منوعات

عائدون .. عليلوش ورفاقه يعانقون أحضان الوطن لكن بغصة في القلب (ح 6)

لم يكن الشاب عدي عليلوش ذي العشرين ربيعا يدري وهو يتقدم بطلبه للانضمام إلى القوات المسلحة الملكية للدفاع عن حوزة التراب الوطني، سنة 1975، أنه سيؤدي فداءً للوطن جزءا من عمره وحريته على مدى 25 عاما من الأسر في سجون مرتزقة البوليساريو والجزائر…هناك سيذوق مختلف أنواع وصنوف التعذيب، وسيصل الى مرحلة فقد فيها الأمل في الحياة والعودة إلى أرض الوطن، بعدما شاهد المئات من زملائه يموتون جوعا أو تعذيبا أمام عينيه.

ولد عدي عليلوش، سنة 1955 ببلدة “النقوب” المعروفة بالقصبات و واحات النخيل بإقليم زاكورة،و التحق -كما سبقت الإشارة- بالقوات المسلحة الملكية في عام 1975، أثناء المسيرة الخضراء. وقضى بضعة أشهر في التدريب والتكوين العسكري بورزازات، ليتم إرساله بعد ذلك إلى الصحراء المغربية، حيث عمل في طانطان والسمارة والعيون. وما لبث أن وقع في الأسر رفقة ثلاثة من زملائه سنة 1976، أي بعد عام واحد فقط من انضمامه للجيش المغربي.

الحلقة السادسة: نهاية المحنة

قضى 201 أسيرا مغربيا أربعة أيام في انتظار رد السلطات المغربية على مراسلة الصليب الأحمر الدولي بشأن استعادة الأسرى المفرج عنهم من طرف مليشيات البوليساريو. وقال عليلوش: ” رغم أن تلك الأيام الأربعة كانت تبدو طويللة جدا كان الرد إيجابيا”، مضيفًا أن “الصليب أخبرنا بأنهم تقدموا بطلب لتأجير طائرة، وأنها لن تكون متاحة حتى الغد في العاشرة صباحا”.

في اليوم التالي، كما كان متوقعا، تم استئجار طائرة سويسرية، وقد جلب الصليب الأحمر الدولي حافلات لنقل الأسرى إلى مطار تندوف العسكري. وصف عليلوش هذا اليوم بأنه “كان حارا للغاية، وكان الجميع ينتظر موعد وصول الطائرة بتوتر وقلق وخوف من مغبة العودة إلى نقطة الصفر”.

عند الساعة الثالثة بعد زوال يوم رمضاني حار هبطت الطائرة السويسرية في مطار “تندوف” العسكري، واندفع الجميع مهرولا لأخذ مقاعدهم مخافة أن تمتلئ المقاعد فيضطر المسؤولون عن العملية إلى ترك أفراد منهم، ولحسن حظهم حظي جميع السجناء بمقعد الخلاص من عذاب المخيمات، ويقول عدي مستطردا: “حلّقت الطائرة في السماء، وبعد مرور ساعة، سمعنا صوت ربان الطائرة وهو يقول: “على سلامتكم، نحن الآن فوق الحدود المغربية الجزائرية، وبعدها بلحظات أعلن الربان : الطائرة تحلق الآن في سماء الوطن، إلى أن وصلنا فوق مدينة أكادير”.

تنفس الأسرى المغاربة الصعداء بعد أن حطت بهم الطائرة بمطار المسيرة في أكادير، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر أن تفتح أبواب الطائرة ليضعوا أقدامهم على أرض الوطن الذي قاتلوا وضحوا من أجله ويستنشقوا هواء الحرية، بعد ربع قرن من الأسر والتعذيب النفسي والجسدي في سجون البوليساريو والجزائر.

ما زال عليلوش يتذكر بحسرة وحرقة كيف استقبلهم ضابط من الطب العسكري داخل الطائرة. “كان يعاملنا كأننا أكياس من الحجر، قام فقط بعدنا، دون سلام ولا كلام، ليته شتمنا على الأقل. بعد ذلك، وقع على بعض الأوراق وغادر الطائرة. ومع ذلك، لن ننسى أبدا حرقة تلك اللحظة، لأنه ليس بهذه الطريقة يتم استقبال الجنود الذين قدموا الغالي والنفيس فداء لبلادهم وقضوا سنوات طويلة في سجون العدو”.

ومضى عليلوش واصفا تك اللحظة المفصلية: “نزلنا من الطائرة، و وجدنا عددا من الحافلات في انتظارنا حيث تم نقلنا إلى ثكنة عسكرية، تم توزيعنا على الغرف وتزويدنا بالأغطية وبعض المستلزمات، وتناولنا وجبة الفطور، ثم خلدنا للنوم، وبعد ذلك تناولنا وجبة السحور. في اليوم التالي، قدمت لجنة من الرباط وطلبت منا معلوماتنا الشخصية مثل الاسم والعنوان، وحيث تم أسرنا وكم قضينا في الأسر”.

ويحكي عليلوش أنه وبعد مضي 3 أيام على عودتهم إلى أرض الوطن، تم السماح للعائلات بزيارة الأسرى. وبعد عيد الفطر، حضرت لجنة من الأطباء لفحصهم، وتم توجيه بعض المرضى إلى المستشفى العسكري في الرباط، بينما تم توجيه آخرين إلى مراكش كان من ضمنهم عدي، برفقة اثنين من الأسرى من الخميسات وأيت بعمران، حيث كان يعاني من آلام حادة في الجهاز الهضمي بسبب سوء التغذية.

ويتذكر عدي، أن المسؤولين المغاربة طُلبوا منه التواصل مع عائلته لإعداد عدد من الوثائق الإدارية لاستخراج بطاقة تعريف جديدة له، ومن هذه الوثائق شهادة السكن وشهادة العزوبة، هذه الأخيرة واجه صعوبة كبيرة في الحصول عليها، حيث أنه قبل أن يتعرض للأسر كان متزوجاً في قريته النقوب، لكن زوجته تطلقت منه قانونيا و تزوجت برجل آخر وأنجبت منه أولادا.

تكلف شقيق عدي بإعداد وثائقه الإدارية و أحضرها له إلى أكادير، وبعد ذك تقرر إرسال عدي إلى ثكنة بمراكش وهناك بقي بمعية مجموعة من رفاقه يستفيدون من وجبة الفطور والغذاء والعشاء فقط دون لمجة أو وجبات أخرى، مما حدا بعدي أن يخاطب ممرضا “ماجور” قائلا: “نحن لم نخرج من سجن لكي ندخل سجنا آخر، إننا نعاني من الجوع كما أننا لانملك مالا لكي نشتري طعاما من الخارج” ويضيف عدي بحسرة وألم “كما أننا لم نستحم ولم نر (الدوش) منذ شهر” استجاب المسؤولون لاحتجاج عدي ورفاقه فتحسن الأكل بشكل كبير.

إلا أن “الدوش” ظل غير متاح بعد أن قال الماجور متأسفا: “الدوش ماعندي كي ندير “..فتدخلت عسكرية من درجة “شارجان” قائلة للماجور : “خليوهوم يمشيو بحالهم” فأجابها الماجور :” بأن هؤلاء لم يروا الخارج منذ 25 سنة وإذا خرجوا من هنا سنفقدهم وسيتيهون”..إلا أن المسؤولين سيرجعونهم إلى أكادير وتم تسليم بعض السجناء لذويهم، فيما تم الاحتفاظ بعدي وبعض رفاقه في انتظار أن تأتي لجنة من الرباط لكي تتم تسوية وثائقهم كي يتسلموا رواتبهم المجمدة.

لكن صبر عدي سينفذ وسيتوجه إلى مكتب مؤسسة الحسن الثاني للمصالح العسكرية وسيقول للمسؤول هناك: راه الى مطلقوتناش حنا غانمشيو ….ليتحرك المسؤولون بعد ذلك لحل كل الإشكالات الإدارية… يتنهد عدي بأسى وهو يقول: تم منحنا 60 ألف ريال لكل فرد منا فجاء شقيقي من قريتي واصطحبني وطلبوا مني العودة بعد شهرين لاستلام راتب شهرين آخرين…”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *