وجهة نظر

الترقيات الحزبية والتزكيات الانتخابية

أوراق استقطاب للنخب، وخطر يعصف تماسك بنيان الأحزاب

يعيش المشهد الحزبي المغربي ظاهرة سياسية يطلق عليها ظاهرة “الترحال السياسي”، والتي مفادها قيام الكثير من النواب بتغيير الأحزاب التي منحتهم التزكية خلال الإنتخابات التي فازوا من خلالها بمقعدهم، وهذه الظاهرة أو “الآفة السياسية” لم تسلم منها لا الأحزاب الصغيرة ولا الكبيرة، بل طالت الجميع (1).

والإنتقال ما بين الأحزاب يمكن أن يكون ظاهرة عادية في حالة يكون فيها الشخص غير منتمي لأي تنظيم حزبي ولا يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول، لكن بالنسبة لحالة المغرب نجد بأن أغلب الرحل سبق لهم أن كانوا أعضاء في أحزاب سياسية وأعضاء بفرق نيابية، ومن هذا المنطلق فإن ظاهرة التنقل من حزب إلى آخر تشكل إخلالا بالإلتزامات السياسية والقانونية والأخلاقية(2). قبل أن يتدارك القانون الجديد رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية(3) معضلة الترحال السياسي ويمنعها على كل من يزاول انتدابا برلمانيا أو جماعيا أو بالغرف المهنية، طيلة فترة انتدابه وإلا تم تجريده من عضويته بالمجالس والغرف المذكورة(4).

بيد أن الأحزاب السياسية تسعى لمجابهة هذا الترحال، من خلال عملية الترقية لنخبها داخل الهياكل الحزبية والنقابية، خاصة النخب الممتدة محليا لضمان روافد انتخابية قارة. وإدراكا منها لتهافت النخب على التزكيات الإنتخابية، تعمل الأحزاب من خلالها على جبر خاطر نخبها القيادية، واستقطاب نخب جديدة لهياكلها لتكسير شوكة منافسيها والفوز بمقاعد ودوائر انتخابية محتملة مع الوافدين الجدد، خاصة في دوائر يستعصى الظفر بمقاعدها.

وعليه، يعتبرا الترقية الحزبية والتزكيات الانتخابية وجهان لعملة واحدة ومرآة كاشفة لواقع ديمقراطية أحزابنا السياسية، ومدى مساهمتها في البناء الديمقراطي للمغرب.

• أولا: ورقة الترقية الحزبية في ترضية النخب:

سنركز في تحليلنا هنا على النخبة المحلية باعتبارها الأكثر تنافسية على عمليات الترقيات الحزبية في تسلق المراتب لتصل إلى الهياكل الوطنية لأحزابها، حيث تسعى النخبة المحلية إلى غزو مناصب القرار داخل الأجهزة السياسية المحلية، وخاصة منها الأحزاب والنقابات والجمعيات، وبعض المناصب التمثيلية على الصعيد المحلي كالعضوية في المجالس المنتخبة. نظرا للأهمية الاستراتيجية لتلك المناصب في إمكانية محاورة السلطة المحلية وباقي الفعاليات الاقتصادية والسياسية المحلية، واحتكار أدوار الوساطة بينها وبين السلطة والسكان. وإلى تمكينها من مراقبة الموارد المحلية والعائد الحزبي وممتلكاته، ووسيلة الوصول للمناصب الإدارية.

ويتم غزو المناصب السياسية عبر قناتين رئيسيتين، وإن كانتا متلازمتين، القناة الأولى هي تسلق المراتب داخل التنظيم الحزبي أو النقابي… والثانية هي القناة الإنتخابية(5). حيث يشكل الانخراط في تنظيم من التنظيمات الحزبية و/أو النقابية وتسلق المراتب داخله، إحدى القنوات الأساسية للترقية والحركية الإجتماعية، بل ولتبوؤ مكانة الصدارة على الصعيدين المحلي والجهوي، وأحيانا على الصعيد الوطني. فالإنخراط في تلك التنظيمات قد يكون أحيانا بداية لحياة مهنية سياسية، من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى أعلى المناصب. ويزيد من أهمية تلك التنظيمات كقنوات للترقي الإجتماعي والسياسي هو تزايد أهميتها وأدوارها في الحياة العامة المحلية، خاصة بالمدن، إذ تشكل أدوات أساسية للتعبئة الجماهيرية، والدفاع عن المصالح الفردية والجماعية، ومرتكزا مهما للتضامن والولاء السياسيين، ومصدرا مهما من مصادر المشروعية(6).

فالقناة الحزبية و/أو النقابية هي القناة المفضلة لترقية الفعاليات المحلية التي لا تملك ما يكفي من الموارد السياسية المادية، خاصة منها المناضل والوصولي. أما العين فإنه لا يعتمد الإستراتيجيات الموصوفة أعلاه بالأساس، ولا يشكل احتلال المواقع الرسمية داخل الأجهزة السياسية المحلية مطمحا من مطامحه الرئيسية. فهو يفضل عادة الفعل من وراء الستار عوض المجابهة المباشرة، لذلك كانت استراتيجيته للسيطرة على الأجهزة الحزبية و/أو النقابية المحلية تقوم بالأساس على خلق أو استقطاب نخب وسيطة، يمول نشاطها ويساعدها على احتلال مواقع المسؤولية داخل تلك الأجهزة، ليعهد لها بعد ذلك بتمثيله داخلها والنيابة عنه فيها وتنفيذ تعليماته وتوجيهاته. فهو لا يرى إلا نادرا يتزاحم مع من هم أدنى منه مرتبة من أجل احتلال تلك المواقع. لهذا اعتبر “حماني أقفلي” المناضل والوصولي هما الفاعلان الرئيسيان في الحروب المحلية الطاحنة التي تدور حول المواقع داخل الأجهزة الحزبية والنقابية المحلية. وحاول الإجابة على كيفية تمكن ذلك الفاعلان من احتلال مواقع الصدارة داخل تلك الأجهزة؟(7).

للإجابة على هذا التساؤل، عمل على التمييز بين نوعين من الأجهزة الحزبية والنقابية المتواجدة على الصعيد المحلي. فهناك الأجهزة التي تحدث لأول مرة والتي ترتبط في الغالب بالأحزاب أو غيرها من التنظيمات الجديدة. وهذا النوع من الأجهزة لا تتوفر عادة في بداية نشاطها على الصعيد المحلي على بنية تنظيمية متكاملة، وتحتاج إلى أطر تملأ المناصب الشاغرة فيها. وغالبا ما تعود تلك المناصب الشاغرة إلى السباقين بالإنخراط فيها. لذلك يلاحظ أنه لا يظهر حزب جديد أو نقابة جديدة على الصعيد الوطني إلا ورافق ذلك إعادة ترتيب لمكونات الخريطة السياسية المحلية. وغالبا ما تكون المناصب الشاغرة داخل تلك الأجهزة موضوع منافسة حادة بين الفعاليات المحلية الطامحة للسلطان. ويتكون معظم المتسابقين والمتزاحمين حول تلك المناصب من الوصوليين أساسا، وبعض المناضلين الذين يئسوا بعد طول انتظار من الترقية داخل أحزابهم الأصلية. ولهذا يفترض “حماني أقفلي” أنه مهما تناسلت الأحزاب وتعددت وكثرت فإنها ستجد دائما أطرا ومناضلين على الصعيد المحلي(8).

أما بخصوص الأحزاب العتيقة والمتجذرة في المجتمع المحلي، فإن الترقية داخل أجهزتها المحلية تتم عادة ببطئ كبير، وتخضع لعملية انتقاء عسيرة، تمليها الطبيعة البيروقراطية لتلك الأجهزة، والمراقبة الشديدة التي يمارسها السابقون على اللاحقين. هذا ولا تخلو تلك الترقية من انتكاسات وتراجعات.

