وجهة نظر

قراءة تفكيكية لبعض حجج التيار المحافظ

من بين الحجج الفاسدة للتيار المحافظ في النقاش حول مدونة الأسرة أن النساء لا تُردن المساواة ولا الحقوق التي يطالب بها التيار الحداثي الديمقراطي، وأن المجتمع أيضا لا يريد ذلك، هؤلاء يقعون في أربعة أخطاء فادحة:

أولا أنهم يتجاهلون النساء اللواتي استفدن من التعديل سنة 2004 وما بعدها، رغم أنهن لم تكن موافقات عليه، فانطبقت عليهن الآية “عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”.

الثاني أنهم يتجاهلون بالكامل بقية المجتمع الذي يطالب بحقوقه ويرفض الظلم، حيث يختزلون المجتمع المغربي في الفئة التي يمثلونها، وهذا غير مقبول، لأنه في حالة وجود ظلم وتمييز تسبّب في ضياع مصالح، لا بد للدولة من التدخل لتصحيح الوضع.

الثالث هو أننا عندما نشرح للمجتمع حقيقة الأمر مع تقديم المعطيات الصحيحة من واقع الأسرة المغربية تتحرك الضمائر وتستوعب الدرس، وهذا ما يعرفه المحافظون من التيار المتشدّد عندما يلجئون إلى التغليط والكذب والإشاعة عوض تقديم الحجج على خطأ الرأي الآخر، كمثل قولهم بأن تعديل المدونة يهدف إلى إشاعة العلاقات المثلية (!؟) ولهذا فمن يقول بأن المجتمع لا يريد مراجعة المدونة عليه أولا أن يتحلى بالنزاهة ويناقش المشاكل الحقيقية وعندئذ يترك للمجتمع حرية الاختيار.

والرابع أن هؤلاء لا يفهمون بأنه عندما تكون هناك مظالم في المجتمع بسبب قانون فمعنى ذلك أن هناك تغيّر ما وقع في بنيات المجتمع والسلوك جعلت القانون غير مطابق للواقع، وفي هذه الحالة، وحيث لا يمكن إيقاف الواقع أو تثبيته، فإن الحلّ الذي لا يمكن تفاديه سيكون هو تعديل القانون من أجل إيجاد حلول للأسرة المغربية، ولا يشفع لهؤلاء أنهم يختفون وراء فقه تراثي قديم لا يبيح تلك التعديلات، لأنهم ملزمون بتقديم حلول للمشاكل المطروحة، ما دامت الغاية من الفقه هي خدمة الإنسان وليس العكس، وفي حالة عدم توفرهم على بدائل فسيكون على الدولة أن تتصرف بمنطق اجتهادي حفظا لمصالح المواطنين وكرامتهم.

ومن بين الأساليب غير الشريفة التي يستعملها التيار الديني المتشدّد في رفض مراجعة مدونة الّأّسرة، تحريض الذكور على العزوف عن الزواج بذريعة أن اقتسام الأموال المكتسبة بعد الطلاق ظلم لهم، بينما الحقيقة هي أن هذا الموقف مغرق في احتقار النساء والاستخفاف بعملهن وجهودهن سواء داخل الأسرة أو خارجها، التي يعتبرونها غير مشاركة في بناء الثروة، وهذا منطق مستلب كليا في الفقه القديم الذي كان قائما على أن الرجل هو وحده الذي “ينفق” ويخرج لطلب الرزق وكسب المال. وهذا معناه أن التيار الديني يعمل وفق مبدأ “ولو طارت معزى”، إذ رغم كل جهود النساء في العمل والإنتاج ما زال هؤلاء يعتمدون المبدأ الفقهي الذي صار غريبا عن الواقع الراهن.

