوضح المتحدث في تصريح سابق لجريدة “العمق” اأن النقابات لم تتوصل منذ لقائها بوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس  السكوري، بأي دعوة أخرى، مؤكدا على أن النقابات تؤمن بالتفاوض والحوار من أجل إيجاد حل لملفات رجال ونساء التعليم.

وكان الوزير يونس  السكوري، قد استقبل الجمعة الماضي، النقابات الأربعة الموقعة على اتفاق 14 يناير، حيث سيرفع تقرير لرئيس الحكومة الذي سيلتقي بالنقابات في موعد قريب لم يتم تحديده بعد.

وقال الرغيوي جوابا عن سؤال لجريدة العمق حول سقف انتظارات النقابات في ظل تناسل التنسيقيات التي تختلف مطالبها من تنسيقية لأخرى، (قال) إن التنسيقيات هي تعبير اجتماعي نتيجة أزمة الحوار بين الحكومات المتعاقبة والحركة النقابية لأزيد من عقد من الزمن، وهو ما خلف تراكما للعديد من الملفات، وفق تعبيره.

وأوضاف أن نقابته تعتبر الحد الأدنى من المطالب التي يجب تحقيقها لرجال ونساء التعليم، إدخال تعديلات في النظام الأساسي والتي تضمن الكرامة لنساء ورجال التعليم، وإعادة الاعتببار للشغيلة التعليمية، والزيادة في أجور العاملين بقطاع التعليم وفي التعويضات إسوة بباقي القطاعات الأخرى.

مبادرات إطفائية

وقال متتبعون للشان التعليمي إن خرجات بعض النقابات في هذه اللحظة للدعوة إلى وقف الاحتجاجات لم تكن في انتظارات مناضليها، خصوصا أن بعض فروعها في مناطق مختلفة من المغرب شارعت إلى إعلان الاستمرار في الخطوات الاحتجاجية التي سيعلن عنها في القادم من الأيام، في معارضة واضحة لتوجهات القيادات النقابية على المستوى الوطني.

ويقول العديد من رجال ونساء التعليم في تصريحات متفرقة لجريدة “العمق” إن عدم الثقة في الوساطات و”حسن النية” راجع إلى تجارب عديدة لم تلتزم فيها الوزارة والحكومة بتوصيات الطرف الوسيط ومخرجات الحوار.

وأضافوا: “ففي سنة 2016، أسست المبادرة المدنية لحل مشكل الأساتذة المتدربين التي ضمت سياسيين ومثقفين وجامعيين لحل أزمة الأساتذة المتدربية وانتهت بإسقاط عشرات الأساتذة، وفي 2019 تدخل الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية، بمجلس المستشارين، ودعا كلا من الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد بالعودة إلى فصولهم، بعد إضرابات شلت المدرسة العمومية، إلا أن النتائج يعلمها الجميع”، وفق تعابيرهم.

وأوضح الأساتذة أن المطالب بإظهار حسن النية هي الوزارة والحكومة من خلال سحب النظام الأساسي والعودة إلى طاولة المفاوضات وإعلان الزيادة في الأجور على غرار العديد من القطاعات الحكومية.

وفي هذا السياق، قال الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، عبدالله غميمط إن هذه المبادرات الي وصفها بـ”الإطفائية” ليست الأولى من نوعها، وتظهر دائما عندما تشتد المعارك التي تخوضها الشغيلة في محاولة للالتفاف على مطالب نساء ورجال التعليم، وفق تعبيره.

وأكد المتحدث على أن الحوار الذي عاد البعض ليدعو إليه استمر لسنتين مع الوزير بنموسى وانتهى بإخراج نظام أساسي “غير منصف” أخرج الأساتذة والأستاذات إلى الشوارع للاحتجاج بعد هدنة لسنتين والتي للأسف لم تلتقط إشاراتها الوزارة والحكومة.

وقال إن ما يحدث الآن يميز بين أصدقاء الشغيلة ومن يقفون إلى جانبها ومن هم أعداؤها التي تناصر الحكومة وتروج لقراراتها، مؤكدا على أن عمل النقابات هو الدفاع عن حوار شفاف ومسؤول تكون فيه الحكومة واضحة تجاه المطالب التي ترفعها الشغيلة.

وأوضح غميمط ضمن تصريحه لجريدة “العمق” أن الحل هو إعلان تصدره الجهة الحكومية تشير فيه بوضوح إلى برمجة زمنية واضحة لإخراج نظام أساسي جديد تجيب فيه عن كل الملفات التي أصبحت معروفة، وأهمها نظام ترقية محفز وعقوبات لا تخرج عن المعمول به في الوظيفة العمومية، وساعات العمل وتحديد المهام والاستجابة للملفات العالقة منذ سنوات.

طوفان أبيض

وشهدت العاصمة الرباط، الثلاثاء الماضي، “طوفانا أبيض” للأساتذة الذين حجوا من مختلف مدن وقرى المملكة، للمطالبة بإسقاط النظام الأساسي الجديد لقطاع التعليم، تزامنا مع استمرارهم في إضراب وطني جديد يمتد لسبعة أيام.

وعرف شارع محمد الخامس، أبرز شارع في العاصمة الرباط، مسيرة حاشدة للشغيلة التعليمية، احتجاجا على مضامين النظام الأساسي الذي صادق عليه المجلس الحكومي، أكتوبر الماضي.

ورفع الأساتذة أمام مبنى البرلمان، شعارات غاضبة تندد بـ”نظام بنموسى الجديد” وتطالب بسحبه وإعادة النظر في مقتضياته بما ينصف كل الفئات المتضررة ويرتقي بأوضاعها المادية والاجتماعية ويعيد الاعتبار لها.

وكانت التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم بالمغرب وتنسيقيات أخرى، قد أعلنت عن إضرابات شلت بشكل غير مسبوق المؤسسات التعليمية العمومية، بسبب ما أسمته “إصرار وزارة التربية والتعليم الأولي والرياضة على فرض وتمرير النظام الأساسي المجحف والذي ترفضه مختلف فئات الشغيلة التعليمية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • لحسن
    منذ 6 أشهر

    يجب إعادة النظر فالنقابات الأكثر تمثيلية جزء من الحكومة ولا يمكن لها أن تعارضها وقد شاركت في هذا النظام قبل أن تتنكر فما جاء في المقال أنهم يريدون بعض التعديل وليس إسقاط النظام الأساسي والتعديل لا يجدي نفعا

  • hafid seffahi
    منذ 6 أشهر

    لاثقة في اولاد الحكومة عتيقة

  • Aziz
    منذ 6 أشهر

    الدولة الماكرة خربت النقابات و لم تبق فيها إلا شرذمة من المرتشين الفاسدين.