مجتمع

شفشاون .. وراء جمالها الساحر قبح مستتر

ياسين أيدي – شفشاون

إن الزائر لمدينة شفشاون، ينبهر للوهلة الأولى من جمالها، فهي مدينة تشهد أزقتها بتاريخها العتيق، وطبيعتها الخلابة، ومياهها الجارية بسر وجودها. فلونها الأزرق يفقدك القدرة على التمييز بين السماء والأرض، فلا يكاد يوجد بيت إلا والزرقة قد طغت عليه، أما ما يثيرك أكثر هو موقعها بين الجبال، حيث المناظر الجميلة التي تأسر عيون الناظرين.

السكينة والهدوء هما طبعها، ومن يبحث عن الراحة والإبداع يقصدها، زوارها كثر يتوافدون عليها طوال أيام السنة، فتواجدهم بها عتق لهم من متاعب الحاضر، وسفر عبر الزمن، حيث بطئ الحياة، والتشبت بالتقاليد والعادات، المتوارثة من الأجداد.

لكن كما للمدينة وجه جميل، يكتشفه السائح، لها أيضا وجه آخر، لا يعرفه إلا سكانها، ففي أحيائها، وبين شبابها تكثر ظاهرة تعاطي المخدرات، وبالضبط تدخين القنب الهندي “الحشيش”، حيث تنتشر بشكل كبير، فلا يكاد يوجد زقاق، أومقهى إلا ومظاهر “التحششات” حاضرة بقوة، لدرجة أن حصل التطبع مع الأمر، وأصبح من المسلمات، وكأنه غير ممنوع بنص القانون، ومحرم بالنص الديني، وبالرغم من الحملات الأمنية بين الفينة والأخرى لمحاربة الظاهرة، إلا أن ذلك لا يعود بنتائج ملموسة، تنقد شباب المدينة من براثين المخدرات، وتخرجهم من وحلها.

المخدرات تقتلني ببطئ

أشرف شاب في العشرين من عمره، ترك الدراسة قبل خمس سنوات، ومنذ ذلك الحين وهو يدمن الحشيش، يقول لجريدة “العمق” والحسرة بادية على وجهه، “بسبب الفراغ، بدأت التدخين، فلا دراسة عندي، ولا عمل أشغله حتى أتجنب ذلك، أشعر وكأنني في الأربعين من عمري، وسأموت وأنا أدخن الحشيش، لأنه من المستحيل أن أترك ذلك، على الأقل وأنا موجود في هذه المدينة، لأن نمط الحياة فيها، يجبرني على ذلك”.

أيام أشرف كلها متشابهة عنده كما يقول، فلا فرق بين إثنين وأحد، ولا بين صيف وشتاء، “أستيقظ في السادسة مساء، وبعد الحصول على مصروف من الوالد أو الوالدة، أشتري الحشيش “الطريف”، عندها يكون المقهى هو المأوى، حيث الاستمتاع بمشاهدة مباريات الدوري الإسباني، وتحليل مجرياتها على المباشر مع رواد المكان، هكذا حتى ساعات الصباح الباكر تستمر جلستنا”.

ويضيف بأسف، “هذا هو الواقع الذي أحياه أنا والكثير من الشباب مثلي، أريد تغيير هذا الوضع، وأحاول لكن لا شيء يتغير في ظل هذه الظروف”.

غياب التنمية

أثناء مرافقة الجريدة لجواد، الحاصل على إجازة في الفلسفة، من جامعة عبد المالك السعدي، وهو يمارس طقوس التدخين، أخبرنا أن السبب الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة، هو غياب التنمية وفرص الشغل، معطيا مثالا بنفسه، “أنا حاصل على الإجازة منذ ثلاث سنوات، من وقتها وأنا أبحث عن عمل، جربت كل الطرق، من ولوج مباريات التعليم، والأمن …، إلى محاولة القيام بأعمال خاصة، كالتجارة وما إلى ذلك، لكن الأمر لا يفلح في جميع المحاولات،لأسباب عديدة ومختلفة، هذا الشيء جعلني أعيش نوعا من الفراغ، والشعور بالوحدة، لم أقدر معه إلا على تعاطي الحشيش، وإن كانت أضراره أكثر من منافعه”.

الفقر هو السبب

“حتى أنا بغيت نكمل القرايا ديالي فحالي فحال الناس، ولكن الظروف كتحكم”، هكذا نطق حمزة كلماته وهو يحبس دموعه، هو صاحب 25 ربيعا، يشتغل في البناء منذ أن غادر الثانوية، وعمره آنذاك سبعة عشر عاما، حيث يقول “كانت ظروف العيش الصعبة، السبب الرئيسي في خروجي للاشتغال، فبعد مرض الوالد الذي أقعده في البيت، اضطررت لذلك، بهذف إعالة الأسرة ماديا”، مضيفا “خروجي للعمل في هذه السن المبكرة، أكسبني العديد من العادات السيئة، ومنها تدخين الحشيش، فالشارع ليس كالمدرسة، مكان للتربية والتعليم، وإنما هو مكان صعب ومتسخ، لا يتعلم فيه الإنسان إلا مثل هذه الأشياء”.

أسباب كثيرة وحلول منعدمة

الفاعل الجمعوي، حمزة بن طاهر، اعتبر أن أسباب الظاهرة كثيرة ومتعددة أبرزها، انتهاج الدولة لسياسة “عين ميكا” تجاه مزارعي القنب الهندي، بالإضافة إلى أن المخدرات قطاع اقتصادي غير مهيكل، يدر على البلد مبالغ مهمة من العملة الصعبة، قبل أن يضيف “الخطير في الأمر هو انتشار أنواع جديدة من المخدرات في المنطقة، معظمها قادم من وراء الحدود، ومعدل كيميائيا، كالقرقوبي، والكوطا …، وذلك راجع إلى وجود نوع من التقصير من طرف السلطات الأمنية في مراقبة المواد المهربة من الحدود”.

وأفاد المتحدث ذاته، أن ما يساعد على بقاء هذه الظاهرة، هو عدم وجود مراكز محاربة الإدمان، والأطر المختصة في المنطقة، في مقابل تواجد بعضها في المدن الكبرى، كذلك غياب دور المجتمع المدني، والمتمثل في الجمعيات، المنظمات، والهيئات التي من الممكن أن تعطي برامج وحلول بديلة تشرك فيها الشباب.