مجتمع

“الركابة”.. فرسان يضعون الجياد تحت الاختبار خلال بيعها بالأسواق (فيديو)

بجسم نحيف وقامة متوسطة، يسير عبد المولى وعرج بإحدى قدميه لا تخطئه العين. ينزع جلبابا صوفيا ويرتمي بخفة ورشاقة فوق ظهر حصان ثم ينطلق به عدواً قبل أن يكبح سرعته ليمشي بخيلاء، هكذا يضع هذا الشاب الثلاثيني وغيره من “الركابة”، هنا بسوق سطات، الجياد تحت الاختبار خلال بيعها.

هدوء الليل بهذا المكان تكسره أصوات منبهات الشاحنات وأزيز عجلاتها ووقع سنابك الخيل على الأرض، وحديث الرجال ومزاحهم وضحكاتهم، ونداءات لإفساح الطريق. وظلامه تخترقه أضواء المركبات ومصابيح مقاه ومطاعم شعبية عبارة عن خيام. ساعات قبل الفجر اكتظ المكان بالأحصنة والوافدين ممن يرغب في شراء أو بيع حصان.

اختبار الحصان

عملية بيع الخيل، المخصصة للتبوريدة، تبدأ في وقت مبكر من كل سبت، فغالبا ما يتفق الطرفان على السعر ويدفع المشتري عربونا، على أن تستكمل عملية البيع عندما يهل ضوء الصباح، وهنا يأتي دور “الركاب” لاختبار الحصان وإبراز مهاراته في العدو والانطلاق مع “السربة” ومدى سرعته وانصياعه لأوامر من يمسك بلجامه، “إذا العود برّد يكمل ليه فلوسو ما برّدش يرد ليه العربون”، يقول أحد هؤلاء الفرسان.

دور “الركابة”، يقول عبد المولى، يتمثل في وضع الحصان تحت الاختبار واكتشاف سلوكه؛ هل يعض أو يرفس؟ هل يركض مع الجياد أم يتقهقر عند انطلاق السربة؟ فإذا كان الحصان سليما ومروضا بشكل جيد تستكمل عملية البيع، ونحن نأخذ مقابلا عن عملنا من البائع والمشتري على حد سواء”.

هذا الدور الذي يؤديه هؤلاء الفرسان الشباب في هذه السوق، بحسب ادريس، وهو مربي خيول في عقده السادس خبر المجال لسنوات، “مهم جدا”، ملخصا هذه الأهمية في جملة كثيفة :”الركابة كينضّيو ليك العود واش تخلصو ولا لا”.

وواصل حديثه عنهم بقوله “الركابة ديال سطات ناس معلمين دازو مع الشيوخ والحرايفية ديال بصح وتدربو.. ناضيين”، موضحا أن مخاطر الوقوع في الغش واردة جدا، واستدرك بأن هؤلاء الفرسان “فنانون يركبون على الجياد ويبرزون مهاراتها وقوتها ويكشفون عيوبها”.

الوساطة

في الكثير من الأحيان لا يكتفي “الركاب”/الفارس باعتلاء الحصان وإبراز مهاراته ومميزاته وكشف عيوبه، بل يتجاوزه إلى دور الوساطة، إذ يلجأ عدد من الزبناء إلى خدمات هذه الفئة من الشباب قبل شراء الجواد، فيرافقه أحدهم في عملية بيع قد تنطلق مع الساعة الرابعة قبل الفجر ولا تستكمل إلا بعد الشروق.

مرتديا جلبابا صوفيا سميكا، بالكاد يتجاوز الركبتين، يسير عزيز، وهو أحد “الركابة”، بين الجياد في سوق سطات، حاملا عكازا صغيرا في يده يهش به كلما داهمه خطر حصان جامح فُك عقاله. يعرف جل من في السوق ويعرفونه، يسأل بعضهم عن ثمن البيع قائلا: “شحال عطاوك؟” ليجيب الآخر “باقي على الله” أو يعلن ثمنا محددا.

يقول هذا الشاب إنه يقوم بدور الوسيط في الكثير من الأحيان بهذه السوق، حيث يلجأ له عدد ممن كسب ثقتهم، “أساعد من يضعون ثقتهم في على شراء الخيل، نبحث عن الجواد المطلوب ونتفق عن الثمن، ثم يدفع المشتري العربون، بعد كل هذا يأتي وقت الاختبار فأذهب بالجواد إلى المضمار، فإذا كان مروضا خاليا من العيوب يستكمل البيع، إذا ظهرت عليه عيوب يرجع البائع للمشتري عربونه”.

وجود هؤلاء الفرسان بأسواق الخيل “مهم جدا” بالنسبة للعربي، وهو مربي خيول شاب، معتبرا أن اختبار الحصان خلال البيع أمر مهم، “في الكثير من الأحيان لا تكون للبائع والمشتري القدرة على الركوب على الحصان لظروف معينة، فيلجؤون إلى خدمات الركابة”.

أخطار محدقة

“تنركب على العود وما عارف اشنو تحت راسو”، يقول عبد المولى مبرزا مخاطر هذه المهنة، ويضيف موضحا أن بعض الأحصنة تجفل خوفا من قطعة ورق أو بلاستيك على الأرض فتقفز براكبها في الهواء، ما يؤدي إلى سقوطه”، خصوصا أن الركوب في الأسواق يكون بلا سروج.

يحكي هذا الشاب أنه في إحدى المرات حاول اختبار حصان في مضمار السوق، فانطلق به مسرعا قبل أن يتعثر ويسقط. كانت مجرد كبوة للجواد، لكن الفاتورة كانت باهظة بالنسبة لعبد المولى الذي تعرض لكسرين في ذراعه وساقه، إصابة أقعدته عن عمله لأسابيع، لكنه عاود العمل قبل أن يشفى تماما.

المخاطر بالنسبة لعبد المولى لا تنتهي، ففي إحدى المرات اصطدم الحصان الذي يمتطيه بشاحنة، وفي الكثير من الأحيان تفاجئه عربة مجرورة وهو منطلق بأقصى سرعة، “قبل أيام حصان أنزلته من الشاحنة فأصبت في الكاحل”.

رغم المخاطر إلا أن أغلب هؤلاء الشباب يعشقون عملهم، وذلك مرده إلى تعلقهم بالخيل، “فتحت عيني أول ما فتحتها على الخيل، أقتاد حصانا أركب وأسقط ثم أنهض من جديد، كنت أتردد على السوق وأنا طفل، الحمد لله ها أنا قد (سرقت الصنعة) أعيش من فضلها أنا وأسرتي”، يقول عبد الموالى. أما “ركابة” آخرون فإن أحلامهما لا تخرج عن مجال الخيل، كامتلاك اسطبل خيول والتتويج في المسابقات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *