آخر أخبار الرياضة، العمق الرياضي

ساحل العاج ولاعبها “هالر”.. عائدان من الموت إلى عرش الكرة الإفريقية

لم يكن أشد المتفائلين بكوت ديفوار، ولا أمهر كُتاب سيناريوهات الأفلام “الهيتشكوكية” ولا حتى منتجو أفلام “بوليود”، يتوقعون النهاية الدراماتيكية لبطولة أمم افريقيا 2023، بتتويج منتخب كوت ديفوار العائد من “الموت”، بهدف لاعب عائد من صراع مع السرطان والموت أيضا.

أسدل الستار أمس الأحد، بملعب الحسن واتارا بالعاصمة الإيفوارية آبيذجان، على ملحمة دارمية كواحدة من أفضل دورات كأس الأمم الافريقية، بعدما كتبت بأحرف من ذهب إسم كوت ديفوار بطلا للمرة الثالثة في تاريخه بعد دورتي 1992 و2015.

عاش متتبعو الكرة الافريقية والعالمية تفاصيل وأحداث قصة ملهمة وبطولة ملحمية لبطلين صارعا الموت، كل بطريقته ومصيره، فالأول اللاعب سيباستيان هالر الذي صارع مرض السرطان، ليزف بخبر شفاءه من الداء الفتاك، والثاني منتخب بلاده كوت ديفوار الذي كان قاب قوسين أو أدنى من مغادرة البطولة المقامة ببلاده، لتنتهي الرحلة بتمكن هالر المنتصر على الداء المميت من تتويج منتخب بلاده العائد من الموت.

 خروج مبكر وقبلة حياة مغربية

بفوز منتخب الفيلة على غينيا بيساو بهدفين نظيفين، توقع كثيرون أن يذهب الإيفواريون بعيدا في هذه النسخة، وذلك بالنظر للتحضير الجيد وبإقامة البطولة ببلادهم ووسط جماهيرهم، إلى أن الإيفوارييون اصطدموا بمنتخب نيجيريا وخسروا المباراة الثانية بهدف لصفر.

وفي الوقت الذي كانت نقطة وحيدة تكفي منتخب كوت ديفوار للمرور للدور الثاني، تلقى صدمة غير متوقعة وذلك بتلقيه هزيمة كبيرة بأربعة أهداف دون مقابل أمام منتخب غينيا الاستوائية، ليقرر إقالة مدربه الفرنسي جاتييه وتعيين مساعده الإيفواري إدريسا فاي، دون انتظار مصيره الذي لم يعد بيده.

الهزيمة بأربعة أهداف كان وقعها قاسِِ على الإيفواريين، فبسرعة اختفت مظاهر الاحتفالات والرقص مع الجماهير المغربية بشوارع البلاد، وبات المنتخب الإيفواري خارح البطولة تقريبا في واقعة شبيهة بأقسام الانعاش في المستشفيات، إلا أن أولى خطوات التعافي كانت بتعادل منتخبي موزمبيق وغانا في المجموعة الثانية.

وبقى الأمل الضئيل للإيفواريين للصعود ضمن أفضل الثوالث معلقا على المغرب، لتهب الجماهير الايفوارية بالآلاف بقيادة نجمها الأسطوري ديدييه دروغبا لتشجيع المغرب، ليأتي الفرج في آخر أطوار منافاسات دور المجموعات، بهدف المغربي حكيم زياش في مرمى زامبيا ليمنح “قبلة الحياة” للمنتخب الايفواري ويخرجه من قسم الانعاش.

العائد من الموت لا يخشى أحدا

هدف المغربي زياش بعث الأمل من جديد في صفوف منتخب الفيلة، لينهض المنتخب بروح جديدة  ويواجه بطل النسخة السابقة السينغال المرشح فوق العادة للحفاظ على لقبه بعد بصمه على مستوى جيد وتحقيقه العلامة الكاملة بتسع نقاط في دور المجموعات،.

وبعد افتتاح التسجيل مبكرا بأقدام سينغالية، عدل الإيفواريون النتيجة في آخر أنفاس المباراة، وتأهلوا بضربات الترجيح للدور الموالي، في واحدة من المفاجئات الكبيرة في البطولة.

الأحداث الدرامية لم تتوقف عند هذا الحد، ففي دور الربع، واجهت كوت ديفوار منتخب مالي، وتلقت الضربة تلو الأخرى، فبعد حصول منتخب مالي على ضربة جزاء في الربع الأول من المباراة، وتصدى الحارس لها، حصل اللاعب الإفواري كوسوندو بعد ذلك، على بطاقة حمراء في الشوط الأول، ليلعب الإيفواريون الشوط الثاني بعشر لاعبين، قبل أن يدق اللاعب المالي نيني المسمار الأخير في نعشهم بهدف قاتل في الدقيقة 71.

وفي الوقت الذي كانت تتجه فيه الأنظار لإقصاء كوت ديفوار، تمكن الإيفواريون من تعديل النتيجة في آخر أنفاس المباراة، لتتجه المباراة لأشواط إضافية، وبنفس سيناريو الوقت الأصلي، تمكن منتخب كوت ديفوار من مباغثة الماليين وخطف بطاقة التأهل للنصف في الدقيقة 120.

هالر وصراع الموت

للاعب الإيفواري سيباستيان هالر ذو ال29 عاما، نصيب كبير من القصة الأسطورية، لاعب دورتموند، كان قد تلقى خبر إصابته بالسرطان بعد أسبوعين من انتقاله للنادي الألماني قادما من آياكس الهولندي، ليبدأ رحلة علاج بالكيماوي أفقدته شعره وملامحه، رحلة مواجهة “الموت”.

استمر معاناة هالر لعامين قبل أن يشفى من المرض، ويعود للملاعب ويحمل منتخب بلاده على أكتافه في نصف النهائي أمام الكونغو الديموقراطية بهدف من توقيعه، ثم يعود وفي الدقائق الأخيرة من المباراة النهائية لتسجيل هدف التتويج باللقب القاري ويتربع على عرش الكرة الافريقية.

لم يتمالك هالر دموعه بعد التتويج بشكل يلخص معاناة وأحداث درامية استثنائية تخلد في ذاكرة عشاق المستديرة لوقت طويل لمنتخب ولاعب انتشلا من الموت إلى الحياة مجددا، وهو ما كشفه اللاعب في الندوة الصحفية قبل المباراة النهائية قائلا: “مثلت الشهور 18 الماضية، كان تحديًا كبيرا لي ولعائلتي، وبالنظر إلى ما حدث بتلك الشهور، ومن الرائع التواجد الآن أمامكم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *