منوعات

بعد تفويتها عقار بقلب مراكش بثمن “زهيد”.. هل تعيد المنصوري “خطيئة” أبدوح في “كازينو السعدي”؟

فاطمة الزهراء المنصوري وعبد اللطيف أبدوح

خرج المجلس الجماعي لمدينة مراكش، الذي ترأسه فاطمة الزهراء المنصوري، بـ”توضيح” حول مآل صفقة تفويت وعاء عقاري بثمن وصف بـ”الزهيد” والجهة المستفيدة منه، إلا أن التوضيح شابته عدد من العيوب الشكلية وتناقضات على مستوى المضمون، مما يظهر “حالة الارتباك” لدى المجلس بعد تفجر هذه القضية التي كانت جريدة “العمق” سباقة لكشف تفاصيلها.

وأعاد هذا “التفويت”، إلى الذاكرة نفس الواقعة التي يتابع على خلفيتها القيادي الاستقلالي بمراكش، عبد اللطيف أبدوح، عندما كان رئيس بلدية المنارة جليز بين سنتي 1997 و2003، واتهم بـ”تفويت للأرض التي يقوم عليها فندق السعدي المشهور بمراكش، بـ600 درهم للمتر مربع، في الوقت الذي كان ثمنه الحقيقي بالمنطقة يتجاوز 15 ألف درهم.”

مؤاخذات شكلية تفقد المصداقية

أول هذه الملاحظات على البيان التوضيحي، هو عدم احترامه أبجديات وشكليات البيانات والبلاغات المؤسساتية الرسمية، انطلاقا من اسم الجماعة الموضوع تحت شعارها، بخط مختلف حجما وشكلا بشكل تام عن باقي المنشورات التي تنشرها الجماعة.

إضافة إلى ذلك، جاء البيان التوضيحي، بصيغة WORD، والذي توصلت به جريدة “العمق”، يكشف أن الجهة الصادرة للبيان على الشكل التالي، المملكة المغربية، وزارة الداخلية، ولاية جهة مراكش آسفي وعمالة مراكش، جماعة مراكش، المديرية العامة للمصالح. في حين أن البيان بصيغة JPEG (صورة) المتداول على فيسبوك لا يضم المعطيات السابقة.

الملاحظ أيضا وقبل الانتقال إلى التناقضات على مستوى المضمون، أن البيانين، سواء في صيغته WORD أو JPEG، لا يحمل أي منهما أي توقيع أو خاتم مؤسساتي يمنحه الشرعية القانونية والرسمية، التي تجعل المتتبع يعرف الجهة التي أصدرته وأنها تتحمل مسؤولية مضامينه. علاوة على ذلك، لم تنشر الجماعة البيان عبر قنواتها الرسمية، سواء على الموقع الرسمي، أو صفحتها على فيسبوك.

تناقضات ومفارقات

في حالة صدقنا برسمية البيان وحقيقته، ستكون البداية في موضوعه أولا مع مساحة العقار. إذ أن الوثيقة التي تتوفر عليها جريدة “العمق”، والتي صادق عليها أعضاء المجلس الجماعي بمراكش، تتعلق بمساحة قدرها 2367 متر مربع، وهي ما يؤكد عليها برنامج الدورة التي نشرته جماعة مراكش، ويؤكده بروتوكول الإخبار الذي قدمته إلى السلطات الولائية بمراكش، المتعلق بعقد دورة فبراير الجاري.

ففي الوقت الذي صادق أعضاء المجلس على تفويت عقار مساحته 23567 متر مربع، ذكر البيان التوضيحي أن المساحة التي جرى تفويتها لا تتعدى 1700 متر مربع، علما أن التوضيح حافظ على نفس الرسم العقاري ونفس المبلغ.

المبلغ الذي جاء في البيان التوضيحي هو نفسه الذي تداول واتفق عليه في دورة المجلس الجماعي، وهو 7.101.000 درهم، لكن عند ضرب مساحة 1700 متر على مبلغ المتر مربع الواحد المحدد في 3000 درهم، يصبح ثمن الوعاء 5.100.000 درهم فقط، وليس كما هو موضح، ما يعني أن هناك غبش لم يتم توضيحه بشكل كافي من طرف المجلس.

تبرير بـ”مصلحة الدولة”

في ردها على ما جاء في مقال “العمق”، ذهبت جماعة مراكش، أو المديرية العامة للمصالح بالجماعة، إلى القول إن “عملية التفويت تمت لـ”فائدة الدولة (الملك الخاص)”، دون أن تبين المصلحة أو الغرض من ذلك.

ويبدو أن محرر البيان لا يخفى عليه أنه من الواجب إبراز الغاية والهدف والمستفيد من التفويت في مثل هذه القضايا، وأنه في حالة المصلحة العامة يجب ذكرها بشكل صريح، في إطار الشفافية والوضوح والحق في الوصول إلى المعلومة. وذلك ما لم يتم كشفه.

افترضنا السابق جاء بناء على ما جاء في البيان التوضيحي، عندما استشهد على أن عمليات التفويت بين الجماعة والدولة تتم بمبالغ تفضيلية، وقدم مثالا على ذلك، بتفويت الجماعة قطعة أرضية لفائدة الدولة لإنجاز مركب قضائي بحي سيدي يوسف بن علي بمبلغ 450 درهم للمتر المربع.

