منتدى العمق

تسنى

تبذل قصارى ما تستطيع لتصل بالمريض إلى المستشفى لعلك تفر من قدر الله إلى قدر الله.. قد يتطلب الأمر ساعات طويلة، ساعات مريرة تجعل الصحيح عليلا فما بالك بمريض.. نقل مريض من زاكورة الى مراكش يتطلب سبع ساعات من العجلة على أمل أن تصل أولا ثم أن تصل بسلام ثانيا وهذه المرة ليس “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة” …

تصل وتجد أن المرضى كثر، لدرجة تشعرك أن الجميع مريض في هذا البلد.. بكاء وصياح وشتم للحكومة والحظ.. لو صُور الأمر لبدا فيلم رعب للكبار فقط، أقصد لأموات القلوب فقط…

طبيب وحيد ينتظره الجميع، والطبيب شاب صغير مشوك الشعر بدهون لامعة يرتدي دجين مقطع ، يضحك كثيرا مع عرام من الممرضات الحسناوات بأزياء مختلفة، واحدة تنظر إليه باشمئزاز لكنه لا يبالي يواصل تقشابه… وأنت غيظ في صدرك يكاد يميتك قبل المرضى…

قبل أن تصل إلى ذاك الطبيب يوقفك حارس الباب، يتحولان إلى حارسين أو ثلاثة يشعرونك أنهم من بنى المستشفى وفتح الأندلس وهدم جدار برلين، يعطونك رقم نوبة ويقول لك أحدهم ‘تسنى”.. رقم يعني أنك ستنتظر لساعات وهل مريضك قادر على التحمل.. ! يهمس لك أحدهم: “إن انتظرت ستموت انتظارا. أنا هنا منذ خمس ساعات والآخرون لا ينتظرون، إيوا فهم” تنهار معنوياتك تبحث عن حلول في الأرض أو في السماء… بعد ساعات تدخل، تظن نفسك وصلت الى الطبيب لكن أحدهم يعطيك مرة أخرى رقم نوبة آخر ويقول لك “تسنى”.. تنتابك رغبة في البكاء والسخط وتكتب رسالة الى وطنك، يا حبيبي إنني أبذل جهدا لا يطاق كي أظل أحبك، يا وطني ساعدني كي أحبك أكثر، إنك تدفعني إلى سخط لا يطاق.. “تسنى” لكن الوجع لا ينتظر، وما أشد الألم وما أكثر المتألمين… تبحث عن كرسي لتلقي عليه كتلتك ولا تجد، ترى المرضى منشورين على الأرض، وتسمع أنين بعضهم.. تتذكر كلام التلفاز والمغرب الجميل وتحاول أن تقنع نفسك أنه جميل فعلا.. طبيبات صغيرات يرحن ويجئن.. واحدة تبدو بسيطة كأنها من هامش ما تسألها “عندي حالة مستعجلة ما العمل!؟” أبدت تعاطفا واكتفت بالقول “غير تسنى بلاتي حتى يجي الدكتور…”.. تعود لتتكئ على جدار وترسم قصصا مأساوية.. ها هو الطبيب الآخر يظهر شاب إفريقي.. تجمع ما استطعت من كلماتك الفرنسية المتعثرة لتعد جملتين لعلهما توصلان قصدك لعل وعسى أن تجد من يتصرف أخيرا.. هل تناديه “مونامي” لعل فيها شيئا من الإساءة الأفضل منها “مون فخيخ” تتجه صوبه “دكتوغ”… يصدمك بدارجته المغربية المتعثرة “تسنى”.

تعب الموت من الانتظار فحضن المريض… أما أنت فعليك أن تواصل انتظارك أمام مستودع الأموات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *