من العمق

لغروس يكتب: لقد قامت القيامة.. أين الملك ؟

أمام مسيرة العار التي شهدها أحد شوارع مدينة الدار البيضاء الأحد الماضي 18 شتنبر 2016 وبالنظر لأفعال الصبيان أو “لعب الدراري” كما أسماه المحامي محمد زيان في حواره مع جريدة “العمق”، فإن تشبيه الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير أجواء ما قبل الانتخابات ب “القيامة” تحول إلى حقيقة، وأن ما عبر عنه بأن البعض يفقد صوابه ويدخل في الفوضى، بالفعل لقد وُجد من فقد صوابه ودخل في فوضى وصراعات لا علاقة لها بحرية الاختيار.

وحيث إن الواقفون وراء مسيرة النيل من الديمقراطية يتعدى الأخطاء الإدارية إلى مستوى الجرم والكبائر، ويتجاوز التظاهر الفجائي أو التفاعل التلقائي للمواطنين إلى مستوى الإعداد مع سبق الإصرار والترصد وبتوجيهات من مستوى عال -(من فكر؟ ومن خطط؟ ومن عبأ؟ ومن تكلف بالنقل واللوجستيك والإطعام؟…)- فإن الموقف يستوجب تدخلا تحكيميا لصالح الديمقراطية لأن الذي مسته المسيرة المفضوحة بشكل مباشر وتلاعبت به هو صورة المغرب وتراكمه الديمقراطي البطيء، مما يجعل حضور رمز السيادة والممثل الأسمى للدولة والحكم بين مؤسساتها والساهر على حسن تسييرها وصيانة الاختيار الديمقراطي حسب منطوق الفصل 42 من دستور المملكة أمرا ضروريا.

لقد تداعت أشراط الساعة للظهور وبرزت علامتها بين صغيرة وكبيرة، بل لقد قامت القيامة وحشر الناس فجرا وضحى لمدينة البيضاء ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وقد سبقها علامات أخرى عنوانها الاستهداف والتشهير والافتراء والترهيب والنيل من حقوق المواطنة، ولعل وقائع من قبيل رفض ترشح القباج حماد وإجبار آخرين على التراجع عن ترشحهم باسم العدالة والتنمية كما حدث في تاونات مع رجل الأعمال بوشتى بوصوف وفي سيدي قاسم مع عبد الرحمان الحرفي أو مع الإعلامية بقناة “تمازيغت” فاطمة أوشرع، أو ما ينقل عن تصريحات وتوجيهات لأعوان السلطة في مدن مختلفة، والحث على دعم حزب السلطة “البام” دون باقي الأحزاب، أو ما تعرض له الرفيق بنعبد الله من هجوم وتشهير، والنماذج كثيرة للتأشير على أن القيامة بالفعل قامت عند معسكر السلطوية أو ما يوصف بالدولة العميقة وأدواتها الحزبية والإعلامية والأمنية، والذي مر إلى سرعته القصوى في معركة كسر العظام بهدف إغلاق قوس الانفراج الديمقراطي الذي يعيشه المغرب منذ 2011.

بعد مدة من ترويج صورة إيجابية على المغرب وإشادة دول عدة وشخصيات مختلفة في العالم بالاستثناء المغربي في التفاعل مع مطالب الشباب والقوى الديمقراطية الحية بالبلد، وما تمت مراكمته في طريق الانتقال من 2011 إلى اليوم، يطرح السؤال بقوة الآن هل سنعود إلى أجواء ما قبل 2011؟ وهل سيقبل المغرب أن تمرغ صورته في التراب مرة أخرى بعدما أصبح فيه شيء من النظارة، ماذا سنقول لعشرات الدول وآلاف المنظمات والشخصيات والمنابر الإعلامية التي ستزور المغرب مع فعاليات محطة “كوب22” المهمة والتي ستنعقد شهرا بعد انتخابات 7 أكتوبر؟.

عاد جدا أن يدافع أصحاب المصالح عن مصالحهم، وعاد أن لا يقبل الفاسدون والمستبدون بسهولة التراجع أو أن يعيشوا ككل الناس تحت قانون واحد وفي مناخ يُعلي من قيم النزاهة والديمقراطية وتكافئ الفرص وخدمة الصالح العام والانتقال من منطق خدمة الدولة إلى منطق خدمة المواطن، لكن أن يصل الأمر لتهديد الديمقراطية والحريات والبلد ككل باستعمال أساليب قذرة تجر المغرب للعهد البائد، بصوره السوداء القاتمة، فإن الأمر يستدعي أن يعلوا صوت العقل وأن يتحد الديمقراطيون الوطنيون في جبهة واحدة ضد معسكر الفساد والاستبداد والسلطوية.

إن الأمل في انتصار القوى الوطنية الديمقراطية يبقى كبيرا ومن خلالها انتصار المغرب، يبقى كبيرا بالنظر لتجاربهم المختلفة والمشرفة وتنامي اتساع دائرتها، وأيضا بالنظر للتصرفات الصبيانية لخصومهم المفترضين العاجزين عن المواجهة بلغة التنافس الشريف والنزاهة والاحتكام للشعب عبر صناديق الاقتراع، وهو ما يجعل كل كيدهم وسحرهم ينقلب عليهم بالنظر إلى منسوب الوعي العام والسياسي خصوصا الذي ارتفع لدى فئات واسعة من المغاربة بسبب تحولات عدة فيها الجيلي والإعلامي.

ومادام معسكر السلطوية قد بدأ يفقد صوابه ويعبر بالواضح عن الاستعداد لارتكاب الحماقات وخلق الفوضى بشكل يهدد مستقبل البلد، واستباقا لأي كارثة لا قدر الله قد يتسبب فيها العمى المصلحي وجشع المفسدين، فإن دور التحكيم أصبح مطلوبا بإلحاح، لإعادة التوازن وتجديد التأكيد على أن إرادة الدولة في الإصلاح ليست طاكتيك ولا انحناء ظرفي بل هو مسار لم يعد يقبل التراجع، وهي إشارة مهمة للمغاربة أولا وقواهم الحية وأيضا للخارج المتعدد الذي أصبحت عينه على المغرب أكثر من أي وقت مضى…لقد قامت القيامة فأين الملك؟