إن الطريق من الخلية داخل الحي إلى المكتب المحلي، ومنه إلى الكتابة الإقليمية، ثم للمركزية السياسية أو النقابية، مرورا بعدد من المستويات الوسيطة الإقليمية والجهوية والقطاعية – التي تختلف باختلاف التنظيمات الحزبية والنقابية -، طريق شاق وطويل وحافل باحتمالات الإقصاء أو التقهقر أو السقوط.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن غزو مناصب المسؤولية داخل ذلك النوع من التنظيمات السياسية، يتطلب تراكما أوليا للنفوذ والتأثير السياسيين على الصعيد المحلي، وينطبق على ذلك تراكم الرأسمال النقدي، وافتقاده أو وجود منافس قوي قد يسقطه الزعامة. كما يمكن لمن اكتسب النفوذ السياسي لسنوات أن يفقد موقعه ونفوذه دفعة واحدة، نتيجة خطأ تكتيكي، أو إثر تصويت هيأة من الهيآت الحزبية، أو سحب ثقة، أو عزل من طرف الرؤساء المباشرين الحزبيين أو النقابيين… فالنجاح والفشل رهين في كلتا الحالتين بالمغامرة والحسابات الشخصية والإستراتيجيات الفردية والجماعية. فطالب السلطان المحلي مطالب بخوض صراع مرير ضد إخوته أو رفاقه في الحزب أو النقابة. وفي ذات السياق تعتبر التجمعات الخطابية التي تنظم بين الفينة والأخرى في إطار التنظيمات السياسية المحلية، بمثابة مناسبة للتباري بين المرشحين للترقية الحزبية والنقابية، يتعين على كل واحد منهم أن يبرز فيها قدراته الفكرية ومهاراته اللغوية والخطابية.

ومع ذلك، وحتى في حالة توفر معظم تلك الشروط، يبقى أن العنصر الحاسم في الترقية داخل معظم التنظيمات الحزبية و/أو النقابية هو على العموم القدرة على ربط علاقات خاصة ومتميزة مع أحد أو بعض أقطاب ذلك التنظيم المعروفين، فإذا تحقق ذلك لأحد اعضاء النخبة المحلية، ضمن لنفسه الترقية السريعة داخل التنظيم، وغالبا ما تكون العلاقة بينه وبين القطب الذي يسانده من طبيعة العلاقات الزبونية. فالقطب بحاجة إلى الفاعل المحلي لتكوين قاعدة محلية تدعمه عند الضرورة لتقوية مواقعه داخل المركزية الحزبية، والفاعل المحلي يستعين بالقطب من أجل تعزيز مواقعه داخل التنظيم المحلي وتسلق المراتب وإقصاء المنافسين فيه، وقد تصل درجة ارتباط الفاعل المحلي بالقطب لحد العبودية ما دام في استعداد مطلق للطاعة والولاء الشخصي له(9).

• ثانيا: جاذبية التزكيات الانتخابية للنخب الحزبية:

إذا كان الحكام بالمفهوم الواسع كممثلين للشعب ينبثقون في الأنظمة الديمقراطية منه، ويعبرون عن الإرادة الحرة له بواسطة الإقتراع العام، وتقود حرية التنافس بين القوى السياسية المختلفة إلى عملية التناوب على السلطة. ولكي تتحقق هذه العملية وتأخذ بعدها في تجديد القيادة السياسية، ينبغي تكوين نخب جديدة، وإفساح المجال أمامها للوصول إلى الحكم. وتساهم الأحزاب السياسية إسهاما كبيرا في خلق هذه النخب، فهي تمهد السبيل أمام هذه العناصر الجديدة للدخول في العمل السياسي، وتعمل على إبراز قدراتها وتعدها لتبوؤ القيادة، وتقدم لها الدعم اللازم في المعارك الانتخابية بهدف ايصالها إلى السلطة(10).