ومن الأساليب غير الشريفة كذلك ادعاؤهم بأن مراجعة مدونة الأسرة إنما تتم بسبب التبعية لضغوط خارجية، وهذا الزعم غاية في الانحطاط، لأن الأسباب الحقيقية التي جعلت ملك البلاد يقوم بهذه الخطوة هو ظهور ثغرات كبيرة في نص المدونة المعتمد منذ 2004، وتزايد شكاوى النساء سواء في مراكز الاستماع أو في المحاكم مما تسبب في شرخ داخل الأسرة المغربية بسبب اعتماد نصوص قانونية لا تساير تطور الواقع، فهل ضياع المصلحة الفضلى للطفل بسبب عدم توفر المرأة على الولاية على أبنائها، ومطالبة الإدارة المغربية لها بالإتيان بالرجل، يقع بإيعاز من قوى خارجية ؟ وهل الإلقاء بالمرأة في الشارع بعد عقود من الزواج بدون أي اعتراف بتضحياتها هو مؤامرة من الخارج ؟ وهل تزويج الطفلات في سن عدم اكتمال النضج النفسي والعقلي وتعريضهن للعنف والاغتصاب والضياع يتم أيضا بسبب أياد أجنبية ؟ أم بسبب الفقه القديم ؟ وهل اعتماد كارثة “التعصيب” وهضم حقوق الفتيات والنساء آت من الخارج كذلك ؟

ومن حُججهم أيضا قولهم إن مراجعة المدونة إنما ترمي إلى تفكيك الأسرة المغربية وهدمها، وهذا معناه أن الأسرة المغربية اليوم متماسكة وقوية، وهذا غير صحيح، لأنّ السبب الرئيسي لمراجعة المدونة هو التمزقات التي أصبحت تطال الأسرة المغربية بسبب اعتماد قوانين لم تعُد تطابق واقع الأسرة ووضعية النساء ومفهوم الطفولة اليوم، يدلّ على ذلك تزايد نسبة الطلاق بسبب عدم تطابق القوانين المعدّلة مع العقلية الذكورية السائدة ونمط القيم التقليدية، مما يستلزم المراجعة الفورية لجعل الأسرة قائمة على المساواة وتقاسم المسؤوليات والاحترام المتبادل والمودة والمحبة، حيث يبدو أن نمط العلاقات التقليدية جعلت “استقرار الأسرة” يقوم على وجود “ربّ” واحد لها وهو الرجل، مع اعتماد العنف والإخضاع للمرأة وللأطفال، وهذا واقع ينبغي تجاوزه بشكل نهائي، لأنّ الوضعية الحالية للمرأة تمنحها سلطة اقتصادية واجتماعية وثقافية لا تتلاءم مع علاقات “الطاعة” والعبودية القديمة.

وهذا يدل على أنه لا يكفي تعديل النصوص بدون تغيير العقليات وعلى رأسها عقلية الرجل الذي يهمّه الاستفادة من عمل المرأة ، لكنه لا يقبل تقاسم المسؤولية والسلطة معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • مصطفى
    منذ شهر واحد

    أظن أن هذا النوع من السرد لا يخدم العلمانيين في بسط أفكارهم حول المدونة، فإن لم يستطع الأستاذ عصيد مقارعة حجج الفقهاء المنافحين عن الشريعة الإسلامية فمن الأحسن له السكوت لأن للفقهاء حجج دامغة وصلبة.

  • جمال
    منذ شهر واحد

    أظن أن العنوان المناسب هو خواطر حول الرأي المخالف للعلمانيين حول المدونة. الأستاذ عصيد ظن نفسه أنه داخل فصل دراسي أمام مراهقين، فكل الافتراضات التى بنى عليها خواطره لم يقل بها أحد الفقهاء ولا الجمعيات التي تخالف العلمانيين في أطروحاتهم.

