منتدى العمق

شيء من السياسة

طبيعة السلطة/الحكم بالمغرب طبيعة معقدة صنعها من جهة تاريخ الدولة المغربية التي بنت لنفسها تاريخا مستقلا عن مراحل نشوء الدولة الإسلامية في المشرق مابعد الخلافة إلى دولة العصبية/دولة الحكم (كما يسميها ابن خلدون) بدءا من ازدهار الدولة الأموية وتوسعها، مرورا بالدولة العباسية وغيرها، حيث كان المغرب الأقصى دائما سدا منيعا امام كل هذه التوسعات.. إلى طلب الحماية الفرنسية التي لا تغدو ان تكون استعمارا ضمنيا.. ومن جهة أخرى، وفي فترة من التاريخ أريد لنخب بطريق مباشرة او غير مباشرة ان تسير وتسيطر على شؤون الدولة سياسيا واقتصاديا لا تؤمن لا بالديموقراطية ولا حتى باحقية الاخر في رسم سياسات عمومية يراها ضرورية،.. مهد هذا لاخطبوطات اقتصادية غايتها الدفاع عن مصالحها بعيدا عن فئة كبيرة متازمة مقهورة لم يرحمها جشع الليبيرالية المتوحشة..

والمحصلة ان فئة كبيرة من المجتمع فطنت ان قواعد الديموقراطية ليست عادلة وان هناك من يتحكم في نتائجها ومخرجاتها فاختارت ان تشتغل من خارج مؤسسات الدولة : جماعة العدل والاحسان وبعض من اليسار الراديكالي نموذجا. هذا الاختيار، من وجهة نظري، اثبت محدوديته (على الاقل إلى حدود اليوم بعد مدة ليست بالهينة) لان نتائجه “السلمية” تتحكم فيها المؤسسات والمنادون به يشتغلون خارجها وبالتالي لا يمكن ان ننتظر اعلان الفساد لثوبة جماعية.. ثم “غير سلمية” تقوم على الدم وهو خيار غالي الكلفة (مصر، سوريا.. ) وحتى اذا سلمنا به، فاليوم أصبح الأمر غير وارد باعتبار تضييع فرصة تاريخية انتجها الربيع العربي.. او تبني نموذج الأقليات القائم على تواطئ خارجي وتحالف غربي وهذا قمة الغباء في التغيير الحضاري وأمر بعيد ان يقبله عاقل..

وهناك فئة أخرى اختارت التدافع من داخل المؤسسات وتحث ظل ملكية دستورية، اعتبرها ضامنا اساس لتوحيد البلاد (مراجعة صلاحيات الملك الدستورية واجب لتعزيز وبناء ديموقراطية حقيقية، لكن مع مراعات الظرفية “الزمان/السياق” في أقف ملكية برلمانية في مدى متوسط) وأي تنكر لهذا المعطى يعد مغامرة غير محسوبة النتائج باعتبار سعي القوى الامبريالية العالمية إلى تقسيم المقسم وتجزيئ المجزء (السودان، العراق، الأكراد.. ) بنشر خطابات الكراهية قد ينجحون فيها بين الأمازيغ وساكنة الصحراء والريف والشرق والوسط.. في ضرب واضح لعمق الثقافة المغربية القائمة على الاختلاف والتعايش..

هذه الفئة اختارت ان تغير ما يمكن تغييره بالتدرج، رغم محدودية مجال تاثيرها ونجحت في كثير من المحطات خاصة بقيادة زعماء لم يبدلو ولم يغييرو الى جانب كل الحركات الوطنية التي ولدت من رحم الشعب واعتبرت امتدادا طبيعيا لنبضه.. رغم أنه ؛ وهذا جلي واضح؛ ان الحكومات المتعاقبة لا تملك الاستقلالية المطلقة في اتخاذ قراراتها؛ وفي كثير من الأحيان؛ لا تعدو ان تكون واجهة لتبرير كثير من القرارات الفوقية لا سلطة لها عليها؛ توقعها وفقط؛ وهنا تحضرني تدوينة للعظيم المجدد، الدكتور سعد الدين العثماني ذكر فيها ان الشجاعة في تحمل المسؤولية هو تغيير مايمكن تغييره، والقوة في الصبر على مالا يمكن الوصول إليه وان الحكمة هي ان تفرق بين هذه وتلك..

خيار اثبت مع الزمن نجاعته ؛ ولو جزئيا؛ حيث اصبح لهذه الفئة وعي ونضج سياسي كبير ساهم فيه حزب العدالة والتنمية اساسا وكل القوى الحية داخل المجتمع، بامتداد شعبي واسع يتزايد بشكل بدأ يخنق لوبيات الامتيازات والريع والصفقات والتي يعتبر حزب البؤس امتدادا لها والتي اختارت الدفاع بشراسة ككل مرة عن مصالحها بأدوات بئيسة تضليلية اخرها “شبه مسيرة” جندت لها كل المعدات اللوجيستيكية والامنية ولا يعرف أصحابها سبب وجودهم بها عدى القيمة المالية.. ليقزمو من العملية الانتخابية ويوهمو بعضا من الشعب انها لعبة صورية وأنه ليس في القنافد أملس وان المتتخب مغلوب على أمره وكل تلك العبارات التثبيطية حتى تصنع العجز والشك داخل المجتمع وتخلو هي بالوطن تفعل به ما شاءت ومتى شاءت..

التحدي اليوم، كل من موقعه يساهم في نشر وعي مجتمعي يكون للفرد فيه سلطة الاختيار لبناء وطن نحلم ان يكون كما أراده أبناؤه لا كما اريد له ان يكون..