ولعل الانتساب لحزب معين على هذا الصعيد يعني من الناحية النظرية أن هذه الأطر الحزبية ملتزمة ومقتنعة بمرجعيات الحزب وأدبياته السياسية، ومستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود من أجل الوفاء للحزب، لكن على المستوى العملي يلاحظ أن الأحزاب المغربية قلما تتوفر على هذا النوع من الأطر المخلصة لعقيدة الحزب. وهكذا نجد أن الإنتماء إلى الأحزاب يكون محكوما بمصالح براغماتية تحكمها خلفية انتهازية ونفعية أكثر منها ايديولوجية أو سياسية، اذ أغلب الأطر الحزبية غير متشبعة بمبادئ التعاقد والإلتزام السياسي تجاه أحزابها وحتى تجاه المواطنين الذين يمنحون أصواتهم للمرشحين بناء على الحزب الذي ترشحوا بلونه، ليجدهم بعد ذلك أصبحوا منخرطين في أحزاب أخرى، ضاربين عرض الحائط بالتعاقد السياسي الذي يجمعهم بالمواطنين(11).

فمن أجل جلب أصوات الناخبين، تعتمد الأحزاب السياسية في غياب مفهوم واضح للتزكية من أجل الترشح للانتخابات على المقومات التقليدية، كالقرابة والزاوية والقبلية والعار وغيره، بحيث لم يأخذ المنتخب مصداقيته من النضال الحزبي والانضباط ومن القدرة على تدبير الشأن المحلي، وإنما من درجة النفوذ والمال والجاه ومن سلط المعرفة والمكانة العلمية ومن العلاقات الشخصية. فحضور الأحزاب الوطنية بترشيحات بجميع مناطق المغرب وتغطية مهمة لدوائره الإنتخابية ستمكنه من إحراز عدد أكبر من الناخبين، ومن هذا المنطلق تبقى الأرقام الكبيرة لمرشحي الأحزاب في الانتخابات صورية، ولا تعبر عن الحضور الحقيقي أو الفعلي لهذه الأحزاب، لغياب أنشطة خلوية تعدد من حضور الأحزاب، وتكون نواة مجتمع مدني بامتياز، بل إن هذا لا يفصح عن جماهرية فعلية، بقدر ما يتم الإكتفاء بالتاريخ الحزبي(12).

ويمكن أن نستحضر في هذا الشأن الخطاب الملكي لعيد العرش في 30 يوليو 2004، الداعي إلى تأهيل العمل الحزبي، والخطاب المؤرخ في 3 يناير 2010 الداعي إلى انبثاق مجالس جهوية للنخب المؤهلة لحسن تدبير شؤون مناطقها، وهذا ما يدل على أن مطلب تأهيل النخبة وترسيخ الديمقراطية التمثيلية أصبح يأتي من القمة، أي من النظام السياسي الحاكم صوب الأحزاب السياسية لإعادة تأهيل عملها ودورها داخل المجتمع من جديد، وهذه مفارقة غريبة.

ويلعب وعي الناخب دورا أساسيا في اتجاه الضغط على الأحزاب السياسية من أجل انتقاء نخب كفأة ومؤهلة للترشح بالموازاة مع وضع برامج انتخابية واقعية، إذ كلما غاب الوعي السياسي للناخب كلما كانت الأحزاب السياسية أكثر قدرة بالمناورة على إدماج شخصيات داخل لوائحها الانتخابية رغم قدراتها المتواضعة التي لا تؤهلها لتمثيل المواطنين(13).

هكذا، وبالرغم من أن المؤسسات الحزبية لازالت تعتبر أحد المعابر الرئيسية التي تقود نحو صالونات النخبة، ونحو كعكة المخزن، فإن طرق الحصول على التزكية غالبا ما يتم وفق طرق ملتبسة كالوساطة والشراء، فالحزب لا يتردد في قبول انضمام أي شخص كيفما كانت سيرته، وهذا يؤدي حتما إلى عدم التزام النخبة المحلية بالبرنامج الحزبي وعدم الانضباط لفلسفته، فـ 4.68 % فقط من المستشارين يعتبرون بأن الانتماء الحزبي يعد التزاما سياسيا يجعل المنتخب ينضبط لبرنامج الحزب. وبالتالي تتحول أغلب المعارك الانتخابية إلى منافسات بين المرشحين، تكون فيها لعبة الشخصيات أهم من لعبة الأحزاب(14).