وذكر أيضا مشروع تفويت قطعة أرضية لفائدة الجماعة من طرف الدولة بمبلغ 500 درهم للمتر المربع الواحد لتسوية وضعية استغلال عقار مخزني مشيد عليه سوق أزلي.

إلا أن الهدف من تفويت الوعاء العقاري رقم 2574/م، لم يتم الكشف عنه، بل ذكر أنه لـ”فائدة الدولة (الملك الخاص)”، دون تفاصيل أخرى.

رمي بالنار للولاية السابقة

الموضوع بعض إثارته للجدل، يحاول المجلس الحالي رمي كرة النار على ولاية المجلس السابق الذي كان يقوده محمد العربي بلقايد، عن حزب العدالة والتنمية، وذلك لأن اللجنة التي قامت بتقييم الوضع، سنة 08/04/2021، هي من حددت مبلغ المتر واحدة في 3000 درهم، وفق توضيح البيان.

وذكر البيان أيضا أن النقطة المتعلقة بتفويت هذه البقعة الأرضية، جاءت “كنقطة مضافة بجدول أعمال المجلس الجماعي السابق، في دورة فبراير 2020، من طرف الوالي السابق لجهة مراكش آسفي آنذاك، وأن المجلس صادق بإجماع الحاضرين على قبول التفويت مبدأ التفويت في انتظار تحديد المبلغ من طرف اللجنة الإدارية”.

استمرار مسلسل تبديد العقار

تأسف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، قائلا إن “مسلسل تبديد العقار العمومي ما يزال مستمرا بجهة مراكش آسفي”، واصفا الوضع بـ”الفضيحة”.

وقال الغلوسي إن واقعة تفويت العقار المتواجد بزنقة شفشاون بالحي الشتوي “l’hivernage”، قضية “بددت وهدرت فيها أموال عمومية، وهي لا تختلف عن قضية “كازينو السعدي”، مشيرا إلى أنها قضية لازالت محكمة النقض لم تحسم أمرها منذ مايفوق ثلاثة سنوات وهو الملف اللغز الذي استغرق قضائيا ما يفوق 15 سنة من التقاضي.

وأثار الغلوسي قضية مشابهة، تتعلق بـ”تفويت عقار عمومي بمنطقة تاركة الإستراتيجية لشركة في اسم الأبناء القاصرين الخازن العام للمملكة، بثمن 300 درهم للمتر المربع في الوقت الذي يصل فيه ثمن العقار هناك إلى ما يفوق 20000 درهم للمتر الواحد”.

إصرار على معاكسة توجهات الدولة

الغلوسي في تفاعله مع القضية التي فجرتها جريدة “العمق”، ذهب إلى القول إن ما يقع إذن “يتعلق بإصرار إرادة ما تعاكس حتى توجهات وخطاب الدولة على تبديد وتوزيع كعكة العقار العمومي بالمدينة لكي يستفيد أصحاب الجاه والسلطة في انتهاك تام للقواعد الدستورية ذات الصلة بالحكامة والشفافية والنزاهة”.

وزاد المحامي والحقوقي المذكور أن وقائع تفويت العقار العمومي بمراكش “جرائم كاملة الأوصاف والأركان لا يجب السكوت عنها أو القبول باستمرار الفساد والإثراء غير المشروع في استغلال فاضح ومكشوف لمواقع المسؤولية والقرار العمومي”.

التفويت أثار الجدل

طرح موضوع التفويت تساؤلات حول الجهة التي نالت الوعاء العقاري مقابل هذا الثمن، خاصة وأن المجلس لم يكشفها، وهل استمر نفس الأشخاص في الاستفادة من هذا الوعاء أم أنه فوت لأشخاص آخرين.

في خضم البحث عن إجابة لهذا السؤال، جل من تحدثت معهم جريدة “العمق”، قالوا إن عملية التفويت جرت مع “ورثت عائلة كبيرة بالمدينة الحمراء”، أو “ناس كبار” كما ذهب أحد المصادر إلى وصفهم.

المثير أيضا في القصة أن المجلس الجماعي لمراكش لم يقم بفتح مزاد علني في الموضوع، كون الوعاء العقاري يقع في قلب المدينة ومكان حي لجلب الاستثمارات السياحية والاقتصادية التي من شأنها أن تعود على المدينة بالنفع، خاصة وأن اللجنة حددت ثمن المتر مربع في 3000 درهم فقط.

مصلحة شخصية

يتضح من خلال ما استقته جريدة “العمق” من مصادر متفرقة أن عملية التفويت تمت لـ”صالح أشخاص سيستفيدون من الوعاء العقاري لمصلحة شخصية وليس من أجل المصلحة العامة”.

المحامي الذي اتصلت به الجريدة قصد فهم الجوانب القانونية للتفويت، اعترض على التعليق على مبلغ التفويت هل كان مناسبا أم لا، وقال إن في مثل هذه العمليات، إذا كان الموضوع يتعلق بمصلحة عامة أو استثمار سيعود بالنفع على المدينة والمواطنين، فإن مبلغ التفويت يكون تشجيعيا وتفضيليا، وقريب من السومة السوقية وليس بعيدا عنها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *