وجهة نظر

أيها اليسار العظيم !

” فالعمال لا وطن لهم. فلا يمكن أن يسلب منهم ما لا يملكونه. و بما أنه ينبغي على البروليتاريا أن تستولي، أولا، على
السلطة السياسية، و أن تنصب نفسها طبقة قومية، و أن تتـقوم كأمة، فإنّها ما تزال وطنية، لكن ليس قطعا بالمعنى البرجوازي
للكلمة.فمع نمو البرجوازية، مع حرية التجارة، مع السوق العالمية، مع التماثل في الإنتاج الصناعي و الأوضاع الحياتية
الملائمة لذلك، تزول الفواصل القومية و التناقضات بين الشعوب، أكثر فأكثر.و سيطرة البروليتاريا ستُـزيلها أكثر فأكثر. و عمل البروليتاريا الموحد، في البلدان المتحضرة على الأقل، هو أحدالشروط الأولية لتحررها…”

لم يكن في خلد الكبيرين انجلز وماركس وهما يخطان بيانهما التاريخي المشكل من اربعة فصول مرجعية من محبرة الم العمال ان اوضاع الفكرة اليسارية ستؤول للواقع المأساوي , واقع يشهد عليه حائط برلين المنهار وبؤس العساكر التي تبنت عبر التاريخ هذا الفكر تقربا من عواطف الشعب لتنتج لنا اقبح زواج بين الفكرة والواقع , ماذا حدث لليسار العظيم ؟؟ أي منقلب انقلب اصحاب المطرقة والمنجل في حصد الجشع الاعمى للثورة الراسمالية ؟ ماذا لو بعث العظيم سان سيمون ورأى خطابات لشكر ومنيب ؟ ماذا لو زار ماركس قصور المدافعين عن العمال والعدالة الاجتماعية ورأى ابهة الاقطاعيين ؟ حتما كان روبيرسبيير سيعدم كل ذي شارب يساري في الساحات العمومية تماما كما كان يفعل مع معارضيه .

مع قيام الثورة الفرنسية سنة 1789م بدات الايديولوجيات تتبلور في شكل سياسي اكثر تنظيما من فوضوية الكلاسيكيات التي بنتها انجلترا في قالب فكري , فكان كل تيار يدفع بنسق فكري دفاعا عن اطروحته في حكم متخيل , انذاك كان هناك تيار جنيني التكوين كان اعضائه يجتمعون في دير يعقوب في شمال فرنسا كانوا يدعون لاقامة نظام جماهري مبني على العدالة والعدل وتقسيم الثروة وحفظ كرامة الانسان , فامن ” الفرنسيس” بعدل المبدأ لكن سرعان ما تلاشت قيمه امام ارض امواج الممارسة بعد ان تحكم اليعاقبة ذوو الفكر اليساري في فرنسا فحكموها بالحديد والنار فيما عرف تاريخيا ب”حكومة الارهاب “, فكفر الناس بالحزب لكن بقيت الفكرة مثالية رنانة في اذهان كثير من العامة وقليل من النخبة , لكن فكرة الخلاص من جشع البورجوازية الجديدة تجدد ابان الثورة الصناعية الكبرى في القرن التاسع عشر حين انتقلت الفكرة من حضن العامة واحلامهم الى النخبة والفلاسفة وتنظيرهم بل وامن بها بعض من البورجوازيين الوطنيين مثل سان سيمون الذي يحكى انه احرق قصره تعبيرا عن قطيعة مع استغلاله للعمال في المانيفاكتورات فاسس اول مدرسة للمشاع والتي سيتخرج منها اكثر الفلاسفة الشيوعيين بعد ان ينقل مقرها الى انجلترا , بل وسجل التاريخ ان صاحب مصنع مانشيستر للنسيج الدوق فوربيه قد تلرك ثروته للعمال وانضم الى مجالس اليسار في العاصمة لندن , كانت الفكرة مثالية حد انها اقنعت الكثير بالتخلي عن ثرواتهم !! فليث قومي من اهل اليسار يعقلون ان اليساري الحق شخص مخلص للفكرة لا للسلطة ….

قبل حلول ثورات 1848م بدأت الفكرة اليسارية تاخذ ابعادا جماهيرية فتبلورت في شكل انقلابات شعبية على سياسات الليبرالية التي تنادي بالحرية في كل شئ وتحقيق الربح باي وسيلة واذكاء الغنى للاغنياء على اكتاف العمال والكادحين الى الخبز كدحا , واصبحت الفكرة عالمية براقة لكل مظلوم , لم يكن فيها عيب يذكر ” حسب قول ستالين ” وكان الضغط رهيبا على رأس المال الذي كان يتخبط في عصور التوسع الجغرافي والذي ساهم في وصول اطروحة اليسار الى المستضعفين في المستعمرات , انذاك قرر ثلاثة منفيين في صحراء سيبيريا تاسيس حزب يساري عمالي في ارض القيصر , حزب قاده لينين لاعظم ثورة عمالية اطاحت بثخوم الاستبداد ثورة امن بها ترورتسكي فقال ان بلاد الثلج ستنير العالم , انتقلت العدوى لباقي اوربا خرج الايطاليين في ساحات روما واشعل النمساويون الحرائق في المؤسسات طلبا لنظام البلاشفة , كان العالم اكثر وضوحا اكثر جمالا …بل اكثر كرامة .

جرت مياه كثيرة تحت جسر اليسار وانهار جدار برلين وسقط وارسو ونصبت خيمة العزاء على فكرة الكرامة في اصلها , ماتت لان اهلها كفروا بمبادئها واساؤوا استعمال المنجل والمطرقة , لقد سقط اليسار يوم تحالفت الفكرة مع العسكر في اتفه عرس حضره الناس ….عسكر يحملون راية العدالة الاجتماعية !!!!!

اليوم في المغرب اصبح اليسار في الحضيض واصبح يتسول العتبات الانتخابية ويرتدي الساعات الغالية في ايدي ذوي الشارب النضالي , اصبحت القيادات اليسارية مفوهة في التفاهة مناضلة في حقل السلطة واصبحت خللا في التاريخ وبؤسا في تيارات الفكر السياسي , لقد تعرض اليسار المغربي لثلاث مطبات وقفت عليها شخصيا اثناء انتمائي الى اليسار ( سابقا ) , مأزق المشروع لان اليسار المغربي بني في اساسه على مناهضة النظام السياسي بشكل ثوري دون طرح بديل قوي وموضوعي ومن جهة اجتهدت التيارات اللليبرالية والدينية في وضع تصوري معقول لبنية النظام فالبنية الاشتراكية على المستوى الاقتصادي اصبحت متجاوزة واقعيا لكن ادبيات احفاد سان سيمون مازلت تخطها في اوراقها , المأزق الثاني هو القيادات التي كانت في معظمها عقيمة البديل ومحاطة بهوس السلطة خصوصا بعد الانقلاب المشؤوم الاخير , قيادات لم تستطع رفع السقف السياسي طيلة مسيرتها النضالية امام القصر , قيادات ظلت مدة من الزمن متنازعة المذهب حتى ان اكبر عدد من الانشقاقات الحزبية ظهرت في صفوف الاشتراكيين .

اليسار تعرض لازمة تدافع على مستويات رئيسية تشكل ركيزة اساس في عملية التقابل السياسي والتناظر الفكري اولها ازمة خطاب نظرا لعجز المنهج اليساري تاريخيا عن انجاز مشروع متكامل قابل للتطبيق يمكن استجلابه في التدافع , ثم ازمة هوية فاليسار المغربي لم يحسن تنزيل المنظومة الماركسية في بيئة اساسها ديني فلم يحسن المصالحة مع الدين , فاصيب بالتيه في صحراء الايديولوجيا السياسية والتي زادت حدتها بعد دخوله للحكومة والتي يشهد انه لم يحسن تدبيرها .

حين كنت في العشرين من عمري ذهبت مع احد الاساتذة الذين اطروني في فترة اليسار لمحاضرة للمقتدر مؤرخ المملكة عبد الهادي التازي , انذاك كنت فتى متحمسا للفكرة حالما بنظام يساري ستاليني فخاطبنا السي التازي رحمه الله قائلا : ” اليسار والاسلام وجهان لعملة واحدة فقط علينا حسن صرف العملة ..” قمت من المحاضرة غاضبا لهذا الكلام وكنت محتاجا لتسع سنوات لافهم معنى الكلام رحمة الله على التازي وتروتسكي …..اذهب الله يسارية لشكر ومنيب …رحمك الله ايها اليسار العظيم .