ومما وجب التذكير به ونحن في صدد الحديث عن فبركة التزكيات الانتخابية للأحزاب المغربة، هو أن هذا الموضوع يتماشى ولا ديمقراطية البنيات الداخلية للأحزاب.

فرغم تميز النظام الحزبي المغربي بالتعددية، التي ظهرت ملامحها منذ فترة قبل الاستقلال، حيث تواجد في الساحة السياسية كل من حزب الاستقلال والحزب الشيوعي وحزب الشورى والاستقلال(15). وقد تم تكريس نظام التعددية الحزبية أول الأمر بوجب ظهير الحريات العامة الصادر سنة 1958، ثم بموجب الدساتير التي نصت ابتداء من 1962 على حظر الحزب الواحد، واعترفت لدور الأحزاب في تنظيم المواطنين وتمثيلهم(16). إلا أنه وبحسب الباحث محمد شقير، فإن “الأحزاب هي تنظيمات غير ديمقراطية، ولا تمارس بين صفوفها أية ديمقراطية داخلية حقيقية، رغم ما تختفي من ورائه من شعارات وأدبيات تؤكد على الإختيار الديمقراطي. فهذه الاحزاب درجت منذ وقت طويل على مطالبة السلطة السياسية بدمقرطة النظام، وضمان نزاهة الانتخابات وإرساء ركائز دولة الحق والقانون، في الوقت الذي لا تحترم داخلها أية مبادئ ديمقراطية ولا تمارس بين صفوفها ديمقراطية داخلية حقيقية”(17).

وعليه، فإن منح التزكيات الإنتخابية، أو بالاحرى المساومة عليها، يدخل ضمن خانة الفرض على المواطنين لنخب وقادة ليسوا من الشعب، وهذا النظام يبعد عن الديمقراطية أكثر من نظام الأحزاب(18). على اعتبار أنه من النواقص الدائمة للتزكية الحزبية المغربية، كون الاحزاب لا تأخذ بعين الإعتبار رغبات السكان الناخبين، ولا تنطلق من بحث ميداني يستجوب فيه المواطنون. كما لا تدرس مجال المنافسة وآليات الحملة، بقدر ما تسعى لمجابهة السلط وأسلوب التحدي، لأنها تنطلق من اعتبارات خارج رغبة المواطنين، وهي بذلك تنتج مسترزقين جدد، لا علاقة لهم بالنضال الحزبي والصراع الإيديولوجي(19).

خاتمة:

خلاصة الأمر، فالترقية الحزبية والتزكيات الانتخابية واقع مواكب للظاهرة الحزبية التي تميزت بثنائية لزمتها طوال ممارستها السياسية قبل الإستقلال وبعده إلى حدود الآن، يتعلق الأمر بثنائية الإنقسام – التوحيد، ثم بعد ذلك مسلسل آخر من التشرذم والإنقسام، والذي يعبر عنه ب “التعددية الحزبية”(20).