  • مزان
    منذ شهر واحد

    يا من يزعم التقدمية وخدمة قضايا المرأة وحقوق الإنسان ومافتئت عن التفيكك والتفكك والحجج الفاسدة والانحطاط وغيرها من الرطانات التي تحاكي بها لغة أهل المعرفة والعلم مشرئبّا إلى ما لا سبيل للوصول إليه لأنك لست من هذا الفن والمضمار وإلا لرأينا لك مقالات محكّمة ومرجعية في المنابر العلمية المحترمة ولهذا فأنت وغيرك ممن يصدحون بهذا النشاز لا يجدون سوى القصاصات يكتبونها كما تفعل هنا وهناك.. هلاّ فككت فقط الحجج في قضية امرأة واحدة " مزان مليكة" ما فتئت تستغيث بما كان لك معها..ثم أنت وغيرك ممن يتشدقون بالزواج العرفي ومشاكله ألست أنت بخطك من كتب سطورا لا هي من العرف ولا من القانون يقر فيه بزواجه بمليكة مزان لتخرج بعدها لتقول كلاماً غير مسؤول مدعياً أنها كانت مجرد دعااابة..صدقت كل ما تفعله دعابة في دعابات وهذا " المقيل" و غيره دعااابات والعجب أنك تحاول عبثاً جرّ الناس إليها.. هزلت مع أمثالكم!!

  • العبدي
    منذ شهر واحد

    أستاذ عصيد، التيار المحافظ لا يريد أن يناقش القضايا الجوهرية للمجتمع بهدوء ورصانة د، ولذلك تجده يسرع الى تخوين وتسفيه الرأي المخالف بدون تقديم الحجة وبدون مقارعة الفكرة بالفكرة، وهم أيضا يتسلقون قضية حقوق النساء والمساواة في محاولة يائسة للعودة إلى الساحة العمومية بعد خفت وأفل نجمهم.

  • خالد
    منذ شهر واحد

    كيف لك أن تقنعني بقولك إن بنيات المجتمع وسلوكه تغير، وبالتالي يجب تغيير القوانين ليطابق الواقع الجديد، والكل يعلم التضييق الكبير والمبالغ فيه على العلماء والوعاظ واستبعادهم الممنهج من القنوات العمومية، و التضييق على الأنشطة الجادة، في حين يتم التساهل والدعم السخي لكل ما يفسد الأخلاق ويميع المجتمع. ثم تأتي وتفتح فاك فتتقيأ علينا بهذه الأفكار التخريبية. ما هذا المنطق المعوج.

  • الوجدي
    منذ شهر واحد

    هذا النكرة آخر من يقدم النصيحة للمغاربة هذا من أعمدة الصهيونية في المغرب يُعبّدُ الطريق للصهيونية من خلال تحليلاته التي تريد تفكيك المجتمع المغربي و الاسرة المغربية ،بطريقة نزيهة و شفافة هذا من الناس الذين زاروا إسرائيل عدة مرات و التقى مع مستشار المجرم الصهيوني بيبي الناتن ياهو … سمعوا ليه مزيان يا لمغاربة …. حرب غزة فضحت الجردان وأخرجتهم من جحورهم عصبة الشيب

  • رمضان
    منذ شهر واحد

    أيها الكذاب الاشر ….راجع مستوى الطلاق قبل أربعين سنة قبل ان امثالك من الكلاب عملاء اليهود والماسونية….آلشعب المغربي …لابد يوما من الاقتصاص من امثالك…وشرذمة اليسار في حزب لشكر البربري المتخفي باسم اليسار…والعرب الكلآب في حزبه وجمعياته يصفقون….بلداد من النوع الرفيع

  • حمادي
    منذ شهر واحد

    يا عملاء الصهيونية والماسونية….نحن عرب مسلمون….استخدمكم الصهاينة لضرب مقومات البلاد….والعرب في احزاب اليسار صاروا قرود يضحك عليهم البربر أمثال لشكر وعضيد…لتمرير ما يريده الماسوني اخنوش والعنصري الصهيوني عصيد….ايها الكلب العربي في اليسار انت جرثومة العمالة لأسيادك حتى فقت من نومك….وقنون شيشنا الذي وضعه محمد السادس سيزال يوما ما بقانون شعبي أو استفتاء