اذ سيرورة الإنشقاقات كانت تتم دائما وفق منطق إضعاف النخبة وتقوية النظام، باعتبار عملية التوحد الموازية للتشققات كانت ضعيفة وأقل تماسكا. في ظل أسلوب صنع الأحزاب الموالية للسلطة لتصحيح التوازن مع المعارضة عبر التاريخ السياسي المغربي. كما أن الإنقسام والتشرذم داخل النخب الحزبية لم يكن لعوامل موضوعية خارجة عن إرادة الأطراف، بل عملية ذاتية ناتجة عن اختلافات حادة على مستوى القيادة، من أجل تحقيق مطامح ومكاسب سياسية شخصية. أضف إلى ذلك الظروف الداخلية والخارجية التي فرضت على النسق السياسي المغربي مزيدا من الإنفتاح والتعدد، وبالتالي مزيدا من التشرذم والتعدد في التنخيب من أجل استغلال معطيات المرحلة، فكانت النتيجة جملة من الأحزاب والنخب الفاقدة للمضمون، ونسق سياسي يسعى لبلورة هذه الوضعية لصالحه وتصدير سياساته واختياراته الكبرى في كيفية إدارة الدولة وأجهزتها(21).

وبناء عليه، تفتح الفسيفساء الحزبية المغربية مجالا رحبا على الإختيار بين الأحزاب سعيا من النخب على الترقي بين الهياكل الحزبية المختارة، وبالخصوص للحصول على التزكيات الإنتخابية. وتعتبر ورقة التزكيات للأحزاب الجديدة بالخصوص قنطرتها لجمع المناضلين والمتعاطفين خاصة على المستوى المحلي، وبالتالي لنخب من شأنها الفوز بمقاعد انتخابية بألوان أحزابها، ليبقى شعار الديمقراطية الحزبية والقناعة الايديولوجية لدى مناضلي الأحزاب معلقة على تحقيق دوافع شخصية غير معلنة في انتمائها الحزبي.

ـــــــــــ

الهوامش:
1. عبد الغني السرار: “الديمقراطية الحزبية بالمغرب”، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة محمد الخامس ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي – الرباط، السنة الجامعية 2010 – 2011. ص:63 .
2. عبد الغني السرار: م.س، ص: 63.
3. ظهير شريف رقم 1.11.166 صادر في 24 من ذي القعدة 1432 (22 أكتوبر 2011) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية.
4. المادة 20 من القانون 29.11وتضيف المادة 21 من نفس القانون على أنه “لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي في آن واحد.”
5. حماني أقفلي : ” السلوك الاجتماعي والسياسي للنخبة المحلية ” ، مطبعة فيديبرانت الرباط ، الطبعة الأولى 2002 ، ص:317.
6. حماني أقفلي: م.س، ص:317.
7. حماني أقفلي: م.س، ص:317-318.
8. حماني أقفلي: م.س، ص:318.
9. حماني أقفلي: م.س، ص:318 – 319.
10. عصام سليمان: “مدخل إلى علم السياسة”، دار النضال للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية 1989. ص: 255-256.
11. عبد الغني السرار: م.س، ص: 64.
12. الحسن اللحية: “مسارات النخب السياسية بالمغرب”، مطابع أفريقيا الشرق، بيروت، لبنان 1998. ص: 40-41.
13. عادل زروق: “الجهوية بالمغرب بين حدود التجربة الراهنة وآفاق الوضع المتقدم” بحث لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، جامعة عبد المالك السعدي ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، طنجة ، السنة الجامعية: 2009-2010، ص: 33.
14. سمية المساعدي : ” صناعة القرار المحلي ، بين رهان الحكامة المحلية وإكراهات التنمية ” . رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام . جامعة الحسن الثاني المحمدية . الدار البيضاء ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية ، السنة الجامعية : 2007 – 2008 ، ص: 95.
15. نور الدين أشحشاح: ” القوى السياسية: الأحزاب والجماعات والرأي العام” مطبعة اسبارطيل – طنجة، طبعة 2007. ص: 94.
16. نور الدين أشحشاح: م.س، ص: 95.
17. نور الدين أشحشاح: م.س، ص: 101.
18. عصام سليمان: م.س، ص: 255.
19. الحسن اللحية: م.س، ص: 41.
20. عادل بن جبارة: “الملكية والنخبة السياسية المغربية”. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية بوجدة. س.ج: 2006/2007، ص: 196 – 197.
21. عادل بن جبارة: م.س، ص: 195 – 196.